تعاملوا معها بإيجابية".. كانت هذه العبارة هي آخر الكلمات التي قالها
إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، قبل وفاته
بساعات قليلة.
الوصية الأخيرة لمنير كانت ردا على سؤال من أحد الحاضرين في اجتماع لقيادات
جماعة الإخوان المسلمين مساء الخميس، بخصوص موقف الجماعة الرسمي من دعوات التظاهر
في مصر يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، فرد منير قائلا: "تعاملوا معها
بإيجابية"، ثم غادر الاجتماع.
بعدها بساعات قليلة، شعر منير بأعراض الجلطة القلبية، فنقل على إثرها إلى أحد
المستشفيات في العاصمة البريطانية لندن، ووافته المنية هناك بعد عمر جاوز الخامسة
والثمانين عاما.
إبراهيم منير، الرجل الهادئ الباسم دوما والودود مع الجميع، صاحب الصوت
الخافت الذي تكاد تسمعه بصعوبة، عرفته في السنوات الأربع الأخيرة بعد انتقالي
للحياة في لندن، فما وجدته إلا رجلا طيبا مهذبا يسعى للمّ شمل الجماعة، ويرحب
بالتواصل مع جميع التيارات الأخرى دون قيد أو شرط، يستمع لنصائح الآخرين ويحاول
جاهدا أن يعمل بها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
ينتمي الرجل لجيل من قيادات جماعة الإخوان المسلمين التاريخية، وهو جيل لا يروق لكثيرين من شباب الإخوان المسلمين، بل ويحمله البعض داخل الإخوان وخارجها مسؤولية كبيرة عن تدهور الأوضاع ووصولها إلى ما آلت إليه الآن. ولكن إبراهيم منير في السنوات الثلاث الأخيرة كان مختلفا، الرجل عمل على لمّ شمل الجماعة أكثر من أي وقت مضى
ينتمي الرجل لجيل من قيادات جماعة الإخوان المسلمين التاريخية، وهو جيل لا
يروق لكثيرين من شباب الإخوان المسلمين، بل ويحمله البعض داخل الإخوان وخارجها
مسؤولية كبيرة عن تدهور الأوضاع ووصولها إلى ما آلت إليه الآن. ولكن إبراهيم منير
في السنوات الثلاث الأخيرة كان مختلفا، الرجل عمل على لمّ شمل الجماعة أكثر من أي
وقت مضى، حاول استيعاب الشباب ومنحهم الفرصة كاملة للقيادة، اختار متحدثا إعلاميا
للجماعة في سن صغير، نشر مراجعات وتطمينات للداخل والخارج حول موقف الإخوان
المسلمين من المنافسة على السلطة، وكان منفتحا على أي حل يسمح بخروج المعتقلين من
داخل السجون.
تعاملوا معها بإيجابية، وصية منير الأخيرة تصلح أن تكون عنوانا جديدا
للمرحلة القادمة، حتى وإن كان الرجل رحمة الله عليه يوضح موقف الجماعة من تظاهرات
11 تشرين الثاني/ نوفمبر، إلا أنها عبارة عبقرية يمكن أن تصبح دستورا جديدا لجماعة
منقسمة على نفسها، فإن كان في الإخوان من رجل رشيد سيتلقف وصية منير الأخيرة، ويبدأ
التعامل مع الجماعة بإيجابية وينحّي الخلاف والانقسام جانبا، ويحاول استكمال ما
بدأه الرجل من محاولات للمّ شمل الجماعة الأكبر في العالم العربي.
رحل إبراهيم منير وترك جماعته في وضع لا تحسد عليه، وترك الوطن في حالة يرثى لها تحت حكم جنرال مجنون يمعن في القتل والتنكيل والتشويه لمعارضيه أحياء وأمواتا، ولعل وفاته ووصيته الأخيرة تفتح المجال للجميع بالتعامل بإيجابية مع هذا الوطن
سيقول البعض؛ إن دعوة منير للإخوان بالتعامل بإيجابية مع مظاهرات 11 تشرين
الثاني/ نوفمبر، تعني أن الإخوان سيدعمون هذه الدعوات، وأن النظام سيتخذها ذريعة
للاعتقال والتنكيل والبطش بالجميع. ولهؤلاء أقول: هوّنوا عليكم، فقد كتب مخبر أمن
الدولة الملقب ظلما بالإعلامي، أحمد موسى، على حسابه يشمت في موت إبراهيم منير، بسبب
ما أسماها دعواته التحريضية لفوضى 11 نوفمبر. النظام موقفه معلن، فأي حراك وراءه
الإخوان ولو أقسموا على المصحف أنهم لن يشاركوا وأنهم مقاطعون لأي حراك.
السيسي يتعامل مع منير وإخوانه بأنهم التهديد الرئيسي لبقائه في السلطة،
ولا يعنيه كثيرا انقسام الجماعة من عدمه، فهو يعدّها قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار
في وجهه ووجه سياساته القمعية في أي لحظة، وما سياساته القمعية المستمرة منذ تسع
سنوات، إلا محاولة منه لتأجيل هذه اللحظة.
رحل إبراهيم منير وترك جماعته في وضع لا تحسد عليه، وترك الوطن في
حالة يرثى لها تحت حكم جنرال مجنون يمعن في القتل والتنكيل والتشويه لمعارضيه
أحياء وأمواتا، ولعل وفاته ووصيته الأخيرة تفتح المجال للجميع بالتعامل بإيجابية
مع هذا الوطن، وهو تكرار لدعوات كثيرة وجهها منير للشرفاء في هذا الوطن، لتغليب
المصلحة العليا للبلاد وإيقاف حالة الاستقطاب الشديدة والقمع المستمر للجميع.
رحم الله إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد العام لجماعة الإخوان
المسلمين.
twitter.com/osgaweesh