قضايا وآراء

مصنع الحديد والصلب بحلوان.. للبيع مآرب آخرى

أشرف دوابه
1300x600
1300x600
أعلنت الحكومة عن بيع مصنع الحديد والصلب بحلوان، وجاء تصريح وزير قطاع الأعمال المصري (هشام توفيق) تصريحا غير مسئول من مسئول بقوله: "ممتلكات الحديد والصلب كلام فارغ والمصنع ما يسواش 10 صاغ.. أعتذر للشعب عن تأخر قرار إغلاق مصنع الحديد والصلب لمدة عام".

وتأتي تلك التصريحات المستفزة والتي تحمل عذرا أقبح من ذنب وتقزم دور هذا المصنع لتطرح المزيد من التساؤلات بشأن بيع هذا الصرح؛ الذي أقيم في عام 1954/1955م ليمثل قلعة صناعية مصرية تلبي احتياجات المصريين وتبرز اعتمادهم على أنفسهم في صناعة متعددة الاستخدامات المدنية والحربية.

إن هذا البيع يأتي في ظل سلوك الحكومة في بيع أصول مصر بمآرب شتى، فقد تجاوز الأمر خصخصة الشركات مع احتفاظها بنشاطها إلى تحويلها إلى أنقاض من أجل بيعها كأراض للمحظوظين والمحاسيب. وليست ببعيدة عنا جريمة بيع شركة الغزل والنسيج بكفر الدوار، والشركة القومية للأسمنت، ومصنع سماد المنصورة، وشركة الدلتا للصلب.

والواضح أن هذا السلوك الحكومي في ظل التجارب السابقة لا يملكه وزير قطاع الأعمال الذي لم يصل في قراراته إلى درجة عريف أول بالجيش المصري، فهذه القرارات كما يبدو هي قرارات عسكرية بحتة وتصب في نهاية المطاف في حجر العسكر أنفسهم، سواء بالاستفادة من غنيمة جزء من الأرض وتحويلها لمساكن للعسكريين، أو من حصيلة البيع التي لا يعرف الشعب لها سبيلا، في ظل غياب الشفافية والإفصاح عن إجراءات البيع وخصوصية البعض بالشراء. كما أن العسكر أنفسهم دخلوا قطاع الحديد والصلب فلا مجال عندهم لتلك المنافسة الحكومية، حيث استحوذ العسكر على 82 في المئة من مجموعة "صلب مصر"، ومصنع "بشاي للصلب"، و 95 في المئة من أسهم شركة "حديد المصريين" التي كان يمتلكها رجل الأعمال "أحمد أبو هشيمة"، وتسيطر وحدها على 22 في المئة من إنتاج الحديد بمصر.

إننا لا ننكر وجود مشاكل في مصنع الحديد والصلب بحلوان، سواء تعلق الأمر بتقادم نظم الإنتاج والمعدات أو الزيادة في عدد العمال، ولكن رغم ذلك فإنه ليس من المنطق هدم البناء على من فيه وإخراج مشروع قومي تاريخي من قائمة المشروعات العملاقة باسم ذلك، لا سيما في ظل تطور علوم الإدارة وإمكانية الاستفادة من خصخصة الإدارة بعيدا عن خصخصة الملكية أو تحويل المصنع لأنقاض. فخصخصة الإدارة أو إبدالها بإدارة رشيدة يمكّن من إحلال وتجديد نظم الإنتاج، وما يتطلبه ذلك من تطوير الآلات والمعدات وحسن تخصيص الموارد.

كما أن جدوى المشروعات القومية، لا يقتصر الأمر فيه على الربحية التجارية فقط، بل هناك أيضا أمر لا يقل أهمية وهو الربحية الاجتماعية، لا سيما وأن هذا المصنع من معالم الاقتصاد المصري ويتسم بكثافة العمالة، ويفتح باب الأرزاق للألوف من المصريين.

إن هذا السلوك الحكومي يمثل جريمة بكل المقاييس وخيانة للوطن ومكتسباته ومميزاته، وتدميرا لقدراته، فليس من المنطق أن يخسر مصنع ما فيتم إغلاقه وتسريح عماله وبيعه أرضا فضاء للمحاسيب، وترك المجال مفتوحا لاحتكار العسكر ومن يعيش في ظلهم (كحديد "عز") ليتحكموا في السوق كيفما يشاءون، وفي الوقت نفسه يفتحون باب الاستيراد وفقا لما يهدفون، فيعيش المواطن أسير تلك السلوكيات الاحتكارية الضارة ولا يجد من يحميه في ظل التأميم العسكري لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.

وختاما، فإن سلوك العاملين في هذا المصنع ووقوفهم ضد بيعه يعكس حرصهم على هذا الصرح القومي الذي فيه الإفادة له ولهم وللوطن الذي يعيشون فيه، أما الذين يتغنون بديون الشركة فليتهم نظروا إلى ما لها من أصول وكيف تتضاءل أمامها ما عليها من ديون، والحكمة والرشادة الاقتصادية في إعادة هيكلتها بصورة تحقق لها التجديد والإحلال والإصلاح، لما في ذلك من القدرة على إثبات وجودها واحتفاظها بتاريخها بدلا من تدميرها بفعل فاعل.
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأربعاء، 27-01-2021 02:19 م
*** رغم الخبرات الأكاديمية والعملية الطويلة للكاتب في مجالات الإدارة والتمويل، فقد انجرف وراء من يستخدمون تقييمات بعيدة عن الواقع الاقتصادي، ففي بلد كمصر عدد سكانه مئة مليون، وأعداد القوى العاملة فيه تزيد عن ثلاثين مليونا، فوصف مصنع عدد عماله اليوم يناهز سبعة آلاف عامل، ويفتقر إلى أي تقنيات صناعية ذات قيمة، بأنه مشروع قومي كثيف العمالة هو قول غير صحيح، ويقزم من حجم الاقتصاد المصري ومكانة مصر والمصريين، وقد دأبت أنظمة الحكم العسكرية الدكتاتورية الفاشية منذ انقلاب 1952 وخلال الحقبة الناصرية، على الادعاء الكاذب بأن مصر قد أضحت تصنع من الإبرة للصاروخ، وروجت آلة الدعاية الناصرية لوصف أي مصنع صغر أم كبر بكونه مشروعاُ قومياُ عظيماُ، ، والادعاء الكاذب بأنه سينقل مصر إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياُ وتكنولوجياُ، للمبالغة الممجوجة في قيمة منجزاتهم الوهمية، ولخداع البسطاء وتنويمهم في انتظار عهد الرخاء والتقدم، واستمرار تلك المشروعات الفاشلة كان يتم باحتكار تلك المصانع للسوق، وبمنع استيراد ما ينافسها أو منافسة القطاع الخاص لها بمنتجات أعلى جودة وأرخص سعراُ، وكانت توزع منتجاتها بالإجبار، رغم كونها تفتقر لمواصفات الجودة السليمة، والقول بأن جدوى المشروعات القومية هو في ربحيتها الاجتماعية، وتقديس مصانع المرحلة الناصرية، لا ينطبق على حالة كل مصانع منطقة حلوان الملاصقة لمناطق سكنية كثيفة السكان، حيث أنها مصانع عالية التلويث للبيئة، وقد سببت أمراض صدرية جسيمة لسكانها بما فيهم الأطفال، ومصيبة الاقتصاد المصري الحالية تحت إدارة الحكومة الانقلابية، آثارها أكبر وأهم من مجرد مشكلة تصفية مصنع حديد حلوان، فكثير من الشركات العامة والخاصة تعاني من ديون متراكمة تفوق قدرتها على السداد، ونحن مقدمون على إفلاس كامل للحكومة مشابه للحالة اللبنانية، بعد أن أغرق الانقلابيون البلاد في الديون المحلية والأجنبية، واهدروها على مشروعات وهمية فاشلة، وأسندوها بالأمر المباشر لجهات داخلية واجنبية مشبوهة، وبتكلفة تبلغ أضعاف تكلفتها الحقيقية، مقابل عمولات يتم تهريبها وتبييضها، وإن غداُ لناظره قريب، والله أعلم.