عندما سُتقرأ هذه الكلمات سيكون واضحا على ما يبدو اذا كان سيكون بالفعل اتفاق في جنيف. عندما كتبت هذه الكلمات كان يخيل أن الاتفاق هو حقيقة ناجزة تقريبا، حتى لو لم يكن وقع واكتمل. في القدس يعترفون بانه انتهى يوم المعركة والان الصراع هو على الصياغات. ولكن الصورة واضحة: ايران تجمد برنامجها النووي، تجمد ولا تفكك. وبالمقابل فانها تحصل على رفع جزئي جدا للعقوبات، ولكنه رفع يمكن أن يظهر امام العالم والشركات الدولية كبداية النهاية لعزلتها. هذه قصة بلا نهاية. بلا قصف. بلا نزع. بلا تغيير النظام. كلها مكتوبة في البحر الغامض للعلاقات الدولية.
لقد ألقى خمينئي هذا الاسبوع خطابا هاما. تحدث عن أن تعبيره "المرونة البطولية" فهمت على نحو غير سليم. وقال الزعيم الروحي ان المقصود ليس التنازل بل ايجاد سبل "ابداعية" و "فنية"، للوصول الى الهدف. وتعبير "فني" لا يجد طريقه، بشكل عادي الى الخطابات السياسية؛ ففي الفن يوجد تظاهر ووهم. خمينئي تحدث عن أن ايران تريد صداقة حتى مع الولايات المتحدة، "ولكنهم يعادوننا"، وبعد ذلك طور على مدى نصف ساعة خطابا شيطانيا تاريخيا ضد الغرب. فهل هذا الخطاب كان انفجارا ايديولوجيا، الشرارة الاخيرة قبل الخضوع التاريخي في جنيف؟ هل كان خطاب النصر؟ الجواب في نظر الناظر. الناظر الى الاتفاق نفسه.
اذا وقع الاتفاق في جنيف حقا، فان عصرا جديدا يبدأ في المنطقة. في سوريا ينشغل الغرب اساسا بالتورط (المتوقع جدا) في تدمير مخزونات السلاح الكيميائي. في ايران، مسألة السلاح النووي والعقوبات ستحظى بتهدئة طويلة. وقريبا سيحاول الايرانيون، الامريكيون والروس الوصول الى تسوية اقليمية شاملة توقف الحرب الاهلية السورية.
ما هو مكان اسرائيل في هذه المنظومة الجديدة؟ اين تنخرط؟ هذه مسألة جسيمة، بالضبط من نوع المسائل التي لا تستطيع اسرائيل الحالية التصدي لها. لانه من الناحية الجوهرية الخيار الاستراتيجي للمدى البعيد ليس في مجال اختصاصها.
ما هو مكان طهران؟ الايرانيون هم رأس حربة العالم الشيعي. من يريد تسوية في سوريا يحتاجهم، وكذا من يحتاج الاستقرار في لبنان ايضا. لديهم أهمية هائلة في العراق، كدولة يسيطر عليها حكم شيعي، ومصالحهم متداخلة جيدا مع الاحداث في افغانستان. دولة تأمل الولايات المتحدة في الخروج منها في السنتين القريبتين بشكل كامل. قد تكون اسرائيل قوية جدا عسكريا، وبسبب سلاحها الاستراتيجي (حسب منشورات اجنبية) اقوى من ايران، ولكن مجالات نفوذها ضيقة. عندما يتصل ديفيد كامرون، رئيس وزراء بريطانيا بالرئيس الايراني لاول مرة منذ عقد من الزمان، فانه في واقع الامر يدعو الرئيس الايراني الى الشروع في اللعب في ساحة الكبار. في ساحة القوى العظمى. لاسرائيل يوجد تأثير في مصر، في الاردن، في المناطق الفلسطينية. كان دارجا القول ان لها تأثير هائل في واشنطن؛ ولكن ها هو، برعاية سياسة الحكومة الحالية ثبت وتأكد بان ليس لها قدرة على احباط اتفاق تراه كمصيبة تاريخية مع ايران. ضعفها – ظاهرا – انكشف. وعلى اي حال امام المسائل الكبرى لسوريا، العراق، افغانستان – ليس لها قدرة مناورة كبيرة. مسيرة السلام مع الفلسطينيين يمكن أن تكون الجزء الاكبر لاسرائيل في المنطقة؛ هذه المسيرة وحلها يعتبران كمفتاح لاستقرار اقليمي. ولكن القدس لا تريد – هكذا يبدو في هذه اللحظة – الاختراق الى هناك. قدس نتنياهو تفضل التنازل عن مجال التأثير الدراماتيكي والرمزي للتسوية السلمية. وهي تتقلص الى جوقة يونانية تتنبأ بالمصيبة. فهل المصيبة ستأتي؟ هل الاتفاق سيفشل؟ يحتمل جدا. ولكن اسرائيل كدولة لن تكسب شيئا من ذلك. في الاسرة الدولية لا يوزعون النقاط لمن كان محقا في الوقت الذي اخطأ فيه كل الباقين. هذا ما يفعلونه في الانتخابات الداخلية في الدول.
* * *
لن يكون هجوم في السنة القادمة. ها هو المعنى الاول للاتفاق مع ايران. الا اذا ظهرت فجأة منشأة سرية ومغرضة بواسطتها يتبين أن طهران خدعت العالم كله. ولكن على فرض أن مثل هذا التطور لن يحصل (الاصابع في القدس تبيض من شدة انتظار مثل هذا التطور!)، الخيار العسكري – ذاك الذي كان دوما على الطاولة – لم يعد على الطاولة. بل انه ليس على الكرسي او خارج باب الغرفة. هو ببساطة غير موجود. الغباء الايراني وحده الذي لا يصدق – بالمناسبة موضوع معقول بالتأكيد – يمكنه أن يعيد خيار الوجود. اذا كان تبين ان الاتفاق في جنيف ناجح، فان الحكومة يمكنها ان تقول ان الاموال التي بذلت على الاعداد للهجوم لم تكن عبثا. فالردع العسكري أدى بالايرانيين الى الحل الوسط. ولكن حتى بناء على نهج حكومة نتنياهو، لا يدور الحديث عن حل وسط بل عن فشل ذريع. وبالتالي فان الردع العسكري على ما يبدو لم يساعد، وعلى اي حال، فاذا كان الهدف هو الردع فقط، فلماذا تبذير مليارات الدولارات؟ يمكن الاكتفاء بالتضليل. بعد لحظة من الاتفاق في جنيف يجدر فتح النقاش الجماهيري: هل انفاق 11 مليار شيكل (على حد قول ايهود اولمرت) على الاعداد لهجوم عسكري مستقل في ايران لم يكن تبذيرا تاما للمال؟ هل في نظرة الى الوراء اولمرت غير محق عندما يقول انه كان الحديث يدور عن "هذيان"؟
* * *
يمكن أن نتفهم رئيس الوزراء. الاتفاق الحقيقي، الاتفاق الصادق، كان سينزع عن ايران قدرتها النووية تماما بما في ذلك تخصيب اليورانيوم. رئيس الوزراء يؤمن بان هذا اتفاق خطير لان أجهزة الطرد المركزي يمكنها أن تنتقل، في غضون شهر واحد الى وضع تخصب فيه ذات كمية اليورانيوم المخصب الى 20 في المئة التي تحتفظ بها ايران اليوم. كل اسرائيلي معقول كان يريد ما يريده نتنياهو: ان يفكك الايرانيون اجهزة الطرد المركزي ويسلموا اليورانيوم للغرب. رئيس الوزراء محق عندما يقول ان الاتفاق يترك ايران كدولة حافة نووية. هذه هي الحقيقة الجوهرية. السؤال هو اذا كان يوجد اتفاق آخر. هل يمكن ان يكون هناك اتفاق آخر. هذا هو ادعاء الركبتين: لقد سبق للايرانيين أن كانوا على الركبتين. دفعة اخرى صغيرة فاذا بهم ينضمون الى بيتار.
الحقيقة هي أن الايرانيين اصروا ويصرون على تخصيب اليورانيوم. الحقيقة هي أنه لا يمكن مطالبتهم علنيا بوقف التخصيب؛ فهم موقعون على ميثاق عمليا يقرر بان لهم بالفعل الحق في التخصيب. اذا كان ثمة ما يكفي من الرقابة والاشراف، اذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية حاضرة، من غير الممكن اجبارهم على التوقيع على اتفاق يتنازلون فيه عن التخصيب تحت الضغط.
السؤال هو التالي: هل الايرانيون مصممون على الانضمام الى العالم؟ هل خطابات خمينئي هي النغمة الاخيرة المتبجحة للخطاب الثوري الاسلامي؟ هل يحتمل أن المفاوضات، مجرد الاتصالات، تحدث تغييرا سياسية في داخل ايران؟ للحوار توجد آلية خاصة به. واحيانا تكون هذه آلية ايجابية. فهل الايرانيون وقعوا في حب الاحتمال بان تكون لهم قصة غرام متجددة مع العالم؟ اذا كان كذلك، يحتمل أن تصدأ أجهزة الطرد المركزي لهم في قُم. في السيناريو السلبي، سنستيقظ مع كوريا الشمالية.
عن صحيفة معاريف