كتاب عربي 21

تطبيع بالألوان الخلّابة

أحمد عمر
1300x600
1300x600

التطبيع يعني التصنيع على طبع محدث جديد، والتطبيع ألوان وطرائق: فنيٌ ورياضيٌ واجتماعيٌ واقتصادي وسياسي.

ونذكر من أمثلة التطبيع بشفاعات الجمال، دفاع المليونير المصري ساويرس عن صورة لنجم مصري مع صبية إسرائيلية، ويشبه اجتماعهما الملصق الفيلم السينمائي، فأحسنَ الدفاع، وبرّأ النجم المصري من تهمة التطبيع: "يعني معقولة واحدة مزّة كده تيجي تقوللي ممكن أتصور معاك أقولها: لا وريني باسبورك الأول".

وهي دعوة رقيقة إلى التطبيع والرفق "بقوارير" العدو السابق، فالمليونير حاذق وقوي الحجة وتشفّع بالكرم، والصورة لا تفقد النجم شيئاً من ضوئه ونوره، الذي يذهب بالأبصار، أما الصبية الإسرائيلية فاسمها مايا، وقد عرف اسمها، وهي من العامة، لكنها عوملت كأنها نجمة، فالمواطن الإسرائيلي نجم من غير موهبة طرب أو غناء، أما المطرب، فهو قديس يُطلب من صورته البركة ويُرجى من ورائها السؤدد.

وقد شهدت مايا الإسرائيلية للنجم المصري الذي يوصف بالأول بحسن السير والسلوك، فهو أول الفن: "محمد رمضان كان مؤدباً ولطيفاً مع الجميع"، ثم تأسفت أنها ليست جندية، وتحسرت على تركها الجيش، ولم نعرف ما إذا كانت قد قتلت أطفالاً، ودكّت مدناً فلسطينية أيام الخدمة العسكرية.

للتطبيع تعريف شهير، وهو جعل المصنوع الطارئ الملفق طبيعياً، لكن التطبيع أبعد من صورة مع سائح إسرائيلي، فقد غيرت الأنظمة الوجدان العربي في نصف قرن أو يزيد، وتسلل إسرائيلي إلى الحرم، فغضب المسلمون غيرةً على الكعبة، فدفع حكام السعودية إمام الحرم، فذكر آيات من القرآن فيها ذكر لليهود تخفيفاً للصدمة

جمال الأنوثة سلاح من أضرى الأسلحة، وتتلطف الصحافة مع الأنوثة والرغبة وتتوسل بها إلى قلوب الناس، وقد بهرت الصبية الملياردير بحسنها، وكان الملياردير قد دافع عن استعراض حسناوات مصريات جمالهن في مهرجان الجونة المصري الذي غضب منه المصريون وغاروا، فزعم أنه يعمل على الدعوة للسياحة بالجمال المصري، دعوة لزيارة الحجر الصوان بجمال النسوان.

للتطبيع تعريف شهير، وهو جعل المصنوع الطارئ الملفق طبيعياً، لكن التطبيع أبعد من صورة مع سائح إسرائيلي، فقد غيرت الأنظمة الوجدان العربي في نصف قرن أو يزيد، وتسلل إسرائيلي إلى الحرم، فغضب المسلمون غيرةً على الكعبة، فدفع حكام السعودية إمام الحرم، فذكر آيات من القرآن فيها ذكر لليهود تخفيفاً للصدمة.

من ألوان التطبيع، التطبيع بالأغنية المناضلة، وقد وجدت كثيراً من خلق الله يرددون أغنيات شعبان عبد الرحيم، وإن على سبيل الطرفة، وأحياناً على سبيل النشيد الوطني، ولا أدري هل يصلح وصف الأناشيد والأغنيات لها، بل إن شعبان عبد الرحيم صار مناضلاً بأغنيته الشهيرة التي جمع فيها بين كره إسرائيل وحبِّ عمرو موسى، وليس عمرو بن العاص. وأظن أن سبب تطبيع وجدان الناس على السفاهة هو تكرار بثّها في وسائل الإعلام، فأصبح شعبان عبد الرحيم من أبطال العرب الفاتحين!

ومن ألوان التطبيع العميق: الوعظ بالطرفة والملحة والنكرة والفكاهة، حتى صار كثير من الوعّاظ يقلدون الإمام عادل إمام الذي وسم العصر بميسمه، بل ويفوقونه في ظرفه.

في سوريا مثلاً شاع ظرف الشيخ فتحي صافي، وفي مصر مبروك عطية، وتجنّب كثير من الشيوخ إعفاء اللحية، وهي سنّة نبوية وعُرفٌ عربي، منهم الشيخ محمد راتب النابلسي، الذي أدركه نفح من التطبيع العام، فحلق لحيته، وقد أعفاها لاحقاً عندما نزح من سوريا وبلغ من العمر ما بلغ، وقال في تسويغها مرّة: إن اللحية قد تكون حاجزاً عن الدعوة. وحضرت أمس في مدينة ألمانية عزاء لأحد المعارف، وسمعت ثلاثة من الخطباء يذكرون مناقب المرحوم باللهجة المحلية، عجزاً منهم عن الخطابة بالعربية الفصحى، ويتلون الآيات بألحان كنسية، فأدركت قوة التطبيع العام بطبائع العولمة.

وأتابع صفحات كتّاب سوريين يكتبون باللهجة العامية، لأنهم يجدونها أسهل من الكتابة بالعربية، والكتابة بالعامية تطبيع، لأنه تغريب، أما التطبيع الجنسي، فهو أشهر أنواع التطبيع وأسرعها.

وشاهدت فيلما سوريا أنتجه النظام السوري للنكاية الناعمة بالمعارضة السنيّة، اسمه "خيمة 56"، ناطق باللهجة الحورانية، ينحو الفيلم ظاهراً إلى الدفاع عن حقوق الأزواج النازحين بالوصال، والنازحين على شفا المجاعة، ويعيشون على مساعدات الأمم المتحدة، ومحرومون من الماء والخبز والعلم، فيقول في قصته الكوميدية إن نساء المخيم 56 تداعَيْن إلى إنشاء خيمة ليتناوب الأزواج عليها، للخلوة الزوجية، فحقوق الجنس لدى الأمم المتحدة والأنظمة العربية والحداثيين تسبق حق الطعام وحق الكلام. الفيلم نسخة مهذبة ومنقحة من جهاد النكاح، مدسوس في بضاعة فنيّة، ظاهرها الكوميديا، وباطنها من قبلها العذاب، وكان الحياء شعبة من الإيمان، فصار شعبة من التطبيع، بل هي أول شعبها.
التطبيع الوجداني أشدُّ من التطبيع السياسي والاقتصادي، إذ يمكن معارضة التطبيع الاقتصادي بالامتناع عن شراء البضائع، ومقاومة التطبيع السياسي بالصدّ عن الانتخابات، لكن تصعب مقاومة التطبيع الوجداني

ويجد المشاهد أن النساء في الفيلم -وخلق النساء الحياء- يتخاصمن على السباق إلى خيمة الملذات، ووجدت كاتباً سورياً يعظ قرّاءه ومتابعيه، فيمدح الفيلم الكوميدي، ويصفه بالجرأة والشجاعة، وينعى نفاق الشعب. كانت الشجاعة قديماً في قول الحق وحومة الميدان، فأصبحت محصورة في الإغراء.

تشيع كثيراً على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات إلى التطبيع الوجداني بنشر أقوال المتصوفة الحلولين كالحلاج وابن عربي وجلال الدين الرومي، وتجتهد فضائيات ويناضل إعلاميو السلطة العربية في النكير على خالد بن الوليد وابن تيمية والشعراوي.

لباب القول: إنّ التطبيع الوجداني أشدُّ من التطبيع السياسي والاقتصادي، إذ يمكن معارضة التطبيع الاقتصادي بالامتناع عن شراء البضائع، ومقاومة التطبيع السياسي بالصدّ عن الانتخابات، لكن تصعب مقاومة التطبيع الوجداني.

كل نزوح من الماضي تطبيع، قد يتحول أحيانا إلى غسيل دماغ، وما يحدث أنّ إعلام 2030 العربي قرر إعلان الحرب على التاريخ الإسلامي.

 

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (2)
أبو العبد الحلبي
الثلاثاء، 09-08-2022 05:51 ص
تعبير “ نظام التفاهة ” ليس من اختراع العبد الفقير إلى الله و إنما هو عنوان كتاب من تأليف الفيلسوف الكندي المعاصر ألان دونو (Mediocratie)لوصف نظام الحكم الحالي أو أنظمة الحكم التي سبقته منذ بضعة عقود أو قرون برز فيها الاستعمار ، و خلص دونو إلى القول (ربح التافهون الحرب، وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه) . تحكم التافهين في العالم يعني بالضرورة استهداف البشر في بلدان كثيرة بالعذاب و بالشقاء من خلال إيقاد نيران الحروب و الفتن و بث الكراهية و الاستبداد و القمع و الظلم و الإذلال ، و لبلدان العرب و المسلمين استهداف خاص يتميز بدافعية حقد مريض شديد على أمتنا . لن تكون هنالك مبالغة في القول أن أكثر من 90% من جهود أنظمة التفاهة في الغرب كانت و لا تزال منصبَة على أمتنا . هذا التركيز على بلادنا ليس باعثه الأساسي وجود الثروات الطبيعية أو الموقع الاستراتيجي على أهمية تلك ، و إنما الدافع الأهم إليه ما ذكره ربَنا سبحانه و تعالى في كتابه (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) أي أن القصد ارتداد هذه الأمة عن دينها إلى أي مسار من دون تحديد . و لأن الإيمان في ديننا ميَزة ، فمرادهم أن تفقد أمتنا تلك الميَزة (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) . يزعمون أنهم أصحاب كتب سماوية لكنهم كفروا بتعاليمها و كانت ممارساتهم العملية في الحياة كفر في كفر ، و يحبون أن تكونوا مثلهم من دون منظومات قيم ومُثل ومبادئ ومفاهيم عليا و أهداف سامية نبيلة . لكن أكثر آية كاشفة هي التي يقول فيها رب العالمين (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ...) ، و طبيعة الكشف أن أعداء الأمة في الغرب و على الأخص رؤوس التفاهة يعلمون أن دينكم دين حق يعلو و لا يعلى عليه فيه شموخ و جمال و أناقة يحسدونكم عليها " و الحسد يكون بالعقل و بالمنطق من جانب طرف وضيع إلى طرف رفيع " أي يبغون بالضبط تمني زوال نعمة دينكم الذي أعزَكم عنكم لكراهيتهم لكم .
ناصحو أمتهم
الإثنين، 08-08-2022 07:07 م
الرجاء نشر هذا و إهمال الإرسال السابق. أولا / جعل الله كل حرف كتبته أعلاه في ميزانك عند الله. ثانيا / بل هي حرب تذويب الهوية الحضارية العربية المسلمة وليس "تطبيعا". ودعنا من الاشتغال الدائم لأدوات النظام الدولي الغربي وربيبته الصهيونية العالمية على هذه المهمة ؛ فالأدهى هو هذا الانهزام الذاتي للفرد العربي المسلم وقبوله الذاتي بالتفسخ والانخلاع من عناصر هويته الحضارية (التبجح بذبح العربية بالتفكير والتعبير بالعاميات الملوثة بلغات المحتلين، استبدال الرؤية الأصيلة للحسن والقبح بما عند الآخر من ذوق غرائزي بهيمي في الملبس والزينة والاستمتاع وهندسة المعمار...) حتى من الفئات التي يفترض أن دورها المجتمعي الطبيعي هو ديمومة سيادة عناصر الهوية الأصيلة في العقول والألسن والأذواق ونمط الحياة من مثل مدرسي العربية من الابتدائي إلى العالي وأئمة المساجد وأساتذة كليات العلوم الإسلامية وغيرهم وكثير من الحركات الوحدوية (التي عرفت ب"القومية" وهو مفهوم خاطئ كمفاهيم أخرى كانت ترجمات خاطئة لمفاهيم غربية ولا ينتج تكرارها في الخطاب إلاّ مزيدا من الوعي الزائف) والإسلامية التي يفترض أن مبرر وجدوها هو التمكين لعناصر الهوية الحضارية العربية المسلمة بينما تجد أغلب عناصرها غارقة في نفس هزيمة وتشوّه بقية أفراد المجتمعات العربية.