سياسة دولية

BBC: كيف ستضبط ميلوني "المسيحية" علاقتها بالفاتيكان؟

دأبت ميلوني خلال حملتها الانتخابية، على التذكير بهويتها كـ"أم إيطالية مسيحية"- تويتر
دأبت ميلوني خلال حملتها الانتخابية، على التذكير بهويتها كـ"أم إيطالية مسيحية"- تويتر

تناول تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، طبيعة العلاقة بين رئيسة الحكومة الإيطالية الجديدة، جيورجيا ميلوني والكنيسة الكاثوليكية، خاصة في ملفات عدة أبرزها الهجرة.

 

ودأبت ميلوني خلال حملتها الانتخابية، على التذكير بهويتها كـ"أم إيطالية مسيحية"، حيث اتخذتها شعاراً محورياً لاستمالة الإيطاليين، بحسب بي بي سي.


وبعد نيل حزبها أعلى نسبة أصوات (26 بالمئة) في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تستعد ميلوني لتشكيل حكومة يمينية متشددة، فيما بدأت الصحافة المعنية بالشأن الكاثوليكي بطرح أسئلة حول علاقتها المستقبلية بالفاتيكان والبابا فرنسيس.

 

وحسب تقرير بي بي سي فإن فهم علاقة الكنيسة بالسياسة في إيطاليا يحتاج إلى بحث معمق وموسع في تاريخ إيطاليا.


وأشار التقرير إلى أن فوز حزب "إخوة إيطاليا" بالانتخابات البرلمانية الأخيرة يمثل انتصاراً لتيار يميني متشدّد، وصفه بعض المحللين بأنه امتداد للفاشية التاريخية، لكن إيطاليا تعدّ أيضاً من أكبر حواضن القيم اليسارية في أوروبا على المستوى الشعبي.

 

وصحيح أن جيورجيا ميلوني اتخذت من ثلاثة "الله، الوطن، العائلة"، شعاراً لحملتها الانتخابية، وهو شعار تقليدي للأحزاب المسيحية اليمينية في القارة الأوروبية، إضافة إلى أنها تعرف نفسها كمسيحية، إلا أن هناك اختلافات أيديولوجية كبرى تفصلها عن البابا فرنسيس وعن توجهاته "التقدمية" في الكنيسة.

 

وذكرت "بي بي سي" أن البابا فرانسيس عرف، منذ توليه منصبه، بـ"نفوره" من سياسات الأحزاب الشعبوية اليمينية، حيث رأى محللون كثر خلال الأسابيع الماضية أن صعود التيارات اليمينية في أوروبا خلال الانتخابات الأخيرة لا يمثل خبراً سعيداً بالنسبة له.


ولفت التقرير إلى وضوح الخلاف، حيث أن للبابا فرنسيس مواقف مناصرة للفقراء وللقوانين المتسامحة مع المهاجرين، في حين يتبنى السياسيون اليمينيون مواقف معاكسة تماماً، خصوصاً في موضوع الهجرة.


وفي وقت تتفق فيه الكنيسة مع شعارات بعض تلك الأحزاب حول حماية العائلة ورفض الإجهاض ورفض الموت الرحيم، إلا أن محللين رأوا أن جزءًا كبيراً من الكاثوليك الذين صوتوا لجورجيا ميلوني وحزبها هم من الكاثوليك الذين يصنفون أنفسهم "مناهضين للتيار الفرنسي التقدمي في الكنيسة"، إذ يرون أنه يحيد عن القيم التقليدية للمسيحية.


وفي تصريح يعود للعام 2020، تقول ميلوني: "أنا مؤمنة، وأسمع كلام قداسته، ولكني على المستوى السياسي لا أتفق دوماً مع مواقفه".


وخلال خطاب إعلان الانتصار، استلهمت رئيسة الوزراء الإيطالية العتيدة قولاً للقديس فرنسيس، شفيع البابا: "ابدأ بفعل الضروري، ثم بالممكن، وفجأة ستجد أنك تحقق المستحيل".

 

واعتبر التقرير أن البابا لم يتخذ، في المقابل، مواقف علنية من الانتخابات الأخيرة، لكنه حضّ الأساقفة، بحسب مراقبين، على تشجيع الناس على المشاركة في التصويت بكثافة.


وصدر عن الكاردينال ماتيو زوبي، رئيس "المؤتمر الأسقفي الإيطالي"، بيان تحدث فيه عن ضرورة أن تخصّص الأحزاب برامج "للعناية بالمهمشين".


ولكن زوبي نفسه، قال إن الكنيسة "مستعدة للتعاون مع كل الأحزاب"، ولكن يعرف عنه أنه مناصر لجماعة سانت إيجيدو العلمانية، التي تتبنى مواقف أقرب إلى يسار الوسط.

 

اقرأ أيضا:  صحيفة عبرية: هل هي بداية برود علاقات بين الاحتلال وإيطاليا؟


ورأى محللون أن النتائج الأخيرة ستجعل العلاقة بين حكومة ميلوني والفاتيكان مضطربة، ليس فقط لموقفها المعلن من ملف الهجرة، ولكن أيضاً لتبنيها مواقف التيار الأكثر تشدداً في القضايا الاجتماعية والعائلية من التيار الذي يقوده البابا.

 

وفي خطابات البابا فرنسيس الأخيرة، حث الإيطاليين على الإنجاب، مع انخفاض نسب الولادة في البلاد بشكل غير مسبوق.

 

ولكن، في الوقت ذاته، فهو يرى أن احتضان اللاجئين يمكن أن يكون حلاً لمسألة شيخوخة المجتمع الإيطالي، وذلك ما لا يوافق عليه اليمين المتشدد.


وفي المقابل، يرى مراقبون أن هناك ملفاً ساخناً مهماً جداً، قد يجمع بين البابا ومليوني، وهو الموقف من أوكرانيا، فمع معارضته الحرب، إلا أنه يبدو من الأصوات المنفتحة على الحوار مع بوتين، وذلك موقف ميلوني أيضاً.


ويبقى ذلك كله في إطار التوقعات والتكهنات، ولكن نظرة تاريخية على العلاقة بين الكنيسة والسياسة في إيطاليا يمكن أن توضح لنا أنه لن يكون من السهل على ميلوني العمل بتجرّد كامل من تأثير الفاتيكان.


ولم تكن العلاقة بين الكنيسة والدولة الإيطالية جيدة، ففي نهاية القرن التاسع عشر أثر توحيد إيطاليا، عام 1861، بشكل سلبي على الممتلكات البابوية.


وبعد فصل الدولة عن الكنيسة، صدر قانون "الضمانات البابوية" عام 1871، فمنح "امتيازات سيادية" للحبر الأعظم، ولكنه جرده من ممتلكات وأراضٍ كانت تابعة للكرسي الرسولي.


وفي ذلك الحين، رفض البابا بيوس التاسع القانون معلنا نفسه "سجيناً للفاتيكان".

 

وفي العام 1874 أصدرت الكنيسة قراراً يمنع الكاثوليك في إيطاليا من الانخراط في السياسة بشكل كامل، وبقي ذلك القرار ساري المفعول حتى العام 1919 حين شارك "حزب الشعب الإيطالي" في الانتخابات.


وذلك الحزب، الذي كان يتبنى سياسة مسيحية ديمقراطية مستوحاة من التعاليم الكاثوليكية، حظي بدعم صريح من الفاتيكان، وحصد مقاعد في البرلمان.


وبعد تسلم الحركة الفاشية الحكم في إيطاليا، وقعت الكنيسة مع موسوليني معاهدة لاتران عام 1929، والتي نتجت عنها استقلالية أكبر للفاتيكان، وحرية أكبر للمدارس والجمعيات الكاثوليكية.

 

وكان موسوليني يحظى بدعم من شخصيات في الفاتيكان، ولكن العلاقة ساءت مع انتقاد الكنيسة لسياسات الفاشيين العنصرية.


وبعد الحرب العالمية الثانية، بات تأثير الكنيسة الكاثوليكية على العملية السياسية في البلاد واضحاً، من خلال "حزب الديمقراطية المسيحية" الذي كان يحظى بدعم الفاتيكان، والذي بقي في صدارة المشهد لأكثر من 45 عاماً.


وشهد عهد "الديمقراطية المسيحية" محطتين بارزتين، وهما استفتاء عام 1974 حول تشريع الطلاق، واستفتاء عام 1981 حول منع الإجهاض.

 

وفي المرتين، ورغم دعم الكنيسة، فشل الحزب المسيطر في فرض قوانين تتناسب مع أجندته لناحية منع الإجهاض ووضع قيود على الطلاق.


وبموجب اتفاقية بين الدولة الإيطالية والفاتيكان، عام 1984، لم تعد الكاثوليكية الديانة الرسمية في إيطاليا، ولم يعد تدريس المسيحية إلزامياً في المدارس الحكومية، وباتت ممتلكات الكنيسة مشمولة بالضرائب، وألغيت رواتب الكهنة التي كانت تمنحها الدولة، ما أفقد الكنيسة جزءاً كبيراً من مكانتها في السياسة.

التعليقات (0)