مقالات مختارة

إسرائيل تلتحق بقافلة التمييز العنصري والدول المارقة

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

كان يوم الأحد 29 مايو منعرجا خطيرا لقياس مستوى المواجهة بين الحقوق الفلسطينية وقوى الاحتلال الغاشمة بمناسبة ما يسمى لدى غلاة التطرف بمسيرة الأعلام وما قابلها من الطرف الفلسطيني من نفير عام لحماية الأقصى وبيت المقدس، والملاحظ أنه من محطة إلى أخرى يتأكد الرأي العام العالمي أن الدولة العبرية تفقد تدريجيا ذلك التعاطف التقليدي معها بدعوى أنها "النظام الديمقراطي اليتيم في الشرق الأوسط!" وأنها "الشعب الصغير الذي اضطهدته أوروبا النازية ودفع في المحرقة ملايين اليهود ثم نهض وأسس دولة أجداده التي أورثها له الله في التوراة!" وكذلك "صورة الدولة التي هي ضحية الإرهاب الفلسطيني منذ أحداث ميونخ عام 72!" نعم هذه ملامح الخديعة التاريخية التي بدأ بفضحها عام 1997 المفكر الفرنسي المسلم رجاء جارودي في كتاب شهير ترجم إلى أغلب لغات العالم وهو (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل) ثم كتاب أحد أشهر المؤرخين الإسرائيليين (شلومو ساند) تقريبا بنفس عنوان كتاب جارودي وهو الذي تجرأ بحجج تاريخية على التشكيك في أسطورة اللاهوت المزيفة التي بنى عليها رواد الصهيونية أركان دولة قومية لليهود فقط.

 

اليوم تنكشف عورة النظام العنصري الفاشي اليميني المتطرف بمناسبة اغتيال الإعلامية القديرة مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبوعاقلة برصاصة قناص استهدف عنقها بأوامر من قيادته لتأكيد ممارسات دولة مارقة نعتها حضرة صاحب السمو أمير قطر في خطاب دافوس بأنها خارجة عن القانون الدولي ومتمتعة بالإفلات من المحاسبة. اليوم لأول مرة يوقع 86 عضوا في الكونغرس الأمريكي بيانا لمطالبة إدارة الرئيس بايدن بالضغط على سلطات إسرائيل للتحقيق في اغتيال شيرين الشهيدة ومعاقبة الجناة.

 

اليوم بدأ حق الشعب الفلسطيني يفوز بالتعاطف العالمي أمام انهيار صورة إسرائيل الملتحقة بقافلة الدول المدانة دوليا وفي هذا الصدد كتب عدنان أبوعامر على صحيفة (عربي 21): "يتصاعد القلق لدى أوساط دولة الاحتلال من تردي العلاقة مع يهود الشتات، وعلى رأسهم يهود الولايات المتحدة، بعد صدور معطيات إحصائية زادت من مخاوف الإسرائيليين حول مستقبلهم. وأظهرت الإحصاءات، بحسب ما ذكرته صحيفة عبرية، أن أعضاء الحزب الديمقراطي الحاكم، خاصة الشباب منهم حتى سن الثلاثين، متعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وهي حقائق لافتة فعلا كشفها معهد بيو للأبحاث في واشنطن.

 

وقد قام المعهد الأمريكي المذكور بفحص مواقف الأمريكيين تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأجريت الدراسة في آذار/مارس على أكثر من عشرة آلاف بالغ أمريكي، وأظهرت أنه "بين الشباب حتى سن 30 عاما انخفض الدعم لإسرائيل من 63 ٪ في عام 2019 إلى 56 ٪ في عام 2022، ومن بين جميع البالغين الأمريكيين ارتفع الدعم للفلسطينيين من 46 ٪ في عام 2019 إلى 52 ٪ في عام 2022". وذكر المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، إيتمار آيخنر في تقرير ترجمته "عربي 21"، أن "هذه المعطيات المقلقة تكشف عن "فقر" في دعم إسرائيل من بين جميع الخريجين الأمريكيين، مع وجود اتجاه مزعج بصورة خاصة لدى الشباب الأمريكي، رغم أن 67 ٪ من الأمريكيين لديهم موقف إيجابي تجاه إسرائيل مقارنة بـ 64 ٪ في 2019".

 

ومن جهتي فأنا أتعامل يوميا مع الإعلام الأمريكي والأوروبي بسبب انشغالي السياسي والصحفي بتوجهات الرأي العام الغربي وهو كما تعلمون المحدد الأكبر لمواقف دول الغرب، فالغرب دول «ديمقراطية» لكنها ديمقراطية الاقتراع ولا تعني لا الموضوعية ولا الواقعية ولا الانحياز للحق في سن الخيارات لأن الرأي العام قابل للتلاعب المبرمج باهتماماته وردود أفعاله وهو معطى ليس جديدا طرأ مع حرب الإبادة الراهنة التي يشنها اليمين الإسرائيلي المتهور مع بنيامين ناتنياهو على شعب فلسطين، بل هو معطى عريق جدا بدأ منذ 1897 بمعاهدة (بازل) بسويسرا حين أشرفت دول غربية على مؤتمر صغير انعقد في تلك المدينة السويسرية برئاسة الصحفي والكاتب اليهودي (تيودور هرتزل) صاحب أشهر كتاب هو (الدولة اليهودية) THE JEWISH STATE الذي كان الواضع لخارطة طريق تأسيس الدولة اليهودية وحدد لها محطات تحققت بالكامل حيث اختار الكاتب والمنظر (هرتزل) رقم 7 من كل عشرية لينفذ مشروع الدولة اليهودية لأن اليهود يخططون والعرب المستهدفون لا يخططون بل يتخبطون، ومن عجائب خارطة طريق اليهود أن كتاب (الدولة اليهودية) صدر عام 1897 وبعد عشرة أعوام في عام 1907 انعقد في لندن أول مؤتمر يهودي جمع رجال البنوك والمال والصحافة ثم عام 1917 صدر لهم وعد بلفور وعام 1927 بدأ تنظيم الهجرات اليهودية نحو فلسطين ثم عام 1937 قضى الاستعمار البريطاني على ثورة عز الدين القسام المسلحة وجاء عام 1947 ليرى إنشاء منظمة الأمم المتحدة لدولتين بقرار 29 نوفمبر 47 (دولة عربية ودولة يهودية) وحدث ما حدث من النكبة والتهجير والإبادات الممنهجة على أيدي عصابتين إرهابيتين صهيونيين هما (شترن) و(الهاجانا) وهما اللتان قتلتا (الكونت برنادوت) مبعوث الأمم المتحدة وهما اللتان فجرتا فندق الملك داود بالقدس على رأس مواطنين إنجليز وعرب أي أن دولة إسرائيل قامت على الإرهاب منذ نشأتها. ونواصل مع الرقم 7 ليشهد عام 1957 إنجاز أول مفاعل نووي إسرائيلي في صحراء النقب وهو مفاعل ديمونة بإعانة فرنسا آنذاك ثم تعرفون ما جرى عام 1967 من حرب الأيام الخمسة (لا الستة) بتدمير سلاح الطيران المصري والسوري والأردني وضم ما تبقى من أراض عربية تعتبرها إسرائيل ضامنة لحمايتها (القدس وسيناء والجولان من جنوب سوريا والضفة الأردنية وقطاع غزة وجنوب لبنان مزارع شبعا) حتى شن السادات عام 73 حرب العبور التي تعد نصف انتصار لأن الجنرال أريال شارون احتل الكلمتر 101 الشهير في مصر مهددا بغزو القاهرة!

 

ثم جاء موعد 7 الجديد مع 1977 بزيارة السادات نفسه إلى الكنيست والتخلي المصري النهائي عن المقاومة واستعادت مصر سيناء بلا سيادة منزوعة السلاح حسب الاتفاق الموقع في كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي كارتر. وتوالت تواريخ 7 ليشهد عام 1987 أول اعتراف لمنظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل وزوال مبدأ إزالة إسرائيل لإنشاء دولة فلسطين كان ذلك خطوة تأكيد حسن نية الزعيم ياسر عرفات وترويض منظمته المقاومة لدخول عصر «السلام الأمريكي»! الذي توج بتوقيع معاهدات عديدة بين إسرائيل والفلسطينيين من مدريد إلى أوسلو إلى شرم الشيخ انتهاء بمهرجان حديقة البيت الأبيض والمصافحة التاريخية بين إسحاق رابين الذي اغتاله متطرف صهيوني وبين ياسر عرفات في سبتمبر 93 … حتى اغتيال أبوعمار بمادة البولونيوم عام 2002 ووفاته في مستشفى (برسي بباريس). هذه القراءة التاريخية ضرورية لشباب العرب اليوم حتى يدرك خفايا حرب الإبادة لكل نفس مقاوم لإسرائيل ما بين غزة والقدس والضفة تحت صواريخ جو أرض دقيقة تغتال قادة حماس والجهاد وتبيد أطفال فلسطين للقضاء على المستقبل ووأد المقاومة! ولكن هيهات فالمعادلة تغيرت بفضل إصرار أحرار فلسطين وشبابها الرافض للخنوع على المقاومة فتطورت آليات الدفاع الفلسطيني وتهدد أمن المدن والقرى الإسرائيلية والتحم الشعب الفلسطيني من القطاع للضفة للداخل الأخضر لأول مرة منذ عقدين وكسبت قضية فلسطين تعاطف واحترام البرلمانات الغربية وأغلب الإعلام المستقل في العالم. هذا هو المكسب العظيم وأول خطوة على طريق استعادة الحقوق وعزل الأبرتايد الإسرائيلي المدان.

 

(الشرق القطرية)

0
التعليقات (0)