هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في سياق مسيرة الانحطاط التي يشهدها الواقع السياسي العربي، تنهض الدراما كأحد معالم ذلك الانحطاط، والذي تجلّى في عدد لا يحصى من المسلسلات والأفلام خلال العقود الماضية.
نركّز في هذه السطور على صناعة الدراما التي عالجت مسيرة الصحوة الإسلامية خلال العقود الماضية؛ إن كان بتجلياتها السلمية، أم بتجلياتها التي حملت طابع العمل المسلح.
في كل تلك التجليات رأينا صورا نمطية سخيفة لا تمت إلى الواقع بصلة، بخاصة أننا نتحدث عن واقع قريب، ما زال الكثير من شهوده أحياء، وليس واقعا تاريخيا بعيدا، يمكن العبث بفصوله وتجلياته.
وإذا جئنا نرصد تلك الظاهرة في صناعة السينما المصرية على سبيل المثال خلال العقود الماضية، فلن نعثر سوى على القليل النادر من الأعمال التي تعالج القضية بقليل من المصداقية، فيما كانت الأكثرية تتورّط في تقديم صورة نمطية للإسلامي صاحب اللحية الكثّة والدشداشة البيضاء الذي يتورّط في عنف أعمى بلا أي مضمون سياسي، ولا أي مبرر شرعي مقنع.
رأينا ذلك في عدد من أفلام عادل إمام، وسواه من الممثلين والمخرجين.
واللافت أن معالجة بعض تجليات مرحلة عبد الناصر، كانت أكثر مصداقية في الطرح، لكنها كانت منصفة مع غير الإسلاميين، إن كانوا يساريين، أم وطنيين عاديين في الجامعات أو مؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
كان الإسلامي في تلك الأعمال يمارس العنف المسلح؛ فقط كي يدخل الجنّة، ولا صلة لذلك بأي هدف سياسي، ولا بأي مبرر مقنع، كأن العنف مجرد ظاهرة فكرية لا تمت إلى الظروف الموضوعية بأدنى صلة.
كان الإسلامي في تلك الأعمال يمارس العنف المسلح؛ فقط كي يدخل الجنّة، ولا صلة لذلك بأي هدف سياسي، ولا بأي مبرر مقنع، كأن العنف مجرد ظاهرة فكرية لا تمت إلى الظروف الموضوعية بأدنى صلة.
في سوريا مثلا، رأينا كيف تعاون النظام مع عناصر السلفية الجهادية في مواجهة الغزو الأمريكي للعراق، وحين تغيّرت الظروف؛ انقلب عليهم وزجّ بهم في السجون، ثم بدأ حملة شيطنة لهم عبر أعمال درامية تافهة تقدمهم بذات الصورة النمطية المصرية، أي أنهم مجرد باحثين عن الجنّة بطريقة عبثية عنوانها القتل الأعمى، فضلا عن قصص السبايا والنهب والدجل والشعوذة والكذب، وكان لافتا أن قنوات خليجية هي من تولّت التمويل والبث لكثير من تلك الأعمال.
في الدراما السعودية، رأينا ذات الشيء، إذ تمّ تحميل ما يسمى بـ"الصحوة" مسؤولية كل أشكال التشدد الديني الموجودة في المجتمع، مع أن استهدافها كان تبعا لمواقفها السياسية، فيما كان التشدد في قضايا الاعتقاد، ومجمل الطروحات الاجتماعية، يحمل ذات اللون السلفي التقليدي، وهو اللون الذي تتبناه المؤسسة الدينية الرسمية، والتي تم إخراجها من دائرة الاتهام. والمصيبة أن الأخيرة ما تزال موجودة وتقدم ذات الطرح، وإن عطفته على طاعة وليّ الأمر.
كان الإسلامي في تلك الأعمال مجرد شخص شهواني يحب النساء، ويحب المال، ويمارس النصب والاحتيال باسم الدين، ولا تعثر فيها على أي صورة إيجابية للإنسان الملتزم، لأنه في عرفها ينتمي لتيار "الصحوة" الذي لا بد من إدانته وشيطنته، وتحميله مسؤولية كل الأوزار، مع أن مرحلة طويلة مرّت كان جزء من هذا التيار يتحرّك بمعرفة السلطات، أعني الشق الأكثر ميلا للعمل المسلح؛ إن كان في أفغانستان، أم الشيشان أم الفلبين، بل حتى في العراق.
الفصل الأخير من هذا العبث، تمثّل في الدراما المصرية التي تعالج مرحلة ما بعد ثورة يناير، وما بعد الانقلاب عليها، بجانب مراحل أخرى سابقة
ما لا ينتبه إليه أولئك القوم هو أنهم لا يتحدثون عن كائنات فضائية يمكن تلبيسها أي مواقف، واتهامها بأي جرائم، بل عن بشر يعيشون وعاشوا بين الناس، ما يعني أن أكثر تلك الأعمال، وإن شاهدها البعض بهدف التسلية، فإن تأثيرها سيكون محدودا، ويطال أصحاب مواقف مسبقة، أو كارهين، بدليل أن بوسعنا أن نتحدى من يديرون تلك الصناعة أن يواجهوا هذا التيار في انتخابات حرة، ومن خلال الصناديق، لا من خلال القتل والقمع والسجون.
إنه الكذب على الأحياء، وتزييف الواقع الذي لا يمكن أن يمرّ سوى على عقول سخيفة، أو صاحبة مواقف مسبقة، كما أشير من قبل، والأسوأ أنه يتم في زمن الفضاء المفتوح، ومواقع التواصل، والمعارف المتاحة بين الناس، بما فيها الفيديوهات، وليس الكلام وحسب. والحقيقة أن حملة البرنامج الإسلامي حاضرون في مجتمعاتهم، فيما لا تجد أنظمة البؤس غير مواجهتهم خلال القمع والمزيد من القمع، كي تحد من تأثيرهم.