ملفات وتقارير

شتاء غزة المحاصرة يعيد ذكريات نكبة 1948

تم إجلاء 1183 أسرة من منزلها إلى مراكز الإيواء - الأناضول
تم إجلاء 1183 أسرة من منزلها إلى مراكز الإيواء - الأناضول
أعادت مشاهد نزوح الفلسطينيين من منازلهم بسبب السيول والأمطار الغزيرة، إلى أذهانهم ذكريات نكبة فلسطين عام 1948، حينما اضطروا لترك منازلهم بسبب "مجازر العصابات الصهيونية".

وترى فاطمة أبو ريالة (50 عاما)، المقيمة في مركز إيواء، بإحدى مدارس مدينة غزة أن الزمن "عاد للوراء ستة عقود وأكثر".

فبينما كان قارب النجاة الصغير الذي أنقذها وعائلتها من الغرق يبتعد شيئا فشيئًا عن منزلها المغمور بمياه الأمطار، فيما كانت نظرات الحسرة في عينيها مثبتةً نحوه، تراءت في مخيلتها مشاهد الهجرة التي رواها لها والديها حينما أجبرتهما "العصابات الصهيونية" عام 1948 على النزوح من قرية "حَمامة"، باتجاه قطاع غزة.

واليوم تجد "أبو ريالة"، نفسها في مشاهد مماثلة حيث خرجت من منزلها فارة بحياتها، تاركة وراءها كل ما تملك، بعد أن أغرقت الأمطار مناطق من مدينتها المحاصرة.

وتضيف بحسرة، لمراسلة وكالة الأناضول للأنباء:" كأن اللجوء هو قدر الفلسطيني في كل زمان ومكان".

وكان مئات الآلاف من الفلسطينيين قد أُجبروا على مغادرة بلداتهم وقراهم داخل فلسطين (التاريخية) عام 1948، هربا من المجازر التي اقترفتها العصابات الصهيونية، قبيل إعلان تأسيس دولة إسرائيل.

ولا زال هؤلاء الفلسطينيون لاجئون حتى اليوم في مخيمات عديدة تتوزع على عدة دول، فيما وصلت أعدادهم إلى ما يزيد عن 5 مليون شخص، نتيجة الزيادة الطبيعية.

وغرقت المئات من المنازل والأحياء السكنية في قطاع غزة؛ نتيجة لتعرضها للمنخفض الجوي العميق "أليكسا" يوم الأربعاء الماضي، وحتى مساء السبت.

وتم إجلاء 1183 أسرة من منزلها إلى مراكز الإيواء في جميع أنحاء القطاع، بواقع 5246 فردًا، ولجأت عائلات أخرى إلى منازل أقاربها.

وتقول فاطمة:" ما حصل لنا اليوم كأنه ذاته ما حلّ بآبائنا وأجدادنا منذ عقود، فأنا تركت منزلي وكل ما أملك لأنجو لنفسي من موت محقق كان سيلحق بي بفعل الأمطار والبرد الشديد، واليوم لا يوجد بحوزتي أي شيء".

ولم تهنأ "فاطمة" بمنزلها الصغير الذي لا تتجاوز مساحته 70 مترا، بعد، كما تقول، فبالكاد تم تمكنت من بنائه قبل ثلاثة سنوات.
وتضيف:" بنيت منزلي من تبرعات أهل الخير، بعد رحلة من معاناة السكن في منازل الإيجار، التي لم يعد زوجها المصاب بالسرطان قادرًا على دفع تكاليفها".

وتركت "فاطمة" التي لم تتوقف عن ذكر كلمة "الدمار" خلال حديثها، منزلها في اليوم الثالث للمنخفض بعد أن ازداد ارتفاع منسوب المياه إلى نحو 3 أمتار.

ويتفق مع "أبو ريالة"، محمد بركات البالغ من العمر 57 عاما، فرغم أنه ودع طفولته منذ عقود إلا أن ذاكرة الحياة في المخيم، مع والديه اللذين عانيا من ويلات اللجوء عام 1948.

ويقول لمراسلة وكالة الأناضول للأنباء:" أجواء التدفئة على الحطب، وتجمعات المواطنين في المدارس وهم لا يملكون أي شيء، إضافة للمعونات ووجبات الغذاء المقدمة، هذا كله يجعلني أشعر بالفعل كأننا لاجئون".


ووصف بركات الوضع بقطاع غزة حاليا بالمأساوي قائلاً:" لم أشهد وضعًا أقسى مما حلّ بنا الآن، باستثناء مأساة الحروب الإسرائيلية، ولكن مأساتنا اليوم إنسانية ..هي كارثة حقيقية، وكأنه كابوس لا يمكن تصوره".

وتابع:" نحن في نكبة تقترب من قسوة نكبة عام 1948، فقد فقدنا كل شيء، أوراقنا الرسمية وبطاقاتنا الشخصية، وأموالنا ومنازلنا".
وقد غرق منزل بركات المكون من طابقين بكل ما فيه، وفقد سيارته أيضًا.

انتقلنا إلى مجاورة لغرفة "بركات"، احتضنت جدرانها مأساة مختلفة، فوجدنا الشابة سماهر إدريس، التي فقدت جنينها السبت الذي لم يكمل شهره الثاني؛ لشدة البرد، وعدم وجود أي وسيلة تدفئة أو أغطية وملابس كافية.

وأعاد ما حدث لها ولأسرتها لذهنها أجواء الحربين اللتين شنتهما إسرائيل خلال الأعوام الماضية (2008-2012)، والتي تحاول جاهدة دومًا نسيانها، لما ألحقته بها من خوف وضغط نفسي.

والحيرة والقلق من القادم لم يتركا إدريس، فزوجها عاطل عن العمل، وأقاربها أصابهم ما حلّ بها، وهي يتيمة ولا تعرف أين ستذهب؟.
 وتقول:" كل ما جرى جعلني أعود بذاكرتي رغمًا عني لأجواء العدوان الإسرائيلي".

وشنت إسرائيل عدوانيين على قطاع غزة، كان الأول في أواخر ديسمبر/ كانون أول2008، واستمر 22 يومًا، فيما كان العدوان الثاني في 14 نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، وأودى العدوانيين بحياة آلاف الفلسطينيين، وإصابة آلاف آخرين.

تجولنا في غرفة أخرى داخل إحدى مراكز الإيواء لنجد الحاج الخمسيني زياد الوليد، ممددًا على فرشة، وقدمه مضمدة.

وبقي زياد نحو خمس ساعات عائمًا في مياه الأمطار في ظل البرد الشديد وإصابته بالسكر حتى تمكنت طواقم الدفاع المدني، من إنقاذه.
وقال للأناضول:" الآن أحتاج لأثاث كامل آخر فلا يمكنني استخدام الممتلكات الحالية، لأنها لم تغرق بمياه الأمطار فحسب، إنما اختلطت بمياه الصرف الصحي أيضًا، ولا أعلم كيف سأوفره في ظل ما أعاني من مرض".

ولم تتلف المياه أثاث منزل الوليد فقط، إنما اقتلعت أرضيته أيضًا، حسب قوله.

وبلغت الحصيلة النهائية لضحايا المنخفض الجوي العميق الذي ضرب قطاع غزة خلال الأربعة أيام الماضية حالتين وفاة، و108 إصابة بجروح متلفة منها خمس حالات خطيرة، بالإضافة إلى تشرد قرابة 5 آلاف فرد، حسب وزارة الصحة.

وأعلنت وزارة الشؤون الإجتماعية السبت، أن 3.300 وحدة سكنية تعرضت للغرق الكامل، موقعة خسائر تقدر بنحو 40 مليون دولار.
التعليقات (0)