هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اتفاقية أمنية تاريخية ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا أثارت غضب "العدو" والصديق في آن واحد؛ الصين وهي "العدو" والطرف المستهدف أصالة، انتقدت الاتفاقية بشدة ووصفتها بأنها "غير مسؤولة" و"ضيقة الأفق".
أما فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، وهي الصديق المُبعد فقد رأت في الأمر"خيانة" و"طعنة في الظهر" إذ جاءت على حساب صفقة عقدتها مع أستراليا منذ 2016.
وقال مسؤول الاتحاد الأوروبي إنّ "اتفاقاً من هذا النوع لم يتم فجأة وإنما استغرق وقتاً. لكن لم يتمّ إبلاغنا، ولم تتمّ استشارتنا.
وعبر عن قلقه من كون ذلك يمثل نهجا إقصائيا لدى واشنطن. وأعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا الاربعاء الماضي عن اتفاقية أمنية خاصة لتبادل تقنيات عسكرية متقدمة في محاولة لمواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبموجب هذه الاتفاقية ستتمكن أستراليا من بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية عوضا عن أخرى تقليدية تعمل بالديزل والكهرباء تعهدت بها فرنسا. وتغطي الاتفاقية كذلك مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية والإنترنت.
إذن فهناك تأهب وجدية من جانب واشنطن وحلفائها لمواجهة التنين الصيني وتقليم أظافره؛ فالتنين كما هو معروف كائن أسطوري من الوحوش التي أُلفت عنه القصص والأساطير إذ أنه يمثل رمزا للقوة غير المحدودة. وهكذا فقد لقبت الصين بالتنين تدليلا على قوتها لاسيما الاقتصادية ومن هنا شكلت بعبعا لأعظم قوة في العالم وهي الولايات المتحدة.
ومع تباين الطريقة التي ينظر بها الأمريكيون إلى التحدي الصيني، يُركِّز الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإدارته، على أن العلاقة بين البلدين واشنطن وبكين "علاقة تنافس"، فيما يرى آخرون بأن الصين تُمثِّل خطراً على أمريكا أكثر مما مثَّله الاتحاد السوفييتي في فترة الحرب الباردة. ولعل الاتفاقية الأخيرة بين واشنطن ولندن وكانبيرا بصدد إعادة أجواء الحرب الباردة في مواجهة الصين كعدو أول وذلك يتجاوز علاقة التنافس.
ولعل الصراع بين واشنطن وبكين لم يتخذ أشكالا تقليدية بسبب الحذر الصيني، وربما لاعتماد بكين على (تكتيك) محمد علي كلاي الملاكم الأشهر في لعبة الملاكمة، والذي يقوم على امتصاص الضربة تلو الضربة والتراجع المستمر وعدم مسايرة الخصم ورد ضرباته حتى تحين الفرصة الملائمة وتوجيه ضربة للخصم حتى ولو طال أمد المعركة.
بيد أن واشنطن قررت عدم الاكتفاء بوسائل الضغط غير العسكرية ولا الصبر على (تكتيك) كلاي حتى تقضي عليها بكين يوما بالضربة القاضية في ظل استمرار الاقتصاد الصيني في النمو وتمكنه في نهاية المطاف من تجاوز الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
من جانبها سعت بكين إلى ابقاء الصراع مع واشنطن في اطار منافسة حضارية وتدافع في اطار القوة الناعمة. فقد سعت الصين لوضع حد لانتقاد نظامها السياسي، والتدخل في شؤون هونغ كونغ وتايوان.
وكذلك تخفيف الرسوم التجارية. لكن العقلية الأمريكية تأبى إلا أن ترفض مطالب ورغبات الصين. ومما لا شك فيه أن الصين اليوم تُمثِّل قوة التغيير الأساسية في النظام الدولي الراهن على مستوياته الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية كافة.
إذ إن الولايات المتحدة تعتبرها التحدي الرئيسي لمكانتها الدولية. ولذا فإن الصين تعتبر في مركز دائرة الاهتمام والرصد الأمريكي ليس فقط تجاه واشنطن وإنما تجاه كل دول العالم. ويرى المفكر والفليسوف الأمريكي فرانسيس فوكوياما أن الصين دولة مركزية قوية تاريخياً استطاعت أن تقود نمواً اقتصاديا مستمر. ونجد اليوم أن إجمالي إنفاق الصين على البحث والتطوير ارتفع بنسبة 10.3% عما كان عليه في العام 2020 إلى 2.44 تريليون يوان (377.8 مليار دولار).
ويقول الخبراء أن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2028، متفوقة على الولايات المتحدة، قبل خمس سنوات مما كان متوقعا في السابق.
إن واشنطن غير معنية بإثارة غضب فرنسا والاتحاد الأوروبي لكن حساباتها الاستراتيجية والعسكرية تقتضي تموضعا عسكريا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بوسائل متطورة أكثر بكثير مما تضمنته الصفقة الملغاة.
لكن الاتحاد الأوروبي يرى أن الشراكة الأمنيّة الجديدة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا تظهر الحاجة إلى نهج مشترك للاتّحاد الأوروبي في منطقة ذات أهمّية استراتيجيّة.
وكان الأوروبيون قد حدّدوا لأنفسهم من قبل أولويّات عدّة مثل تحقيق خفض في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ووضع معايير للثورة الرقميّة فضلا تهدئة التوترات وتجنّبها.
فهل تغير هذه الصفقة المثيرة للجدل في هذه الأولويات ويدخلون بقوة في غمار الحرب الباردة وهل تبقى الصين عدوا مشتركا وبنفس القدر مع واشنطن وبريطانيا واستراليا؟.
ومما يجدر ملاحظته أن اتفاق صفقة الغواصات النووية يعتبر أول اتفاق عسكري واستراتيجي تدخل فيه بريطانيا بعد خروجها الداوي من الاتحاد الأوروبي، وعلق الاتحاد بأنه يسعى إلى التعاون مع لندن لكنه لا يلمس حماسة كبيرة من جانب القادة البريطانيّين، ومع ذلك لم يقطع الاتحاد العشم وترك الباب مفتوحا إذا ما أرادت بريطانيا التعاون.
يشار إلى أنه رغم أن أوروبا كانت قد نحت في السابق منحاً ايجابياً تجاه الصين، وقد أشار خبراء في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي إلى أن الصين كانت قد دخلت أفضل فترة للإستثمار في الأسواق الأوروبية، خاصة وأن أوروبا تتميز بأنها أكثر انفتاحا مقارنة بأمريكا.
هذا فيما يخص لعب الكبار، فماذا بشأن منطقة استراتيجية ذات ثروات ضخمة مثل المنطقة العربية؟. رغم العلاقات القديمة والمتجذرة بين أوروبا وأمريكا من جانب وبين المنطقة العربية من جانب آخر، إلا أن المنطقة ظلت ترزح في التخلف الاقتصادي والتقني ولم تنل من تقدم أوروبا وأمريكا الاقتصادي والتقني شيئا يذكر غير أنها بقيت سوقا استهلاكية لما تنتجه المصانع الأوروبية والأمريكية من بضاعة مزجاة.
عن صحيفة الشرق القطرية