هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شعبية النظام المغربي تراجعت بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة
الأنظمة العربية السلطوية مُهددة بعدم الاستقرار والسقوط نهاية هذا العقد
هذه أسباب تراجع شعبية "العدالة والتنمية".. وهناك تلاعب بنتائج الانتخابات
استبعد اندلاع حرب بين المغرب والجزائر وأدعو المجتمع المدني في البلدين للتحرك
المدافعون عن مشروع "ملكية برلمانية" إما بالسجن أو تحت الضغط والتشهير
حركة 20 فبراير.. روحها موزعة بين سماء الآمال وأرض اليأس والقمع
قال المؤرخ والحقوقي المغربي، معطي منجب، إن شعبية النظام الحاكم تراجعت بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة، بسبب التراجع عن كل الوعود التي أطلقها عام 2011، خاصة في ظل التدهور الخطير لمستوى التعليم والصحة، وانتشار الفقر، وتفشي الرشوة، وتردي الحريات.
وبسؤاله عن مدى استقرار النظام المغربي، أجاب قائلا، في مقابلة خاصة مع "عربي21": "الأنظمة العربية السلطوية، وخصوصا التي لا تستند على مداخيل بترولية مهمة، مُهددة بعدم الاستقرار، وإن لم تقم بإصلاح ديمقراطي حقيقي قد تسقط قبل نهاية هذا العقد".
وأوضح "منجب"، وهو العضو المؤسس في المجلس الوطني لدعم حركة "20 شباط/ فبراير" أن "حزب العدالة والتنمية تراجع رصيده بين صفوف الشعب بسبب عدم تطبيقه لبرنامجه الاجتماعي، وخضوعه التام للقصر والمخزن (الدولة التقليدية والعميقة)، وتوقيعه للاتفاق مع حكومة المتطرف نيتنياهو، إلا أن هناك أيادي داخلية عابثة تلاعبت بنتائج الانتخابات ضده وضد بعض اليساريين المناهضين للنظام".
و"المخزن" مصطلح سياسي مغربي يُقصد به نافذين في المملكة يتقلدون مناصب في مختلف الإدارات المهمة، وهم من المقربين من القصر الملكي، ويتحركون باسم الدفاع عن مصالحه، ويفضلون تحديد مصالح المملكة، واتخاذ القرارات المهمة خارج المؤسسات التمثيلية من برلمان وغيره، وعادة ما يتحركون مع شبكة من رجال الأعمال وفاعلين آخرين.
ولفت المؤرخ المغربي إلى أن "حركة 20 شباط/ فبراير لم يبقِ لها وجود بدني، وروحها موزعة بين سماء الآمال وأرض الوحل واليأس والقمع".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف استقبلت تقرير المعهد الملكي الإسباني "إِلْكانو"، والذي حذّر من احتمال حدوث صدامٍ بين الجزائر والمغرب دون استبعاد مواجهةٍ مسلحة مباشرة أو بمشاركة جبهة البوليساريو؟
تقرير المعهد الإسباني متشائم نوعا ما، ربما لأن محرريه لا يعرفون بما فيه الكفاية أن الشعبين المغربي والجزائري قريبان جدا ويكاد يكونان نفس الشعب، رغم التوتر الذي يسود العلاقات بين النظامين منذ عقود؛ فحينما يفوز فريق رياضي جزائري يعمّ الفرح الشباب المغربي الذي وُلد وترعرع ونزاع الصحراء قائم، والعكس بالعكس، اللهم إلا إذا كان الخاسر ضد المغرب أو الجزائر فريق من بلد مغاربي آخر، وكل هذا يدل على اللحمة المغاربية القوية.
أنظروا إلى حجم التضامن بالجزائر شعبا ونخبة مع الطفل المغربي ريان أورام الذي سقط في بئر عميق وتعذر في الأخير إنقاذه.
كذلك يبدو لي أن محرري التقرير لا يقدّرون أن الأنظمة السلطوية تفضل التوتر متوسط أو ضعيف المستوى على الحرب المفتوحة مع الجار، لأن التوتر يُقوي دائما من مشروعية النظام السلطوي الداخلية، أما الحرب -إذا خُسرت- فإنها قد تعني نهايته.
أيضا، الحرب في القرن الواحد والعشرين ولأسباب تكنولوجية ومعرفية ودبلوماسية-دولية لم يصبح بالإمكان حسمها، ولو لصالح القوي أو المبادر، في أسابيع أو حتى في سنوات كما كان في السابق، مهما كان ميزان القوى مُختلا على أرض الواقع.
لنرى الوضع في ليبيا، على سبيل المثال، بعد 11 عاما من اندلاع الحرب بها، ولنستخلص الدروس من الحرب باليمن، وكيف أنها بدأت كنزهة مسلحة لتقوية مركز محمد بن سلمان كطامح لوراثة العرش، بينما هي الآن تُهدّد عاصمة السعودية، بل ودبي نفسها التي تطمح أن تصبح هونغ كونغ العرب من حيث المال والأعمال، ولها بعض المؤهلات لذلك.
بل لنتمعن في مكوث أمريكا بجيش عرمرم طيلة 20 سنة بأفغانستان دون نصر وبتريليونات من الخسارة وآلاف القتلى والجرحى. ونزاع الصحراء نفسه يدوم منذ 47 سنة.
وبالتالي، فاعتقادي الراسخ أن لقيادة البلدين قدرا من الحكمة والتعقل يمنع، وسيمنع، عنهما المغامرة بالحرب.
ولكن على المجتمع المدني بالبلدين عدم الاستكانة بل التحرك حتى تتوقف طبول الحرب، وحتى نبدأ ببناء اتحاد مغاربي يدفع التنمية الاقتصادية والسياسية بقوة إلى الأمام، وحتى نتفاوض على مصالحنا مع الاتحاد الأوروبي الجار الشمالي في ظروف أفضل تسهل ولوجنا زمن الرفاهية والاستقرار الديمقراطي الحقيقي؛ فلدى شمال إفريقيا من الخيرات والموارد البشرية والإمكانيات ما يجعل بالإمكان أن ينعكس تيار هجرة الأدمغة لصالحها بأن نبدأ باستيراد المهندسين والتقنيين الأوروبيين والمتخصصين في التجارة والأعمال لنجعل من تونس ووهران وطنجة، دبي وكوالالمبور وسيول خلال العقود القادمة.
إلا أن ما يمنعنا الآن من تحقيق هذا التقدم والتطور هو التوتر البين-دولتي (القائم بين دولة ودولة أخرى)، والانغلاق السياسي الداخلي، وانعدام الديمقراطية الكفيلة وحدها بإطلاق الطاقات الخلاقة لشعوب المنطقة.
والتوتر بين المغرب والجزائر يُكلّف البلدين حوالي 2% من إجمالي الدخل السنوي.
ورغم كل ما ذكرته فهذا لا يمنع -لا قدر الله- من حدوث انفلاتات عسكرية محدودة؛ فقد عرفت المنطقة مناوشات دموية بين البلدين، خصوصا عامي 1963 و1976، ولكن تم احتواء الأمر بسرعة بفضل إرادة الشعبين والمعقولية النسبية للحاكمين وللعسكريين من الجهتين.
وماذا عن أبعاد التوتر الذي يحدث من وقت لآخر بين المغرب وإسبانيا؟
أسباب هذا التوتر ترجع أساسا إلى الماضي الاستعماري وتداعياته حتى اليوم، كما ترجع لمشكلة الصحراء؛ إذ تحاول إسبانيا أن تحافظ على نوع من التوازن بين الجزائر والمغرب لأسباب تتعلق بأمنها القومي وبمصالحها الاقتصادية؛ فهي أول شريك تجاري للمغرب في العالم بعدما تجاوزت فرنسا في هذا المجال، كما أن اقتصادها يحتاج للمحروقات الجزائرية.
كذلك إسبانيا تحتاج لتعاون وحسن نية الجارين فيما يخص الهجرة غير النظامية. مدريد لا تصب أبدا الزيت على النار الهادئة بين الرباط والجزائر العاصمة، بل وتقف إلى جانب مَن يظهر في مرحلة ما الأقل عدوانية. هذا الموقف يظهر وكأنه متذبذب، ولهذا فإنه يغضب مرة هذا الجار ومرة الجار الآخر.
والحكومة الإسبانية تحاول في الغالب ألا تغضب المغرب، لكنها كأي نظام ديمقراطي تأخذ بعين الاعتبار مواقف مجتمعها المدني الذي يقف في جزء كبير منه إلى جانب البوليساريو ومن ثم الجزائر.
ما المأمول من استئناف العملية السياسية المتعلقة بإقليم الصحراء على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي؟
المملكة المغربية تطمح، خلال المرحلة التي انطلقت منذ سنة 2020، أي مع اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء، وبشيء من الإلحاح الدبلوماسي المفهوم إلى أن تتبع الدول الأوروبية القريبة تاريخيا من واشنطن وإسرائيل، خطوة ترامب بالاعتراف الكامل والسريع بمغربية الصحراء رغم أن هذا حدث في إطار توسيع اتفاقات أبراهام لتشمل الرباط.
ويبدو أن لسان حال الرباط يقول: إذا فعلها الكبير لم لا يفعلها الصغير؟، لكن الأمور غير بسيطة بهذا الشكل؛ فالحكومة المغربية تتجاهل أن لهذه الدول الصديقة مصالحها ورؤيتها الخاصة للقانون الدولي؛ فحتى تركيا التي تزن عشر مرات اقتصاد المغرب لم تستطع تغيير موقف الاتحاد الأوروبي من القضية القبرصية ولا من الصراع اليوناني-التركي.
بالطبع الدول الأوروبية تعلم أن الشعب المغربي في أغلبيته الساحقة يؤمن إيمانا مقدسا بمغربية الصحراء، ولن يتخلى عنها مهما كان، ولكنها تأخذ بعين الاعتبار الموقف الجزائري، رغم أن دول الاتحاد الأوروبي تساند الحل السياسي المتفاوض عليه.
تبادل الرباط وتل أبيب التمثيل الدبلوماسي لم يُغيّر الأمور بشكل حاسم لصالح المغرب، خصوصا وأنه بعد صعود المتطرف نفتالي بينيت سدة الحكم صرّح ممثله بالرباط بأن موقف الاحتلال من قضية الصحراء هو التفاوض المباشر بين الرباط وجبهة البوليساريو، لأن الاحتلال لم ييأس بعد من محاولة استدراج الجزائر إلى صف المُطبّعين، وقد ينجح في ذلك بطريقة أو أخرى.
كل الدول العربية متعاونة أو صامدة تعتقد أن اللوبي الصديق للاحتلال الإسرائيلي يتحكم بشكل سحري في قرارات كبرى الدول الغربية، ولكنهم ينسوا أن لا شيء قار وثابت في السياسة الدولية، خاصة أن شعبية إسرائيل تتراجع في الغرب؛ فمثلا أغلبية الشباب الأمريكي داخل الحزب الديمقراطي والمجتمع المدني الحقوقي والتنموي أصبح يساند أكثر فأكثر الحقوق الفلسطينية، خصوصا منذ تتالي الحروب الدامية على غزة منذ سنة 2009، حتى أن الكاتب الصحفي الأمريكي البارز توماس فريدمان يقول إن جو بايدن قد يكون آخر رئيس أمريكي يساند إسرائيل.
كيف تقيمون الأربعة أشهر الأولى من عمر حكومة "أخنوش"؟
لا جديد تحت شمس المغرب السياسي، سوى أن حكومة أخنوش ترجعنا إلى زمن الحكومات اللاسياسية التي كانت سائدة في المغرب حتى أواسط التسعينيات. إن وزراءها مجرد موظفين وقاعدتهم تتكون أساسا من الأعيان المحليين وأصحاب المصالح.
ما فرص الوصول إلى "الملكية البرلمانية" في المغرب على غرار الملكية الإسبانية أو الهولندية أو البريطانية؟
أصبح هذا مشروع ثوري، ومَن يدافع عنه إما هو في السجن أو تحت الضغط والتشهير الدائم.
ماذا تبقى من حركة 20 شباط/ فبراير اليوم؟
حركة 20 شباط/ فبراير لم يبقِ لها وجود بدني، وروحها موزعة بين سماء الآمال وأرض الوحل واليأس والقمع.
وسائل إعلام مختلفة أكدت تعرضك – وآخرين - للتجسس عبر استخدام برنامج "بيغاسوس" الذي تنتجه شركة NSO الإسرائيلية.. فما أبعاد هذه الواقعة؟ ومَن يقف خلفها؟
فيما يخص التجسس على هذا العبد الضعيف الذي أمثله مستعملين التكنولوجيا الأرفع في العالم، وهي بيغاسوس NSO، فأنا أقول لمَن يقف وراء ذلك: إذا لم تستحيي فأفعل ما شئت. التجسس مُضر، وهو جريمة وقلة حياء وروية، ولكن ليس لدي ما أخفيه أو أتراجع عنه؛ فانتقاد وضع الحريات بالبلاد كنت أفعله قبل وبعد التجسس، وقبل وبعد السجن.
إني أخجل من بلادي أن جعلتني أول مواطن بشمال إفريقيا اُستعمل ضده بيغاسوس، أي منذ سنة 2017، وهذا هو ما برهن عليه تقرير تقني لمُختبر سيكوريتي لاب /أمنيستي (Security Lab.) ، وكان ثمن التثبيت آنذاك على كل جهاز هاتفي أو حاسوب لا زال مرتفعا جدا، وهو 115000 دولار، أي إني على الأقل كلفتهم، وفي هذا الأمر وحده، 230000 دولار لهاتفي وحاسوبي.
هذا عيب وقلة عقل أن يُضيّع بلد نصفه فقير موارده على أشخاص هم فقط ينتقدون الوضع بسبب صدمتهم من الظلم والقمع والفساد.
إنهم يريدون فقط مغربا أفضل، وحتى إن أخطأوا، وحتى إن استمع لهم الشعب المُسيّس هل النظام بكل هذه الهشاشة تجاه أشخاص لا حول ولا قوة لهم.
ونحن في كل الأحوال قليلين بالمنطقة، ولن نستطيع الإطاحة بهذه الأنظمة بالتعبير عن الرأي والإدانة وتحضير البيانات، وهم عن هذا يتجسسون؟، الأمر غريب وبليد.
ما قراءتكم للفشل الذريع الذي تعرض له حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الماضية؟
حزب العدالة والتنمية تراجع رصيده بين صفوف الشعب بسبب عدم تطبيقه لبرنامجه الاجتماعي، وخضوعه التام للقصر والمخزن (الدولة التقليدية والعميقة)، وتوقيعه للاتفاق مع حكومة المتطرف نيتنياهو. ولكن التحكم القبلي والبعدي في الانتخابات جعل تراجعه بهذا القدر الكبير اصطناعيا تماما. فهناك أيادي داخلية عابثة تلاعبت بالنتائج ضده وضد بعض اليساريين المناهضين للنظام. إلا أن العدالة والتنمية قد يرفع رأسه من جديد معتمدا على ما تبقى لبنكيران من شعبية، ولكنه لن يعود أبدا إلى سابق وهجه الشعبي في المستقبل المنظور.
كيف ترون نظرة وموقف الشعب المغربي من نظام محمد السادس؟
الغريب في المغرب أن الشعب الفقير والذي يعاني من الأمية واستبداد المخزن (الدولة التقليدية والعميقة) وفساده، ومن اقتصاد الريع السائد، هو مَن يصفق لرؤوس النظام في جزء منه، بالإضافة طبعا إلى بعض المستفيدين بين صفوف البلطجية المنظمة والنخبة الريعية.
أما الطبقات الوسطى المتعلمة، وخصوصا الدنيا، وهي تشكل جزءا كبيرا من المجتمع؛ فقد عرفت أوساطها تراجعا مهولا لشعبية النظام خلال السنوات الأخيرة بسبب التراجع عن كل وعود 2011، وهي سنة الربيع المغربي، وبسبب تراجع مستوى حياة جزء لا بأس به من هذه الفئة التي تعاني من تدهور خطير لمستوى التعليم والصحة ورجوع الرشوة صغيرة وكبيرة إلى واضحة النهار.
كذلك عودة سلوكيات التسلط والعنترية واحتقار الشعب من قِبل الإدارة والمخزن، وهو الشي الذي كان قد بدأ يخف منذ بداية التسعينيات وترسخ خلال السنوات الأولى لما سمي بالعهد الجديد، وأقول إن عودة هذه السلوكيات المقيتة منذ سنوات تجعل من كل مغربي معارضا بالإمكان إما للسلطات المحلية أو المركزية أو هما معا.
إلى أي مدى بات النظام الحاكم مستقرا في المغرب؟
الأنظمة العربية السلطوية، وخصوصا التي لا تستند على مداخيل بترولية مهمة، مُهددة بعدم الاستقرار وبحركية اجتماعية-ثقافية-نفسية عميقة يتحول فيها تدريجيا "المحكومون" إلى مواطنين والرعية السلبية إلى أمة فاعلة.
هذه الحركية ناتجة عن الاستياء الناتج أساسا عن التجاوز الخُلقي والقيمي للأنظمة من قِبل المجتمع، وخصوصا الفئات الوسطى المتعلمة، وكل هذا يختمر في العمق الآن وسيطفو قريبا إلى السطح. ويبدو لي أن أغلبية هذه الأنظمة إن لم تقم بإصلاح ديمقراطي حقيقي يَجعل النظامَ يَلحقُ بالمجتمع، قد تسقط قبل نهاية هذا العقد.