هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وكأن مصر تتمتع بحرية إعلامية تسمح بهذا التفاوت في الأداء عند تناول المصالحة القطرية مع دول الحصار، فيشيد بهذه الخطوة عمرو أديب، وتامر أمين، ويعارضها بقسوة أحمد موسى، الذي بدا كزعيم من زعماء جبهة الصمود والتصدي!
الأمر الذي يدفع لـ «تفكيك» الحالة الإعلامية المصرية، وقد فعلنا من قبل، لكننا أمام نموذج تطبيقي مهم، بلغة الأكاديميين، فلأول مرة يحدث هذا التباين في موقف، ربما منذ وقوع الانقلاب العسكري، وسيطرته الكاملة والتامة على المشهد الإعلامي، وتأميمه للقنوات التلفزيونية ما ظهر منها وما بطن، فلم يكن مسموحا لأحد أن يغرد خارج السرب، ومن حاول تم إيقافه ليتعلم الجميع من رأس الذئب الطائر، وكان آخر من سعوا للاجتهاد مع النص، هو وائل الإبراشي، فتم تأميمه بالكامل، بعد أن علم بإيقافه قبل عودته أنه يمكن أن يخسر الجلد والسقط، وهناك بطبيعة الحالة من أطيح بهم دون أن يخرجوا عن الخط المرسوم أو يفكروا في ذلك.. جابر القرموطي نموذجا!
دعك من «الطبيخ البايت» تامر أمين، فالحقيقة أن النموذجين الأفضل لدراسة الحالة، هما عمرو أديب، وأحمد موسى، نظرا لأن كلا منهما وقف موقفا مختلفا، فقد تحول عمرو بينما لا يزال موسى صامدا ومتمسكا بموقفه لا يضله من ضل، يوشك أن يصرخ صرخة الحرب؛ «من يبايعني على الموت»؟!
ولأننا في زمن التربص، فقد تم الإمساك بـ «عمرو أديب» متلبسا بالتحول، حيث سارع بالترحيب الشديد بالمصالحة «فأنا شخصيا كعمرو» وروى كيف أنه كان يسافر لقطر ويدعى من قبل الحكومة القطرية في مناسبات مختلفة، وأن له علاقات بمسؤولين قطريين، وله أصدقاء من المواطنين في قطر، فما المشكلة في أن يعود هذا الوضع؟!
وهذا يمثل تحولا كاملا في الموقف، فعندما كان يقف على الجبهة، استدعى النداء التاريخي لشاعر مصر المتمرد «أمل دنقل»؛ «لا تصالح وإن قلدوك الذهب» وهو مقطع من قصيدة «لا تصالح» قيلت في مواجهة المصالحة المصرية – الإسرائيلية في عهد السادات، لكن عمرو لم تسعفه القريحة بغيرها فاستدعاها هنا، وقال ضمن من قال: «هل قطر كانت مهمة للخليج…» و«أنت مش أخويا أنت عدوي» ثم يسأل جمهوره الكريم: «أنتم عاوزين قطر في حاجة؟» ويسأل الجمهور الأوسع الذي هو جمهوره وجمهور أحمد موسى معا: «حد يقولي فايدة قطر؟».. فماذا لو تم حذفها من الخريطة؟!
موسى على خط النار
بينما استمر أحمد موسى، وقد بدأ في بث مباشر عبر «فيسبوك» طول اليوم السابق لعقد القمة الخليجية، وأكمل البث في برنامجه، وأعلن – كمسؤول كبير- أو نيابة عن المسؤول الكبير «أن مصر لن تشارك في القمة» وأنه لا صلح هناك، وفي اليوم التالي تم الإعلان عن أن وزير الخارجية المصري قد سافر لحضور القمة الخليجية، ولأن مصر ليست من دول مجلس التعاون الخليجي، ليكون سفره للتوقيع على قرارات القمة دون «اتفاق المصالحة»، فقد كان معنى ذلك أنه شارك بهدف وحيد هو التوقيع على المصالحة!
وعلى ذكر مجلس التعاون الخليجي، فقد بُشر المصريون مرتين بانضمام مصر للمجلس، الأول مع الانقلاب العسكري، والثاني عند حصار قطر، وكانت الدعاية أنه سيتم فصل قطر من مجلس التعاون، لتحل محلها مصر، مع ما يستخدم في ذلك من أسلوب الغواية، فسيصبح المصريون خلجيين مع ما يتبعه من أثار أهمها أنهم سيكونون شركاء في ما يملكه الخليج من ثروة، وفي الحالتين بحت أصواتنا ونحن نخبرهم بأن العائدات البترولية لا تجمع ليوزعها المجلس بالتساوي بين الدول الأعضاء، فليست كل الدول الخليجية سواء في الغنى، وهناك البحرين تعيش على الدعم الخارجي، لكن ذهب كلامنا أدراج الرياح، فقط كان القوم في حالة سعادة بهذا الإنجاز الذي سيتحقق بفضل السياسة الرشيدة للجنرال!
ورغم أن أسد الميكروفون، وبطل المايك، وقاهر العفاريت، سامح شكري قد وقع، فإن أحمد موسى استمر في رفضه الكامل للمصالحة مع قطر، وإن ذكر أن قطر قد استجابت للشروط الثلاثة عشر التي وضعتها مصر (انظر إلى "وضعتها مصر" هذه) وقد ذكر وزير الخارجية القطري في مقابلته مع محمد كريشان في برنامج «سيناريوهات» ما يفيد أن هذه الشروط انتهت. وبعيدا عن ذلك، فالجنين في بطن أمه يعلم أن هذه الشروط هي «بضاعة أتلفها الهوى» وهي العبارة المنسوبة لـ «سي السيد» في فيلم «بين القصرين»!
لم يقل المذكور ما هي الشروط الثلاثة عشر، التي وضعتها مصر، وعلى رأسها إغلاق قناة الجزيرة، بينما القناة قائمة ومستمرة، وقد أبلت بلاء حسنا في موقعة الكونغرس وسهرنا معها حتى الصباح، وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فالحقيقة أن مكتب القناة في واشنطن أثبت دائما أنه جاهز للتفوق في تغطية الأحداث، ولن نذكر أسماء خوفا من الخطأ والنسيان، فكلهم جميعا متميزون في الأداء، ولم يبق إلا أن يكون الاستوديو جاهزا، حيث بدا للمشاهد أنه فوق «السطوح» وفي الهواء الطلق، وقد كنا نسمع صرير أسنان «ليلى الشيخلي» عندما كانت هناك!
ما علينا، فالحديث عن أن الشروط الثلاثة عشر التي وضعتها مصر ووافقت عليها قطر، هو للتغطية على الحرج، لقد بدا واضحا الآن صحة تسمية الحصار في البداية، فهو من ثلاث دول زائد مصر، وقبل التوقيع بيوم واحد قال أحمد موسى إن مصر لن تسافر ولن توقع، فكان لا بد من أن يقال عن ثمن كبير دفع مقابل سفر سامح فهمي وتوقيعه، لكن مع هذا ظل أحمد موسى على خط النار، يرفض المصالحة، ويغمز في عمرو أديب ويلمز عندما يصف نفسه بأنه لا يتقاضى راتبه من أي دولة أخرى، ولا الحكومة المصرية، فهو يعمل في قناة مملوكة لرجل الأعمال محمد أبو العينين، قبل أن يستدرك، بقوله إن الراتب الوحيد الذي يتقاضاه من الحكومة هو راتبه من «الأهرام». فهل أبو العينين تمرد على السلطة؟!
اختلاف الرعاة
إذا سلمنا بهذا، ولا يجوز التسليم به، فإن رجل الأعمال الشهير في مجال صناعة السيراميك وصاحب قناة «صدى البلد» يلعب لحساب نفسه، وأنه يبحث بالضغط عن علاقة مباشرة مع قطر، تمكنه من فتح أسواقها أمام بضاعته، وإلا فكيف له أن يقود حملة ضد توجه النظام الذي وقع على اتفاقية المصالحة، وما يتبعه من رفع الحصار، وقد أذاعت قناتا «سكاي نيوز عربية» و«العربية» أن مصر سترفع الحظر الجوي، ليذكرنا هذا بأن إعلان خوض السيسي للانتخابات الرئاسية في المرة الأولى، نشر في جريدة «السياسة» الكويتية.
إنها الواقعة الأولى التي تختلف فيها الاتجاهات بين الرعاة للإعلام المصري، والسلطة المصرية، فيتباين الأداء بين عمرو أديب وأحمد موسى، حيث يستمر الأخير على الجبهة شاهرا سيفه، بينما ينزل الأول من فوق جواده، ويرفع شعار «الصلح خير»، يوشك أن يذيع قبل الأكل وبعده الأغنية التي تحمل هذا الاسم «الصلح خير» لخالدة الذكر نادية مصطفى!
فمعلوم عن من يعبر عمرو بالاسم والرسم، فعندما يتباين الموقف المصري والسعودي، فهو مع السعودية، منذ نهاية السبعينيات، بينما كان الشقيق الأكبر عماد أديب يبدأ خطوته بثبات في عالم الصحافة، وهو جزء من حسابات أهل الحكم في المملكة، وهذا موضوع تفاصيله كثيرة، والمساحة محدودة!
ثم إن عمرو يعمل في قناة سعودية «أم بي سي مصر» وقد وقع عقد العمل فيها مع تركي آل الشيخ ممثل المالك وهي الدولة السعودية، وأي معارضة للاتفاق سيعرف من يقف خلفها، ولا يمكن هنا اللف والدوران، فوضع نشأت الديهي المالك الصوري لقناة «تن» أفضل منه، فكثيرون لا يعرفون أن ملكية القناة في الحقيقة للإمارات، وقد يستمر في العداء لقطر منحازا لموقف أحمد موسى، فلا يحسب على ملاك القناة لهذا الجهل بطبيعة ملكيتها.
لنصل إلى «بيت القصيد»؛ لماذا يهاجم بعض الإعلاميين المصريين المصالحة ويمثلهم أحمد موسى، هل تعيش مصر حرية إعلامية لهذا الحد الذي يسمح بالتمرد على اتجاه للسلطة؟!
إن متابعة أداء هؤلاء، ربما يفسره الجاهل بأنه راجع للحرية الإعلامية التي ترفل فيه مصر، وقد يربك هذا الأداء العالم بطبيعة المشهد، فيعتبره حالة تمرد، أو أن الضابط الذي يدير هذه القنوات فقد هاتفه «السامسونغ» في ظروف غامضة، فلم يستقبل رسالة ليرسلها للإعلاميين الذين يخضعون لكفالته، وربما مات!
لكن المدقق في المشهد سيمكنه أن يقرأ السبب بين السطور، إن السلطة في مصر لم تأكل شيئا لتشرب عليه ماء، فقد دخلت مع الركب في الأزمة، ووقعت معه على الاتفاق، وكما قال أحد المحللين المدافعين عن النظام: سنرى ماذا ستودع قطر في البنك المركزي المصري من أموال.. وهو ما قاله في برنامج «المسائية» على «الجزيرة مباشر»!
يعتقد القوم أن هذا العزف المنفرد سيلفت انتباه الدوحة، بأن النظام المصري ليس راضيا تماما، ومن ثم يكون البحث عن لقاءات منفردة لا تتعامل مع الأزمة بالجملة ولكن بالقطاعي، أو «المفرد» في لهجة بعض العرب.
إنهم يعتقدون أن إعلامهم مؤثر وقادر على الابتزاز.