ملفات وتقارير

القاعدة تكسب تعاطف اليمنيين مع كل غارة

اليمن
اليمن

 في الثالث والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2013 انتهى مدرس العلوم علي ناصر القاولي من الاشراف على الاختبارات المدرسية في قرية الخولان اليمنية وكان يقضي المساء مع أصدقائه حينما قابل مجموعة من الغرباء.
أرادوا ركوب السيارة الأجرة التي كان يستقلها القاولي وابن أخيه. يقول سكان إنه بعد قليل أطلقت طائرة أمريكية صواريخ على السيارة.
يقول محمد شقيق القاولي الذي هرع إلى المكان "كلنا في القرية سمعنا انفجارا ضخما...جمعنا الأشلاء المتفحمة التي كانت متناثرة في كل مكان ووضعناها في أكياس بلاستيكية وحملناها إلى المستشفى حتى نتمكن من دفنها في اليوم التالي" وأضاف "كان أخى متفحما تماما. تعرفنا عليه من أسنانه. كما لو أنهم يقتلون حيوانات."
وتظهر نسخة من سجل الحضور في مدرسة خالد بن الوليد توقيع القاولي في أول أربعة أيام من ذاك الأسبوع. وفي خانة يوم الخميس كتب "استشهد يوم 23  كانون الثاني / يناير 2013".
وفي ذلك الوقت قالت مصادر محلية لرويترز إن الغارة قتلت ستة أشخاص على الأقل يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة.
وتقول الحكومة اليمينة الآن إن القاولي وهو أب لثلاثة أطفال وابن أخيه ضحايا أبرياء ولا ينتميان لأي تنظيم متشدد. وأكدت في بيان أن القاولي لم يكن يعرف الأشخاص الذين استقلوا السيارة المذكورة أو على اتصال بهم.
ومقتل القاولي مجرد واقعة واحدة لاقى فيها مواطنون يمنيون حتفهم في هجمات لطائرات أمريكية بدون طيار وهي الطريقة التي تفضلها واشنطن للتصدي لتنظيم القاعدة في اليمن.
وأمس الخميس قال مسؤولون يمنيون إن 15 شخصا كانوا في طريقهم لحضور حفل زفاف قتلوا حينما أخطأت غارة جوية هدفها المحدد لضرب متشددين مشتبها بهم. ولم يتضح ما إذا كانت طائرة أمريكية بدون طيار أم طائرة يمينة هي التي نفذت الهجوم.
وتقول الولايات المتحدة إن برنامجها لهجمات الطائرات بدون طيار نجح في التخلص من أعضاء القاعدة في عدة بلدان. ويقول بعض اليمنيين إنه لولا هذه الضربات لاستولى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب على المزيد من الآراضي في أنحاء اليمن.
وأبلغ وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي رويترز في أيلول/ سبتمبر أن ضربات الطائرات بدون طيار "شر لابد منه" وتحدث بالتنسيق مع الحكومة اليمنية."
ويقول يمنيون آخرون وبعض السياسيين الأمريكيين إن الغارات والضحايا المدنيين تزيد من حجم التعاطف مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتذكي مشاعر الغضب من الولايات المتحدة. ويستهدف التنظيم الذي ينتشر في أنحاء اليمن حاليا الشرطة المحلية ومسؤولي الأمن الذين يسيطرون بالكاد على البلاد.
وتتعرض قوات الشرطة والجيش لهجمات انتحارية شبه يومية يلقي المسؤولون بالمسؤولية عنها على متشددين يشتبه في انتمائهم للقاعدة. وفي الخامس من ديسمبر كانون الأول قتل أكثر من 50 شخصا عندما هاجم نحو 12 متشددا مجمع وزارة الدفاع في صنعاء.
وأبلغ محمد القاولي رويترز "هذه الهجمات (بطائرات بدون طيار) تولد المزيد من الارهاب. في منطقتنا لم يرتبط أي شخص قط بالقاعدة. بعد الغارة بدأ الجميع في المنطقة الاستماع إلى تسجيلات القاعدة وتبادل تسجيلات الفيديو على الهواتف المحمولة."
وأضاف أن الكثير من المنازل في منطقته ترفع حاليا علما أسود يحمل الشهادتين الذي تستخدمه القاعدة كشعار لها.
وأبلغ الان جرايسون وهو عضو ديمقراطي في الكونجرس الأمريكي عن ولاية فلوريدا رويترز أنه وفقا لمسؤول أمريكي خدم في اليمن "تؤدي كل غارة بطائرة بدون طيار إلى انضمام 50 إلى 60 عضوا جديدا للقاعدة". ووصف جرايسون الذي شارك مؤخرا في جلسة بالكونجرس ضمت أقارب ضحايا غارات طائرات بدون طيار هذه السياسة بانها "غير فعالة".
وتتغاضى الحكومة اليمينة عن الهجمات ولا تعلق عادة على الدور الأمريكي في وقائع بعينها. وتكافح الحكومة اليمنية لتستعيد كامل سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي يهيمن عليها المتشددون والانفصاليون.
لكن راجح بادي المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء قال لرويترز إن الضربات تسببت في بعض الحالات في انضمام أفراد إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بدافع الثأر خاصة حينما تستهدف أبرياء.
ويتمتع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي تشكل عام 2009 بسمعة كأحد أنشط الأجنحة الاقليمية للقاعدة ونفذ هجمات انتحارية على سياح ودبلوماسيين وعمليات ضد السعودية المجاورة وأهداف أمريكية في الخارج.
وفي 2011 استولى متشددو القاعدة على بلدتي زنجبار وجعار في جنوب البمن وشقراء في محافظة أبين وأسسوا "امارات" اسلامية بينما كانت البلاد في غمار انتفاضة أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح. ولجذب مؤيدين لهم أطلق المتشددون على أنفسهم اسم أنصار الشريعة وعينوا متحدثا للتعامل مع وسائل الاعلام.
وواجه جمال العاقل محافظ ابين تحديات كبيرة لطرد المتشددين الذين كانوا يتمتعون ببعض التأييد المحلي حينما تولى منصبه في نيسان/ أبريل 2012. وقال العاقل الذي يضع مسدسا في حزامه لرويترز "كنا ندير المحافظة وندير معركة.. القاعدة لا تتحرك الا في كنف بيئة تساعدها على التحرك. أعتقد أن البيئة التي كانت تساعدهم لم تعد موجودة."
ويرجع مسوؤلون أمريكيون الفضل لاستراتيجية الطائرات بدون طيار في ان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لم يعد قادرا على السيطرة على مناطق باليمن كما فعل في 2011. وقتلت هذه الهجمات عددا من القياديين المشتبه بهم في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ومن بينهم أنور العولقي المتشدد الاسلامي الأمريكي المولد الذي دبر مؤامرات تفجير طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت في 2009 وطائرات شحن أمريكية في 2010، وقتل العولقي في أيلول/ سبتمبر 2011.
ورغم أن الهجمات نالت من قدرة المتشددين أبلغ سكان في عدة أنحاء باليمن رويترز خشيتهم من أن يأتي برنامج الطائرات بدون طيار بنتائج عكسية. وفي العاصمة صنعاء أقر عبد الرزاق الجمل الصحفي الذي نظم مقابلات مع العديد من أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بأن الجماعة تلقت عدة ضربات موجعة لكنه قال إن الغارات منحتها أيضا أعضاء جددا.
وقال الجمل الذي كان يحمل خنجرا على غرار معظم الرجال في اليمن "حدت غارات الطائرات بدون طيار من تحركاتهم لكنها جعلت ايديولوجيتهم أكثر جاذبية بين الناس. عندما يقتل يمني لا يهم ما إذا كان من القاعدة أو لا."
وأشار إلى أن بعض السلفيين غاضبون لأن الضربات تقتل السنة الذين يشكلون غالبية اليمنيين وليس المتمردين الحوثيين الشيعة الذين يقاتلون الحكومة منذ سنوات.
وقال جمال "مطاردة القاعدة دفعت الكثير من السلفيين إلى التقرب منها. لماذا لا تتعقب هذه الطائرات المسلحين الشيعة الذين يرددون (الموت لأمريكا والموت لاسرائيل)". مشيرا إلى الشعار الذي يردده الكثير من المتشددين الشيعة في اليمن وغيره.
وتابع "مئات الأسر تسعى للثأر من أمريكا ولهذا ينضمون إلى صفوف القاعدة".
وفي جعار القرية المتداعية في محافظة أبين حيث تنتشر رائحة السمك الطازج في السوق المفتوحة لا يزال التعاطف مع المتشددين قويا.
وشهدت جعار العديد من الهجمات رغم أنه من غير الواضح ما إذا كانت من تنفيذ طائرات أمريكية بدون طيار أو القوات الجوية اليمنية. ولا تزال هياكل السيارات المحترقة التي دمرت في غارة قبل عامين تقف قرب أكوام من أنقاض ما كان يوما منازل من الطوب من طابق واحد.
ويختلف السكان فيما إذا كان بعض الضحايا من أعضاء القاعدة لكن كل من تحدثت معهم رويترز قالوا إن بعض الضحايا كانوا مدنيين.
ووصف قصاب يقف أمام بيته في جعار غارة وقعت في منتصف 2012 ودمرت منزلا قريبا منه كان قد انتقل اليه ستة رجال "أمسكت بالأطفال وأخذتهم بعيدا بينما كنا نستنشق البارود والدخان. رأيت أشخاصا يخرجون بعض الرؤوس واشلاء."
وذكرت زوجته أم عبد الله أنه حينما كان المتشددون يسيطرون على المنطقة كان بوسع السكان الحصول على الكهرباء والمياه بشكل أفضل. ويقول مسؤولون يمنيون إن مثل هذه الاراء مضللة ومبالغ فيها.
ويحذر زعماء القبائل الذين يتمتعون بنفوذ كبير في البنية الاجتماعية المعقدة في اليمن من تزايد التعاطف مع القاعدة. وقال عواد أحمد محسن من قرية في الجنوب ضربتها طائرة بدون طيار وقتلت العشرات في 2009 لرويترز إن أمريكا جلبت الكراهية مع هذه الطائرات.
وردا على سؤال عما إذا كان مزيد من الأشخاص التحقوا بالقاعدة في أعقاب الهجمات التي قتلت مدنيين أجاب محسن "بالتأكيد. وحتى من لم يلتحقوا يتعاطفوا حاليا مع القاعدة بسبب هذه الهجمات وهذه الانتهاكات. يثأرون من أي أمريكي يرونه حتى وإن كان مدنيا."
وأجبرت الغارات المتشددين على التحرك بأعداد أصغر لتجنب رصدهم وهذا يصعب مهمة القوات اليمنية في استهدافهم.
وقالت باربرا ليف مساعدة نائب وزير الخارجية الأمريكي لشؤون شبه الجزيرة العربية خلال جلسة للجنة فرعية في الكونجرس في نوفمبر تشرين الثاني "نواجه الآن تنظيما أكثر تشتتا يركز على أساليب حرب العصابات والهجمات غير المتكافئة ضد القوات اليمنية... أتمنى لو كانت هناك عصا سحرية لعلاج هذا. لا توجد عصا سحرية.. نعرف هذا كما يعرفه اليمنيون."
وتم توجيه الكثير من ضربات الطائرات بدون طيار ضد متشددين مشتبه بهم في آب/ أغسطس بعدما رصدت السلطات مؤامرة ضد سفارات أمريكية لكن وتيرة الهجمات تباطأت منذ ذلك الحين.
وفالت ليف إن استمرار الدعم الأمريكي للأمن اليمني مسألة "حيوية" وأقرت بأنه في حين تمتلك الحكومة اليمنية الارادة للتصدي للقاعدة في جزيرة العرب "فانها تفتقر للقدرة في هذا الوقت لبسط الأمن في كافة أنحاء البلاد".
وفي مواجهة انتقادات من جماعات حقوقية دولية ومخاوف الأمريكيين من الانخراط في مزيد من الصراعات الاقليمية أقرت لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي خطة لزيادة الرقابة على هجمات الطائرات بدون طيار بما في ذلك إجراء إحصاء سنوي للضحايا. لكن مجلس النواب رفض هذه الخطوة في أواخر نوفمبر تشرين الثاني.
ويعتقد آخرون أن الحل الوحيد في المدى الطويل لقضية المتشددين في المنطقة هو الدبلوماسية. وقال حمود الهتار وزير الاوقاف اليمني السابق الذي كان رئيسا لبرنامج لاعادة تأهيل المتشددين السجناء في أوائل القرن الحادي والعشرين إن تغيير فكر المتشددين هو الطريق الأفضل للتعامل معهم.
وأضاف الهتار من منزله في صنعاء أن استخدام القوة لن يؤدي سوى إلى تعزيز فكرة استخدام القوة وإنه ينبغي العمل على تغيير الجذور الفكرية وإلا سيستمر الإرهاب.
التعليقات (0)