اقتصاد عربي

ماذا يعني مقاصة ديون مصر المحلية بأوروبا؟.. "مخاوف كارثية"

مصر تتوقع أن يكون الدين المحلي مؤهلا للمقاصة الأوروبية بحلول نوفمبر- أ ف ب/أرشيفية
مصر تتوقع أن يكون الدين المحلي مؤهلا للمقاصة الأوروبية بحلول نوفمبر- أ ف ب/أرشيفية

أثار حديث وزير المالية المصري محمد معيط الثلاثاء، عن توقع مصر بأن يكون دينها المحلي مؤهلا للمقاصة الأوروبية ومفتوحا أمام عدد أكبر من المستثمرين الأجانب بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2021؛ المخاوف على الأصول والممتلكات المصرية.


معيط، عرض في كلمته بغرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة تفاصيل إستراتيجية مصر لإدارة الدين، بخفض نسبة مدفوعات الفائدة إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصبح 6.9 بالمئة بحلول 2023-2024، من 8.8 بالمئة بالسنة المالية الحالية.

وتوقع معيط، انضمام مصر لمؤشر (جيه.بي مورغان) للسندات، ودعم سوقها للسندات بالعملة المحلية، وذلك في الوقت الذي وُضعت فيه مصر قيد المراجعة للانضمام للمؤشر بالأشهر الستة المقبلة، وفق "رويترز".

ووقعت مصر بالعام 2019، اتفاقا للربط عبر الحدود مع (يوروكلير)، أكبر دور المقاصة الأوروبية، كما أصدرت القاهرة القانون (رقم 143 لسنة 2020)، لتعديل القيد والحفظ المركزي تمهيدا لاتفاق مع مكتب (يوروكلير) لعمل مقاصة للديون الداخلية المصرية بأوروبا.

وفي نيسان/ أبريل 2021، أعلن البنك المركزي ارتفاع ديون مصر الخارجية لـ129.195 مليار دولار، فيما وصل الدين الداخلي 4.3 تريليونات جنيه، وفق مراقبين.

خبراء مصريون، حذروا مما اعتبروه بيعا للديون الداخلية المصرية في مقاصة للمستثمرين الأجانب، معتبرين أن بيع الديون للأجانب يفتح الباب لرهن أصول الدولة المصرية للأجانب ثم استيلائهم عليها.

"خطوة يائسة"

"عربي21"، وجهت تساؤلاتها إلى الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال والأكاديمي المصري الأمريكي محمود وهبه، حول: هدف الحكومة المصرية، وكيفية إتمام تلك المقاصة، وخطورتها، والدول التي قامت بمثل هذا الإجراء وإلى أين وصل بها هذا التوجه.

وهبه، قال لـ"عربي21"، إن "نظام المقاصة موجود ويستخدم ببورصة (يوروكلير) ببلجيكا، وتستخدمه كثير من الدول ومنها تركيا".

وأكد أن هدف السلطات المصرية "زيادة تدفق الديون الأجنبية لمصر؛ وبدلا من شراء المستثمر الأجنبي لأذون الخزانة والسندات المحلية؛ يمكنه التعامل عليها بالبيع والشراء في يوروكلير".

وأوضح أن "هذا مشروع تعمل عليه الحكومة المصرية منذ العام 2019، وأصدرت قانونا مخصصا له، وتصوري أن هذه خطوة يائسة خوفا من توقف تدفقات القروض".

وهبه، كان قد أطلق عبر صفحته بـ"فيسبوك"، عددا من التغريدات شرح فيها خطورة الأمر، مؤكدا أن مقاصة الدين الداخلي يعني بيعه للأجانب في أوكازيون، قائلا إنها "بداية النهاية" لمصر.

وحذر من أن "بيع الديون السيادية للأجانب بمقاصة تنقل ملكية الديون وترهن الأصول تمنحهم حق الاستيلاء عليها"، معتقدا أن "مصر للبيع حرفيا؛ بعد الاقتراض الخارجي الفاحش".

وأوضح أنه في ظل "تهرب الحكومة من دفع الدين الداخلي للشعب يصبح الملتزم بهذا الدين أجنبيا ويتصرف كما يرى، وقد يتهرب من بعض الشروط أو دفع بعض الدين".

وشدد على أن "المقاصة بين ديون داخلية ومال بالخارج خطوة يائسة ليتفادى النظام الإفلاس بأمل استبدال الديون الداخلية وهي أصول مصرية بقروض أجنبية".

"احتلال اقتصادي"

الخبير الاقتصادي والاستراتيجي، علاء السيد، قال إن "تصريح وزير المالية حول مبادلة الدين المحلي، تفسره الحكومة على أنه اعتراف ضمني دولي بجودة ومتانة الاقتصاد المصري؛ وهذا أمر غير حقيقي".

وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "عرض الديون المحلية للمبادلة الدولية معناه الحصول على قروض جديدة مقابل رهن الأصول المصرية، وتدخل أجنبي ووضع يد الأجانب على الأصول المصرية وبيع لها قولا واحدا".

وأوضح أن "مبادلة الدين المحلي الضخم -أكثر من 4 تريليونات جنيه- بقروض جديدة لن يستطيعوا تسديدها كما عجزوا عن تسديد الدين المحلي؛ سيُحدث عجزا عن السداد، وبالتالي سيضع مانحو القروض أيديهم على أصول داخلية مقابل ذلك، في تغول جديد للاحتلال الاقتصادي الواقع بمصر".

وجزم بأن هذا التوجه يجعل "الأصول المصرية نهبا للأجانب، مقابل الديون، حيث أن الأجانب من مانحي القروض للحكومة المصرية ومشتري الديون المحلية لن يدفعوا في الأصول أكثر من قيمتها؛ والمعتاد بهذه النوعية من مبادلة الديون أن يتم الاستيلاء على الأصول بأقل من أسعارها وقيمتها السوقية الحقيقية، بنصف قيمتها أو 60 بالمئة منها".

"تصور غير واضح"

لكن الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، قال لـ"عربي21": "حتى الآن لا يوجد لدي تصور واضح لما تنوي وزارة المالية أو الحكومة المصرية فعله بهذا الموضوع".

وحول وجود سوابق عالمية لدول أخرى قامت بمقاصة ديونها الداخلية وكيف كانت نتيجة ذلك التوجه أو توابعه عليها، أكد أنه "لا توجد سوابق عالمية لمقايضة الديون الداخلية".

ولفت عبد المطلب، إلى وجود "عشرات الحالات لمقايضة الديون الخارجية بأصول واستثمارات داخل الدول المدينة"، معتقدا أن "استبدال الديون الداخلية باستثمارات خارجية أمر يحتاج إلى بحث معمق".

وجزم في نهاية حديثه بأن "الدولة في هذه الحالة ستبيع أصولها للأجانب لسداد ديونها الداخلية".

"بيع دين مباع"

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، إنه حتى هذه اللحظة لا يعلم كيف ستصبح ديون مصر المحلية معروضة للمقاصة الأوروبية، ولكنه وفق كلام وهبه، فستكون مصيبة كبيرة على مصر.

وأضاف شاهين خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "الأمر يحتاج بحثا طويلا لفهم ما تريد فعله الحكومة المصرية".

وجزم بأنه "حتى هذه اللحظة لا أفهم كيف يمكن بيع الدين الداخلي بالخارج وهو بالفعل مباع في مصر، فديون الحكومة تجاوزت 4 تريليونات جنيه مصري مباعين فعليا للبنوك والشركات والأفراد والأجانب داخل مصر"، معلنا توقعه حدوث "كارثة كبيرة لم تتضح معالمها بعد".

"كلام لا يعقل"

وعلى الجانب الآخر، شكك الخبير الاقتصادي، مصطفى مظهر، في دقة هذا التصريح وقال: "لم أسمع به؛ ولا أظن أن يصدر بهذا الشكل، وربما هو فبركة صحفية".

وبعد إطلاع مظهر، على نص الخبر الذي نقلته صحيفة "الأهرام" الحكومية المصرية عن وكالة "رويترز"، أكد أنه لا رؤية اقتصادية لديه حول الأمر، واصفا إياه بأنه "كلام لا يعقل".

وأكد أن "وزير المالية لا يطلق مثل هذه التصريحات، وأن عنده حدا أدنى من التعقل"، رافضا التعليق على حديث بعض الخبراء الذين حذروا من خطورة الأمر، ومبينا أنه لم يسمع بوجود سوابق عالمية لدول أخرى قامت بمقاصة ديون داخلية.

 

التعليقات (0)