ملفات وتقارير

أهالي "الشيخ جراح".. صراع مع الاحتلال ومحاكمه لتثبيت وجودهم

أحد البيوت قسمها الاحتلال وزرع فيها مستوطنين لإزعاج أصحابها ودفعهم لتركها- عربي21
أحد البيوت قسمها الاحتلال وزرع فيها مستوطنين لإزعاج أصحابها ودفعهم لتركها- عربي21

أمضت الفتاة منى الكرد (٢١ عاما) طفولتها وهي تشاهد والدها وجدتها يصارعان محاكم الاحتلال؛ في محاولة للحصول على قرار يلغي إخلاء العائلة من منزلها الذي سكنته عام ١٩٥٦.

وما زال خطر الإخلاء قائما إلى الآن بل يتعاظم؛ خاصة بعد أن رفضت محكمة الاحتلال استئنافا مقدما من عائلات حي الشيخ جراح شرق القدس المحتلة؛ ضد قرار إخلائهم من منازلهم لصالح المستوطنين.

وتعود قضية الحي لعدة سنوات؛ حيث يدعي المستوطنون أنهم يمتلكون الأراضي المقامة عليها منازل أكثر من ٢٠ عائلة فلسطينية هجرت بعد نكبة عام ١٩٤٨، وبعد ذلك تم تأجيرهم المنازل عن طريق الحكومة الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأنروا" ضمن مساعي احتواء اللاجئين في خمسينيات القرن الماضي.

الحاجة أم نبيل الكرد كانت من ضمن من تهجروا من حيفا عام ١٩٤٨ لتعود إلى مدينتها الأصلية ومسقط رأسها القدس؛ وكانت في غاية السرور حين كان اسمها فائزا في القرعة التي تمت لتسكن أحد المنازل في حي الشيخ جراح، ولكن الفرحة لم تدم طويلا.

 




وفي عام ٢٠٠٣ جاء وزير السياحة الإسرائيلي ليزور الحي؛ فنظر إلى منزل عائلة الكرد وقال للحاجة وابنها نبيل: أعطيكم عشرة ملايين دولار مقابل هذا المنزل! ولكنهم رفضوا العرض وقالوا له إنه منزلهم الذي سيعيشون فيه للأبد.

المنزل الذي سكنته الحاجة أم نبيل لم يتسع لأحفادها الذين عاشوا جميعا معها مع أبنائها، فقام ابنها نبيل بإضافة غرف صغيرة ومنافعها للبيت، ولكن بلدية الاحتلال رفضت إعطاءه ترخيصا للبناء لأسباب سياسية كما تقول العائلة.

أما منى ابنة نبيل فنشأت في حياة لا تشبه حياة الأطفال؛ فكل حديث العائلة كان عن خطر المستوطنين ومحاولات السيطرة على المنزل.

وتقول لـ"عربي21" إن والدها بعد أن أضاف البناء للمنزل توجه لبلدية الاحتلال في القدس عدة مرات طالبا ترخيصا له؛ ولكن الرفض كان سيد الموقف في كل مرة، حتى صدر بعد وقت قصير من ذلك قرار من محكمة الاحتلال يقضي بإغلاق الجزء المضاف ومنع السكن فيه بسبب عدم الترخيص!

بقيت العائلة تتوجه إلى المحاكم في محاولة لفتح هذا الجزء المغلق والسكن فيه؛ وفي كل مرة يتم إجبارهم على دفع غرامة مالية وتأجيل الجلسة، حتى أصبح مجموع ما دفعته العائلة من غرامات (حوالي ٣٠ ألف دولار) دون فائدة.

بقيت المساحة مغلقة؛ ويمر أفراد العائلة عنها حالمين في شكل الحياة إن سكنوها يوما ما، ليتفاجأوا بقرار جديد من محكمة الاحتلال يقضي بتسليم المستوطنين هذا البناء؛ وذلك تحت إطار أنهم يملكون الأرض وبالتالي فهم يملكون ما فوقها، لتتضح معالم السياسة التهويدية بشكل كامل.

توضح منى أن القرار الذي صدر عام ٢٠٠٩ كان كارثيا؛ حيث تشارك المستوطنون معهم المنزل بالمعنى الحرفي، وكانوا وما زالوا لا يتوانون عن تنفيذ كل أشكال الاعتداء على العائلة ويتقاضون أجرا مقابل ذلك، كما تقوم حكومة الاحتلال بتغييرهم كل ثلاثة أشهر لتقاسي العائلة أصنافا من العذاب.


ادعاءات المستوطنين بملكية الأرض لم يستطع أي منهم إثباتها في محاكم الاحتلال بسبب عدم وجود أي وثائق ثبوتية للملكية التي يقولون إنها منذ عام ١٨٨٥، ورغم ذلك تبنت المحاكم ادعاءاتهم وقررت إخلاء عدد من العائلات من منازلها لصالح المستوطنين.

معاناة مركبة

عائلة القاسم تعيش كذلك ظروفا مماثلة؛ حيث استولى المستوطنون على منزل عائلة الغاوي الملاصق لمنزلها، وباتت حياتها محط اعتداءاتهم المستمرة.

يقول كرمل القاسم المنسق الإعلامي لعائلات الشيخ جراح لـ"عربي21" إن رفض محكمة الاحتلال للاستئناف المقدم من الأهالي لا يعني نهاية الطريق، فهي تنوي تقديم استئناف آخر للمحكمتين المركزية والعليا الإسرائيليتين في محاولة للبقاء والتصدي لقرار الإخلاء.

ولكن كرمل وكل المقدسيين على قناعة تامة بأن محاكم الاحتلال منحازة تماما للمستوطنين، حيث إنها لا تستخدم أي إثباتات وتكتفي بادعاءاتهم للبت في القضية.

والدة كرمل السيدة آمال القاسم توفيت وهي تدافع عن منزلها وتحاول حمايته من مخططاتهم التهويدية، والآن يأخذ أبناؤها هذا الدور محاولين الدفاع عن منزلهم الذي تربوا فيه وعاشوا كل ذكرياتهم بين جدرانه وحديقته.

ويوضح القاسم بأن منازل الحي تحوي الكثير من الذكريات وهي المكان الوحيد الذي يملكه أصحابها؛ فلا يوجد مكان آخر يذهبون إليه ولا يوجد ما يحلمون به غير العيش في حيهم دون تهديد ومخاطر من قبل المستوطنين.

أربع عائلات تم إخلاؤها سابقا من منازلها في الحي تعود لعائلات الكرد والغاوي وحنون؛ الذين دقوا كل الأبواب في محاولة للبقاء في منازلهم، لكنهم في النهاية أجبروا على إخلائها ويعيشون أوضاعا قاسية موزعين على أحياء مدينة القدس بدلا من المنازل التي كانت تجمع العائلات معا.

ويخشى كرمل أن يكون هذا مصير بقية العائلات إن لم يكن هناك تحرك جدي عربي ودولي لمواجهة قرارات الإخلاء، لافتا إلى أن المستوطنين وضعوا نصب أعينهم السيطرة على المنازل لتنفيذ مخطط أكبر.

ويضيف: "المخطط الأكبر هو السيطرة على أراضي حي الشيخ جراح لأنه المدخل الشمالي للقدس؛ فالاحتلال يريد أن يحكم سيطرته على هذه المنطقة كي يصبح متحكما في كل المدينة، وليست الأسباب ملكية أرض أو غير ذلك لأن الكل يعلم أنها ادعاءات كاذبة، والهدف واضح من السيطرة على منازلنا".

وعلاوة على ذلك قام الاحتلال بتسجيل الأرض للمستوطنين في دائرة تسجيل الأراضي الإسرائيلية دون أي دليل؛ وطالبت العائلة محاكم الاحتلال بإثبات صحة هذا التسجيل ولكن لم تتلق أي رد.

وأشار كرمل إلى أن العائلات ما زالت تطالب الحكومة الأردنية التي قامت ببناء المنازل؛ بإعطائها عقود الإيجار الأصلية لعرضها على المحكمة ولكن الطلب لم تتم الاستجابة له.

ولفت إلى أن العائلات عددها ٢٨ وتم إخلاء أربعة منها؛ وستعقد محكمة الاحتلال في الشهر القادم جلسة للنظر في استئناف تقدمت به عائلات أخرى ضد إخلائها.

وتابع: "الحي مزروع بآلات المراقبة؛ وطبعا كلها لحماية المستوطنين، ويعتدون علينا ويؤذوننا باستمرار وحين نطلب مساعدة الشرطة يقيدون الاعتداء ضد مجهول رغم أن كل شيء مراقب، وحين نخرج للمستوطنين مطالبين بوقف اعتداءاتهم يستدعون لنا الشرطة وتقوم بمعاقبتنا فورا".

تطالب عائلات الشيخ جراح بدعم رسمي أكبر وضغط شعبي ودولي لمواجهة هذه القرارات التي ترى أنها عنصرية وتصب في سعي الاحتلال الدائم لتهويد القدس.

المستوطنون ولتثبيت سيطرتهم على الحي يدّعون كذلك أن إحدى المغارات الموجودة وسط الحي؛ تحتوي على قبر لشخص يهودي منذ مئات السنين؛ رغم أن كل الأبحاث أكدت أنه ولي مسلم دفن هناك منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، حيث حولها الاحتلال إلى ما يشبه الكنيس ويؤدون باستمرار صلوات يهودية فيها، ويستغلون تواجدهم المحمي بمئات العناصر للاعتداء على عائلات الحي وإزعاجهم في محاولة لإجبارهم على الخروج من منازلهم.

 





 

 

 

التعليقات (0)