مقالات مختارة

اليمين المتطرف.. كيف تتشابه ألمانيا مع الحالة الأمريكية؟

عمرو حمزاوي
1300x600
1300x600

تتجدد اليوم في ألمانيا ظاهرة الصعود السياسي لليمين المتطرف ممثلا في حزب البديل لألمانيا ويتواكب معها في استطلاعات الرأي الراهنة تراجع نسب التأييد الشعبي لأحزاب يسار ويمين الوسط تحديدا الاشتراكي الديمقراطي والمسيحي الديمقراطي وأحزاب اليسار واليمين كالخضر والليبرالي الحر. ولهذا الأمر، في زمن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا والإرهاق الاقتصادي والاجتماعي المستمر لجائحة كورونا، أكثر من تفسير.


على عكس بلدان أوروبية أخرى تعاني من تراجعات اقتصادية حادة وتنهار حكوماتها المنتخبة على وقع غياب الرضاء الشعبي، يتواصل الأداء القوي للاقتصاد الألماني ويترجم نفسه في معدلات بطالة منخفضة وموازنة فيدرالية لا استدانة واسعة بها وميل ميزان العلاقات التجارية مع البلدان الكبرى باتجاه ألمانيا (باستثناء العلاقات التجارية مع الصين). لا يكمن، إذا، تفسير الصعود الراهن لليمين المتطرف أو أزمة الأحزاب اليمينية واليسارية التقليدية بالرجوع إلى العوامل الاقتصادية.


كما يتناقض الصعود الراهن لليمين المتطرف مع ما سبق وشهده المجتمع الألماني من صعود لليمين المتطرف في تسعينيات القرن العشرين، أي عقب انهيار سور برلين وإنجاز الوحدة بين الشرق والغرب. آنذاك ارتبط الأمر بالمعاناة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات الشرقية التي ارتفعت بها معدلات البطالة واعتماد السكان على الإعانات العامة، واستغل اليمين المتطرف ظرف الأزمة للوصول إلى برلمانات بعض الولايات واستغلته أيضا بعض الحركات النازية الجديدة للاعتداء على الأجانب وطالبي اللجوء والمقيمين ذوي الأصول الأجنبية.


وبينما تركز صعودهم في تسعينيات القرن العشرين جغرافيا في الولايات الشرقية، تنتشر حاليا أحزاب وحركات اليمين المتطرف في عموم ألمانيا ولا تجد صعوبة في الفوز بأصوات انتخابية تضمن تمثيلها في برلمانات بعض الولايات الغربية.


وترتكز أجندة اليمين المتطرف إلى خطابين للكراهية، كراهية الغريب وكراهية أوروبا. أما كراهية الغريب فتتجه إلى مئات الآلاف اللاجئين وملايين المقيمين ذوي الأصول الأجنبية، وتروج بين الناس للخوف منهم على الرخاء الاقتصادي والسلام الاجتماعي والهوية الثقافية في ألمانيا.

 

من جهة أخرى، ترتبط كراهية أوروبا برفض السياسات الاقتصادية والمالية والقانونية للاتحاد الأوروبي التي يرونها تلزم ألمانيا بإنقاذ اليونان وبلدان أخرى من أزمات متتالية وتفتح سوق العمل الألماني أمام عمالة رخيصة من وسط وشرق أوروبا تضر بأجور الألمان. ثم يترجم اليمين المتطرف خطابي الكراهية إلى مطالبة مباشرة بترحيل اللاجئين وإغلاق الأبواب أمام المهاجرين، وإلى تبني لمقولات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي والتوقف عن الإنفاق على “الكسالى” في أوروبا واللاجئين الذين ترفضهم الدول الأوروبية الأخرى وتقبلهم ألمانيا.


غير أن الحقيقة هي أن خطاب الكراهية ضد اللاجئين والمقيمين ذوي الأصول الأجنبية يتجاهل القدرة الاقتصادية والاجتماعية لألمانيا على استيعاب لاجئين لم يقترب عددهم الإجمالي أبدا من الملايين الذين يتوزعون على بلدان كتركيا ولبنان والأردن وغيرها، وينكر كذلك الإسهام الإيجابي لملايين الأجانب الذين يشاركون في صناعة التفوق الألماني ويقدمون نموذجا لألمانيا جديدة متنوعة ومنفتحة على العالم. موضوعيا، يتجاهل خطاب الكراهية ضد أوروبا الاستفادة الاقتصادية والتجارية الكبرى لألمانيا من الاتحاد الأوروبي والتي تدركها بوضوح نخب السياسة ومجتمع الأعمال مثلما تدرك خطورة انهيار الاتحاد. من هنا المعارضة الكاسحة بين الأحزاب التقليدية في ألمانيا وبعد خروج بريطانيا لأي تفكيك مستقبلي للاتحاد.


والحقيقة أيضا هي أن اليمين في ألمانيا يتحمل ممثلا في الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الليبرالي الحر  العبء السياسي المباشر لصعود اليمين المتطرف. من جهة، تتراجع بانتظام نسبة الأصوات الانتخابية التي يستحوذ عليها اليمين. فلم ينجح على سبيل المثال الحزب الديمقراطي الحر في الوصول إلى عدد من برلمانات الولايات التي أجريت بها الانتخابات مؤخرا. من جهة أخرى، تحت تأثير خطابات الكراهية ومقولات الخوف على ألمانيا التي ينشرها اليمين المتطرف تنحرف الأجندات السياسية لليمين تدريجيا باتجاه أكثر تشددا وتخرج من بين صفوفها أصوات تطالب أيضا بترحيل اللاجئين وإغلاق أبواب الهجرة والامتناع عن مساعدة البلدان الأوروبية المأزومة.


يتحمل اليسار التقليدي ممثلا في الحزب الاشتراكي الديمقراطي ثمنا فادحا لصعود اليمين المتطرف، ولرفض اليسار مجاراة خطابات الكراهية ومقولات الخوف على هوية ألمانيا. انتخابيا، تنجرف قطاعات مهنية وعمالية ومجموعات سكانية محدودة الدخل إلى التصويت في الانتخابات لليمين المتطرف بعد أن استمرت لعقود طويلة على ولائها لليسار. ينجو فقط من أزمة صعود اليمين المتطرف حزب الخضر الذي يحصد تأييد الشباب والعديد من سكان المدن الكوزموبوليتانية بسبب أجندته المدافعة عن البيئة والتكنولوجيا الخضراء وواقعية طرحه الاقتصادي المبتعد عن الطرح التقليدي لليسار.


لا تختلف مسببات صعود اليمين المتطرف في ألمانيا، إذا، عن حالة الولايات المتحدة الأمريكية ومسببات الترامبية العائدة اليوم بقوة على الرغم من كل أزمات الرجل وخطاياه.

 

القدس العربي

2
التعليقات (2)
ابوعمر
الثلاثاء، 23-08-2022 07:42 م
هؤلاء الليبيراليون العربان أحذية مناسبة جدا لكل المقاسات الحذائية للعسكر...هم اقرب الى المومسات المتاجرات ب..........................اعزكم الله...
Gamal RADWAN
الثلاثاء، 23-08-2022 07:51 ص
ان لم تستح فاافعل او اكتب ماشئت. اليس عندك قدر بسيط من احترامك لنفسك عد حيث كنت او اصمت