هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ماذا يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن
وإدارته وبلاده من العرب، حينما يجتمع منتصف الشهر المقبل مع قادة مجلس التعاون الخليجي
ومصر والعراق والأردن منتصف الشهر المقبل في مدينة جدة السعودية؟
الإجابة المنطقية والواضحة والمعلنة من قبل الإدارة
الأمريكية هي أن تضخ الدول العربية النفطية المزيد من البترول الخام في الأسواق
العالمية حتى تتراجع أسعار النفط التي صارت خطرا يهدد استقرار الحكومات الغربية،
بل وحزب بايدن الديمقراطي نفسه.
ما هو شبه مؤكد أن آخر ما كان يفكر فيه الرئيس الأمريكي
بايدن وإدارته أن يقوم بزيارة السعودية، ويلتقي بالأمير محمد بن سلمان.
نعلم جميعا ما قاله بايدن خلال حملته الانتخابية عن
المنطقة وبعض مسئوليها. هو قال علنا إنه سيعمل على أن «يجعل السعودية منبوذة»،
متهما الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي بأنه يقف وراء مقتل الكاتب الصحفي السعودي
جمال خاشقجي في مقر القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر ٢٠١٨، وهو الأمر الذي
تنفيه حكومة المملكة بصفة دائمة، ورأينا كيف أغلق الرئيس التركي رجب أردوغان ملف
القضية تماما وأحالها للقضاء السعودي، بعد أن ملأ الدنيا ضجيجا، بل وقام بزيارة
السعودية قبل أسابيع ويستقبل اليوم محمد بن سلمان في بلاده.
طبقا لمراقبين وخبراء دوليين كثيرين فإن بايدن اضطر إلى
القيام بهذه الزيارة، بعد أن أجمعت غالبية التقارير على أن استمرار ارتفاع أسعار
البترول وثباتها تقريبا عند مستوى ما بين ١١٠ و ١٢٥ دولارا للبرميل، قد يكلف
الديمقراطيين أغلبيتهم في الكونجرس خلال الانتخابات التي ستجري في نوفمبر المقبل.
وحتى أيام قليلة مضت لم يكن البيت الأبيض يؤكد زيارة بايدن
للمملكة، وحتى بعد أن أكدها، كان طوال الوقت ينفي وجود لقاء منفرد بين بايدن ومحمد
بن سلمان، لكنه أقر مساء الأحد الماضي وجود هذا اللقاء خلال الزيارة.
بعض التقديرات تقول إن الإدارة الأمريكية شجعت فكرة وجود
قمة بين بايدن وقادة تسع دول عربية، للإيحاء للأمريكيين والمعارضين للجولة بأن
بايدن ذاهب إلى السعودية من أجل عقد هذه القمة، وليس للالتقاء بمحمد بن سلمان فقط.
لكن المنطق الواضح على الأرض أن المصالح الأمريكية هي التي
دفعت بايدن للتخلي عن كل ما كان يرفعه من شعارات ومواقف وتعهدات. وأن هذه المصالح
تتطلب أن يزور السعودية ويجلس مع بن سلمان وجها لوجه، ومع بقية القادة العرب حتى
يحصل على الثمن الرئيسي لهذه الزيارة، وهو أن تضخ الدول البترولية المزيد من النفط
والغاز في الأسواق العالمية، وبالتالي تبدأ أسعار الطاقة في التراجع، وهو ما يعني
تحقيق أمرين مهمين جدا، الأول ألا يخسر الديمقراطيون انتخابات الكونجرس المقبلة
بسبب التصويت العقابي الناتج عن ارتفاع أسعار الوقود الذي بلغ مستوى قياسيا حيث
قفز سعر الجالون فوق حاجز الدولارات الخمسة، في حين أن سعر الوقود في ألمانيا
وبريطانيا قفز إلى فوق حاجز الدولارين.
زيادة الإنتاج تعني تراجع الأسعار وهو ما يعني عدم خسارة
الانتخابات في غالبية البلدان الغربية.
العامل الثاني شديد الأهمية هو أن استمرار زيادة أسعار
البترول منذ بدء غزو روسيا لأوكرانيا في ٢٤ فبراير الماضي استفاد منه الرئيس الروسي
فلاديمير بوتين بصورة أساسية، وهو ما يراه الغرب خطرا داهما لأنه يضمن استمرار
تمويل الماكينة العسكرية للرئيس فلاديمير بوتين، حيث إن روسيا من أكبر مصدري النفط
والغاز عالميا.
إذا المطلب الأساسي لبايدن خلال الزيارة هو ضخ النفط، وقد
يطلب أيضا من السعودية أن تقطع خطوات جادة في إقامة علاقات مع إسرائيل حتى لو كانت
غير معلنة.
وقد يطلب أيضا من البلدان العربية الحاضرة للقمة المزيد من
الخطوات لتحسين سجلاتها في الحريات وحقوق الإنسان، ولو من باب ذر الرماد في العيون
كي يقنع أنصاره ومعارضيه بأن ذهابه للسعودية لم يكن مجانا، والمؤكد أنه سيحاول أن
يحشد الدول العربية لتأييد الموقف الغربي ضد روسيا في الأزمة الأوكرانية في إطار
رغبة كل من الغرب وموسكو حشد العالم خلف وجهة نظره.
هذا هو ما يريده بايدن من العرب خلال قمة جدة، والسؤال
الآن: وماذا يريد العرب من بايدن، وهل هناك موقف عربي موحد في هذا الصدد، أم
استمرار نفس الصيغة التي بدأت بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣، وهي أن تتفاوض أمريكا مع العرب
فرادى وليس مجتمعين؟!.
(الشروق المصرية)