مقالات مختارة

دروس الماضي.. لامتحان المستقبل

عمار يزلي
1300x600
1300x600

النموذج الاقتصادي الذي تريد الجزائر اليوم أن تنتهجه عبر تنويع أصولها التنموية من خارج المحروقات، خاصة في المجال الزراعي والصناعي والتحويلي، هو لبّ القوة التي تأسست عليها أوروبا وفرنسا وبريطانيا منتصف القرن الـ18 إثر أول ثورة رأسمالية على الإقطاع الذي كبح النمو، مما دفع “آدم سميث” إلى الصراخ في وجه الإعاقة الإقطاعية على الإنتاج والتسويق ورفع الحواجز الجمركية بين الإقطاعات “دعه يمر، دعه يعمل”. في هذه الأثناء، كان نظام الأغوات، ثم الدايات لا يزال حبيس الزراعة التقليدية والصناعة الحرفية العتيقة، بل أنه حتى في المجال الزراعي، لم نكن نرشّد صادراتنا لوجود وسطاء امتياز مصلحيين جشعين وانتهازيين، تماما كما كان الشأن عندنا مع “عصابة” الاستيراد قبيل سنوات.


أزمة القمح بين فرنسا والجزائر، الذي كنا ننتج منه محاصيل تفوق حاجياتنا المحلية، لم يكن بمعزل عن أزمة ما يسمى اليوم بالمخزون الاستراتيجي، الذي تعلمنا منه من النبي يوسف في مصر “العزيز”. ذلك أنه بمجرد ما كان يحصل جفافٌ لسنوات قليلة، حتى يسقط البلد في أزمة تموين داخلي، دون أن ينعكس ذلك على التموين الخارجي الذي كان في يد شركة خاصة متمثلة في شركة “بكري

بوشناق” صاحبة الامتياز لصاحبيها “نفتالي بوشناق” و”جوزيف بوخريص” (بكري)، إذ رأيناها تصدِّر القمح لفرنسا، بإذن من “الخزناجي حسن”، ولمدة خمس سنوات، إثر ضائقة الثورة الفرنسية الكبرى، تماما كما فعلت مع حملة نابليون ضد مصر في الوقت الذي كنا نعاني في جفاف لمدة سبع سنوات مع مجاعة قياسية.


“أزمة القمح” إذن، كانت قد بدأت تأخذ أبعادا كبرى بعد حوادث الثورة الفرنسية وبروز الوجه الإمبراطوري التوسعي لفرنسا البونابارتية تجاه مصر مع ما ترتب عن ذلك من اضطرابات داخلية في الجزائر، تجسدت في الانتفاضات الشعبية في غرب وشرق البلاد والتي قادها “ابن عبد الله بن الشريف” (الدرقاوي)، في الغرب، و”ابن الأحرش” في الشرق. هذا في الوقت الذي كانت فيه فرنسا البونابارتية تدخل مصر غازية بتموين جزائري يهودي سنة 1803.


بدت فرنسا خلال هذه الفترة وقد ظهرت كقوة عسكرية إلى جانب قوَّتها الاقتصادية مُزاحِمة لبريطانيا، منافسها الأكبر على طريق الهند، وذلك للظروف الجديدة التي استفادت منها فرنسا وتحالفها الإستراتيجي مع الباب العالي، على حساب الوضع الاجتماعي والسياسي المتدهور اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.


من هذا المنطلق كان التفوُّق الفرنسي قد بدأ يظهر على كل المستويات الاقتصادية، صناعة وزراعة وانتهاء بالتصنيع الحربي الذي أعدّت له العدّة مع حلفائها في مؤتمر فييينا سنة 1815، ثم مؤتمر “إيكس لا شابيل” سنة 1818، والذي كان في واقع الأمر هو تاريخ نهاية حكم الدايات عندنا ليكتمل عمر الوجود التركي 300 سنة بالتمام (1518- 1818)، ولم تكن السنوات المتبقية للسقوط الفعلي إلا مرحلة انتقالية دامت 12 سنة.


التطوران الصناعي والزراعي المتزامنان، هما أساس كل الصناعات التحويلية والخدماتية وشركات المناولة التي ترتبط بها ضمن نسيج متكامل. يتطلب هذا، نظاما عقلانيا في التسيير في إدارة الموارد البشرية والمادية والتسويق وترشيد النفقات. هذا ما ينبغي أن يحدث عندنا لتجسيد الطفرة الاقتصادية حتى نتجنب البقاء تحت رحمة شركات الإستيراد وإبقاء البلد مجرد مستهلك لمنتجات السوق الفرنسية والغربية.


هذا ما نحاول أن نقوم به عبر ترشيد الاستيراد تفاديا لمزيد من نخر الخزينة مما تبقى من مخزون احتياطي بالعملة الصعبة، لكن الاستثمار الزراعي الصناعي التحويلي والذكي تكنولوجيا، هو أساس كل تنمية مستدامة اليوم.. وغدا.

 

(عن صحيفة الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)