هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تدخل القوى الفلسطينية معترك انتخابات المجلس التشريعي التي تم التوافق على إجرائها وكلٌ يغني على ليلاه، فمحمود عباس يسعى من وراء هذه الانتخابات إلى الحصول على إقرار بكونه الممثل الشرعي لكل الفصائل الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة، وعينه على طاولة مفاوضات جديدة تُعْقَد بمباركة إدارة جو بايدن الأمريكية، وعلى استئناف تلقي المخصصات من الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، فهو لم يَعُدْ عنده أي شيء آخر ليقدمه للفلسطينيين، سوى ربما المزيد من تنسيقه الأمني "المقدس" مع قوات الاحتلال وبلا أدنى خجل، ولا يحتاج الإنسان إلى الكثير من العناء لتوقُّع مصير هذه المفاوضات، فيكفي النظر إلى تجربة الثلاثة عقود المنصرمة، وإذا كان هذا غير كافٍ فيمكن الاستئناس بما قاله جو بايدن مؤخرا عندما بشّرنا بأن التوافق بين أطراف النزاع يحتاج إلى المزيد من الوقت، وطبعا الكيان الصهيوني مستمر أثناء ذلك في تنفيذ مشروعه بقضم القليل المتبقي من أراضي الضفة عبر زيادة الاستيطان، وصولا إلى تهجير من تبقّى من سكان الضفة لأن الصهيوني يريد الأرض دون البشر الذين عليها، ويقدر أحد أصحاب الرأي بأنه لن يمضي الكثير من الوقت قبل أن يبدأ المستوطنون بحملات الإرهاب ضد سكان الضفة، حملات بدأت بوادرها بالظهور من خلال القتل الاعتباطي لبعض سكان أراضي 67، ولِما لا والسلطة الفلسطينية صارت وظيفتها الوحيدة حفظ أمن المستوطنين موفرةً بذلك للكيان الغاصب أرخص احتلال عرفه التاريخ، هذا ولم نتحدث عن الانتشار المريب للسلاح غير المنضبط بين أيادي بعض المشبوهين من أهالي 48، الذي أدى إلى حصول عدة جرائم في الشهور الماضية.
إن كل ما شهدناه من سياسة الحرد التي اتبعها محمود عباس فترة حكم دونالد ترامب، وصولا إلى اجتماع أمناء الفصائل الفلسطينية في بيروت لم يكن إلا مجرد مناورات تكتيكية، والمضحك المبكي أنه كان يُصرّح طيلة تلك الفترة عن تمسكه باستراتيجية المفاوضات العقيمة، لكن هناك على الساحة الفلسطينية من لا يريد أن يسمع.
أما حركة حماس فهي تأمل من وراء هذه الانتخابات الخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه بعد خوضها انتخابات عام 2006، لعلها تستطيع تخفيف وطأة الحصار الظالم على قطاع غزة، وهنا يُطرح السؤال الوجيه الذي يرِدْ على لسان الكثيرين: كيف لانتخابات جديدة أن تؤدي إلى انهاء الانقسام بينما كان منشأ الانقسام انتخابات 2006 بالأصل؟
واهمٌ من يظن أن حصار فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة سببه الانقسام، الحصار يا سادة سببه تمسك المقاومة الفلسطينية بالحقوق والثوابت الوطنية، وحملها عبء قضية فلسطين المقدسة، ومربط فرس الحصار عند كيان الاحتلال لا عند سواه، لذلك أي محاولات لفك الحصار أو تخفيفه لا تمر عبر الاشتباك مع العدو الذي يفرض الحصار لن تكون ذات جدوى، ولن تفضي إلا إلى المزيد من تعمق الأزمة وإضاعة الوقت والجهود.
تشهد الضفة هذه الفترة حالة غليان لا يمكن تجاهلها، والعمليات الفردية والبطولية المستمرة تدلل عل أن النار تحت الرماد، فلا يمر أسبوع دون حصول عملية أو اثنتين، فأيهما أجدى؟ تأطير هذه الطاقات وتفعيل الحراك الشعبي وصولا إلى الانتفاضة، أم تنفيس هذا الغضب الشعبي الكامن عبر دخول انتخابات غير مقتنع بجدواها غالبية الشعب الفلسطيني؟
شعبنا بعمومه مدرك لكون فكرة انتخابات تحت حراب الاحتلال الذي يتحكم بكل مفاصل الحياة في الضفة الغربية ما هي إلا مزحة سمجة، لكن أحد أخطر عواقب هذه المزحة السمجة إدخال الإحباط في نفوس الشباب الغاضب في الضفة وتثبيط هممه.
خروج المقاومة الفلسطينية من أزمتها وتخفيف الحصار الظالم المفروض عليها لن يكون عبر سلوك الطريق الأسهل غير المجدي بل من خلال الطريق الأنجع حتى ولو كان الأصعب، والانتفاضة الثالثة سيكون من شأنها قلب المعادلات وتغيير الوقائع، ناهيكم عن فرصتها الحقيقية في دحر الاحتلال عن أراضي 67 دون قيد أو شرط في ظل حالة التراجع التي يعيشها العدو الصهيوني، والتي باتت تتحدث عنها مراكز دراسات العدو ذاته، ولا يغرنكم حالة التذمر الشعبي من صلافة العيش وضيق الحال، فلتبدأ الخطوات الجدية اتجاه حراك شعبي منظم وانتفاضة جديدة وستجدون خلفكم مارد اسمه الشعب الفلسطيني، يعض على الجراح ويربط الحجَر على المَعِدة لكتم الجوع - متمثلا بالرسول الأعظم - في سبيل الهدف الوطني الأسمى.