مقالات مختارة

أوكرانيا بعد أفغانستان وسوريا.. نفوذ واشنطن يتراجع

وائل عصام
1300x600
1300x600

غزو روسيا لأوكرانيا أظهر مجددا كيف تتراجع هيمنة ونفوذ الولايات المتحدة والغرب بشكل مطرد منذ عقدين، وكيف يخسر حلفاؤهم أمام حلفاء الأقطاب الدولية الصاعدة مثل، روسيا والصين والقوى الإقليمية التوسعية مثل إيران، بل حتى أمام قوى محلية متماسكة كطالبان، وهو ما شكل المشهد الجديد بعد سنوات من المواجهة في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وأخيرا في كابل عندما فقدت الحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيا السلطة، على الرغم من وجود عسكري مباشر لواشنطن.


العالم يتغير إذن، أقطاب دولية صاعدة بدأت تتحدى السيطرة الأمريكية، وتفرض نفوذها في محيطها الإقليمي، حيث يتطلب أمنها القومي، روسيا تتجرأ على غزو عسكري في شرق أوروبا، لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، فائض القوة المكتنز لدى موسكو في السنوات الأخيرة، بدأ يظهر في سوريا وليبيا، والآن أوكرانيا، والصين تراقب أوكرانيا وعينها على تايوان!


وكذلك فعلت إيران في محيطها الإقليمي، بدءا من بغداد وصولا لبيروت وصنعاء، وحدهم العرب ما زالوا ينتظرون الغوث ويعلقون هزائمهم على المؤامرات الكونية، غير قادرين على إيجاد صيغة ما للنهوض، وجسر خلافاتهم القبلية والطائفية، ما قد يؤدي بهم للاضمحلال أو الذوبان في الأمم المجاورة، كما أن معظم أنظمتهم، والكثير من نخبهم الثورية والسياسية، ما زالوا عالقين في الجب الأمريكي، لا يتصورون طريقة ما لإدارة الصراع والانتصار، سوى تسول المعونة من “أبو إيفانكا”، ينتظرون دبابات أمريكية تخرج من قاعدة “عين الأسد” وتعيدهم للحكم في بغداد، ويسألون واشنطن عن موعد إسقاط بشار الأسد في دمشق، وفي الخليج العربي هناك من يعول على واشنطن في مواجهة إيران! يقول الرئيس الأوكراني في خطابه الأخير، “لا أحد يريد القتال من أجلنا”، عبارة ساذجة من النادر سماعها إلا من “عربنا” في العراق وسوريا، أو من ممثل كوميدي تحول لـ”سياسي”!. لم تقاتل أمريكا يوما من أجل احد، بل من أجل مصالحها، واستفادة طرف ما من ذلك لا يعني أن أمريكا أو القوى الدولية “جمعيات خيرية”، ورغم ذلك فإن معظم الحروب التي خاضتها خسرتها في النهاية، أو خسرها حلفاؤها في المحصلة، في فيتنام خسروا وهرب حلفاؤهم الجنوبيون من العاصمة، أمام الشماليين في نهاية الحرب، في أفغانستان تكرر المشهد، بل تكررت صورة المروحية التي تغادر في الساعات الأخيرة. في العراق جاء الأمريكيون لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، فانتهى بهم الأمر للاعتراف في تقاريرهم الرسمية، بأن العراق تحول لبوابة الشرق الإيراني الجديد، حاولت واشنطن تنصيب حلفائها من “شيعة أمريكا” مثل إياد علاوي وباقي الشخصيات العلمانية المدعومة من الخارجية، وبرامج تمويل “تحرير العراق”، لكنهم أخفقوا وسيطر “شيعة طهران” والشيعة الإسلاميون المعادون للأمريكيين مثل التيار الصدري على السلطة، بقوتهم الشعبية التي ظهرت وما زالت تظهر في كل استفتاء شعبي، وخرجت واشنطن بدرس تعلموه في العراق، كما عبر عنه أوباما في خطاب حالة الاتحاد، بعد انسحاب الجيش الأمريكي من العراق، إذ قال “إن الدرس الذي تعلمناه في العراق يقول، إن فرض التغيير بالقوة العسكرية لا يؤتي أكله”. وانطلاقا من تجربة العراق أحجم الامريكيون عن التدخل العسكري المباشر مجددا في مناطق النزاع، وظهر ما يعرف بعقيدة أوباما التي تدعو لتجنب الزج بالقوة العسكرية الأمريكية المباشرة في مناطق التوتر، واستبدال التدخل البري بالعمليات الجوية غير المكلفة لأرواح ابنائهم.

وانطلاقا من “درس العراق” ظهرت أمام واشنطن “المعضلة الخبيثة” في سوريا كما سمتها هيلاري كلينتون في كتابها، فهم في حيرة من أمرهم، لا يريدون تكرار أخطاء العراق بالتدخل البري المباشر بجيش أمريكي، وفي الوقت نفسه، يريدون دعم المعارضة السورية ضد الأسد، ويريدون الضغط على النظام العسكري وإسقاط أهم مدنه، لكنهم وفي الوقت نفسه يخشون من الفراغ الأمني ما بعد بشار الأسد، ويخشون اقتتال حلفائهم غير المنضبطين في فصائل المعارضة، كما كان يحدث في الغوطة بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن، وهم تحت حصار الأسد! كما يريد الأمريكيون محاربة التنظيمات السنية الجهادية، التي هاجمت بلادهم في 11 سبتمبر، وقاتلت جنودهم في العراق، وفي الوقت نفسه يريدون مواجهة تمدد أكثر قوة أرضية فعالة في قتالهم وهي، الميليشيات الشيعية المدعومة من عدوهم النظام الإيراني! الإخفاق في الخيار العسكري المباشر في أفغانستان وفيتنام، وعدم جدوى الدعم المالي والعسكري للحلفاء المحليين، كما في سوريا واليمن ولبنان، والرمال المتحركة التي أعاقت الوجود الأمريكي في مناطق تشهد صدام حلفائها كما في حالة الأكراد وتركيا، والكلفة الباهظة في الارواح البشرية والمادية على مجتمعات غربية لا تجد طائلا من القتال والتدخل في مناطق بعيدة عن محيطهم الإقليمي، ولا تمس أمنهم القومي المباشر، كلها أسباب جعلت واشنطن تتردد كثيرا في الدخول في مواجهات عسكرية مكلفة وغير مضمونة النتائج، كما حدث في أوكرانيا.

 

(القدس العربي اللندنية)

1
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
السبت، 26-02-2022 10:26 م
*** الرفاق من فلول حزب البعث العراقي، الذين استبدلوا دينهم بالعقائد القومية العنصرية المتطرفة، ومن ما زالوا يرقصون من أعضاء البعث السوري النصيري على جثث أبناء وطنهم السوريين بين أطلال مدنهم المدمرة ببراميل الدمار لمجرم الحرب بشار النصيري العلوي، ومؤيديه وداعميه في روسيا وإيران، والجنرال الانقلابي الدجال السيسي وريث الفراعنة الذي ألبسه سيده بوتين سترته القديمة، والرفاق الذين ما زالوا يحلمون بأوهام قوة وعظمة الامبراطورية الروسية السوفيتية الماركسية اللينينية الستالينية المنهارة، التي ستبعث من قبرها، وتأتي لهم من جديد لتغرقهم بالمن والسلوى، ما زالوا على غيهم القديم، من أمثال كاتب المقالة، الذين يبشروننا ويتغنون باستعادة عمالتهم ودونيتهم، "وبأن حلفاءهم من الأقطاب الدولية الصاعدة مثل، روسيا والصين والقوى الإقليمية التوسعية مثل إيران"، سيأتون لإنقاذهم ويضعونهم مرة أخرى فوق رؤوسنا على عروش حكم بلادنا، ليستعيدوا إجرام أمجاد آلهتهم المقبورين صدام وحافظ وناصر والقذافي والطامعين في ميراثهم، والسير ورائهم في طريق هلاكهم. أفق يا رجل من أوهامك، فألاعيبكم مكشوفة، وعمالتكم مفضوحة، وسعيكم سيرد إلى نحوركم، والله أعلم.

خبر عاجل