أفكَار

كيف أدار إسلاميو فلسطين التداول على المواقع القيادية؟ (3من3)

تأسست الحركة الإسلامية في فلسطين 48، عام 1971 على يد الشيخ عبد الله نمر درويش
تأسست الحركة الإسلامية في فلسطين 48، عام 1971 على يد الشيخ عبد الله نمر درويش

أعاد السجال الدائر بين قيادات حركة "النهضة" التونسية حول مستقبل التداول على المناصب القيادية في إدارة شأن الحركة استعدادا لمؤتمرهم 11، إلى الواجهة مسألة التناوب على المناصب القيادية لدى التنظيمات الإسلامية بشكل عام.

والحقيقة أن هذا السجال المثار في تونس هذه الأيام، ليس هو الأول من نوعه، لا في تونس ولا في باقي التنظيمات المحسوبة على تيار الإسلام السياسي في المنطقة العربية والإسلامية.. لكن الجديد في هذا الملف أنه يأتي بعد نحو عقد من الزمن من اندلاع ثورات الربيع العربي، وانتقال الإسلام السياسي من المعارضة إلى الحكم، ومن السرية إلى العلن.. 

وعلى الرغم من أن عددا من الحركات الإسلامية تعاملت بسلاسة مع مطلب التداول السلمي على المناصب القيادية كما هو الحال في مصر والمغرب وموريتانيا وفلسطين مثلا، إلا أن هذا التداول لم يسلم من خدوش سياسية وأحيانا شخصية طبعت تاريخ الإسلام السياسي الحديث.. 

"عربي21"، تسأل: كيف تعاطى الإسلاميون مع مطلب التداول السلمي على المناصب القيادية في تنظيماتهم؟ 

الكاتب والإعلامي بسام ناصر يطرح مع نخبة من المشتغلين بالإسلام الحركي تجربة إسلاميي فلسطين في التعاطي مع تحدي التداول على المناصب القيادية..

تجربة الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

تأسست الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني مطلع سبعينيات القرن الماضي على يد الشيخ عبد الله نمر درويش، بعد تخرجه من معهد العلوم الشرعية في مدينة نابلس، والذي التحق به عام 1969، كأول عربي فلسطيني مسلم من داخل الخط الأخضر (إسرائيل) يلتحق بمعهد شرعي في الضفة المحتلة حديثا حسب الرئيس السابق للجناح الجنوبي من الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، إبراهيم صرصور.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "وككل الحركات إسلامية كانت أو علمانية تعتمد في بدايات انطلاق قطارها أساسا على المؤسس وهو في الغالب صاحب شخصية كاريزمية آسرة، ويتمتع بصفات وشخصية تؤهله للقيادة ورسم خريطة الطريق للحركة التي يقودها" على حد تعبيره. 

وتابع: "وظل الشيخ ـ رحمه الله ـ كمؤسس للحركة رئيسا لها حتى اطمأن إلى وجود من يستطيع أن يتحمل المسؤولية بدلا عنه، فبادر في العام 1998 إلى الاستقالة (بالرغم من  أن اللائحة الداخلية للحركة حينذاك لم تنص على ذلك)، وهو في أوج عطائه لينتخب المؤتمر العام للحركة الإسلامية (500 عضو)، رئيسا جديدا خلفا للشيخ عبد الله (إبراهيم صرصور)، ليبقى الشيخ مرجعية للحركة وموجها ومحاضرا ومربيا ومستشارا مؤتمنا لقيادتها الجديدة حتى وافاه الأجل بعد مرض لم يمهله كثيرا بتاريخ (14/5/2017)". 

وأردف: "كان الشيخ عبد الله مثلا أعلى في هذا الصدد، وكان أول رئيس لحركة إسلامية يستقيل بمحض إرادته وهو في أوج عطائه، ليفسح المجال لأبنائه ليحملوا الأمانة من بعده وهو حي بينهم يسندهم ويساعدهم ويشير عليهم من غير تطفل أو تدخل". 

 



وذكر صرصور أنه بعد توليه منصب رئيس الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) (شغل المنصب من 1998 وحتى) 2010 بادر إلى تقديم مشروع لتعديل جذري في دستور الحركة الإسلامية يشمل أولا: بندا يحدد فترة رئاسة رئيس الحركة بفترتين فقط كل فترة تمتد لأربع سنوات، لا يجوز تمديدها لثالثة إلا في ظروف استثنائية قاهرة، ثانيا: كما يشمل الدستور بندا يحدد أيضا فترات رئيس البلدية في الانتخابات البلدية نيابة عن الحركة فقط كل فترة خمس سنوات". 

وعن آلية التداول على المواقع القيادية في الحركة أشار صرصور إلى أن "انتقال السلطة في كل المواقع من خلال انتخابات حرة وديمقراطية وتنافسية، يتقدم إليها خيرة أبناء وبنات الحركة الإسلامية، يتم في نهايتها نقل علم الخدمة من السابق إلى اللاحق في احتفالية تليق بمقام الحركة وهيبتها، كما تليق بقيمة وقامة أبنائها وبناتها". 

وحول الانقسام الذي حصل في الحركة عام 1996، والذي آل إلى ظهور جناحين للحركة، الجناح الجنوبي برئاسة الشيخ عبد الله نمر درويش ومن معه، والجناح الشمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح ومن معه، قال صرصور: "سجل تاريخ الحركة الإسلامية حالة واحدة، وصل فيها الخلاف إلى انشقاق قادة أربعة من أعضاء مجلس الشورى القطري الذي بلغ عدده حينها 27 عضوا، وذلك عام 1996، قاده الشيخ رائد صلاح ـ فرج الله عنه ـ والذي تزعم فيما بعد جناحا مستقلا شق طريقه بعيدا عن الحركة الإسلامية التي تربى فيها، وترقى في مراتبها، حتى إخراجه عن القانون عام 2015". 

وخلص إلى القول: "لم نر أي مبرر للانشقاق الذي قاده الشيخ صلاح حينها، كما لا نرى مبررا لاستمرار هذا الانشقاق خصوصا بعد قرار إسرائيل حظر جناحه وإخراجه عن القانون، وما زلنا نؤمن أن الطريق لقلب الطاولة في وجه قرار إسرائيل هو في إعلان الإخوة المنشقين عودتهم إلى أحضان الحركة الإسلامية لنواجه مصيرنا معا مهما كلفنا ذلك من أثمان". 

ما وصفه صرصور بالانشقاق تحدث عنه الشيخ رائد صلاح بالتفصيل في الحوار المطول الذي أجراه معه الكاتب والإعلامي الأردني وائل أبو هلال عام (2011)، والذي نشره مركز الزيتونة فيما بعد عام (2018) في كتاب بعنوان "حوارات في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة سنة 1948.. مع الشيخ رائد صلاح". 

ووفقا لما ذكره صلاح فإن "الانطلاقة المنظمة للحركة الإسلامية في الداخل كانت سنة 1984، وكان الشيخ عبد الله نمر درويش الذي يعد المؤسس للصحوة الإسلامية في الداخل، متواجدا في الاجتماعات واللقاءات المخصصة للاتفاق على وضع إطار تنظيمي للحركة، بعد خروجه من السجن على خلفية ما عُرف بقضية "أسرة الجهاد" (وهو عمل مسلح سجن الشيخ درويش ومجموعة معه بسببه ثلاث سنوات)، ولم يكن للشيخ رائد صلة بذلك. 

 


ولفت الشيخ رائد إلى أن التوجه لإيجاد إطار تنظيمي للحركة الإسلامية كان بعد مخاض فكري حول تحديد هويتهم، وتمييز أنفسهم بشكل جدي، وبعد اتضاح وجود أكثر من اتجاه إسلامي في الداخل الفلسطيني، كان هو وكمال الخطيب يمثلان خطا، يصفه بقوله: "كنا مع خط الامتداد للحركة الإسلامية العالمية"، والشيخ عبد الله نمر ـ ومن معه ـ يمثل خطا آخر، المتمثل بفصل منطقة الداخل الفلسطيني عن الخارج". 

ويتابع الشيخ حديثه عن وقائع تشكيل الإطار التنظيمي للحركة برئاسة الشيخ عبد الله نمر درويش وما ترتب على ذلك من التعامل مع الداخل الفلسطيني كوحدات إدارية، لها ممثلون في هذه الإدارة، ومع إشادة الشيخ رائد بما كان لها من إيجابيات كبيرة في ترتيب دقائق العمل تحت اسم الحركة الإسلامية بكل تفاصيلها، إلا أن مواطن الخلاف بدأت تبرز مع الشيخ درويش منذ ذلك التاريخ.

أما أبرز المجالات التي ظهرت فيها الخلافات بين الجناحين كما يرويها الشيخ رائد فتمثلت في الإعلام الإسلامي، وتحديدا مجلة الصراط، تأسست سنة 1985، فقد أظهرت مقالات الشيخ درويش خلافه معهم خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع الكيان الصهيوني وكيفية التعامل معه، ومجال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث كان للشيخ درويش توجه سياسي مستقل ومختلف عما توافقوا عليه.

وتابع صلاح ذكره لمجالات الخلافات بين الجناحين متحدثا عن اختلاف الموقف بينهم بشأن انتخابات الكنيست: فقد كان الشيخ درويش يرى دعم بعض المرشحين لانتخابات الكنيست، خلافا لرأيهم في مقاطعة الانتخابات، وكذلك الخلاف حول القضايا الإسلامية العامة، حيث برزت نقاشات حادة حول المواقف السياسية، كالعلاقة مع الآخر على الصعيد الإسلامي، إضافة للتصريحات الإعلامية حيث كانت تصريحات الشيخ درويش للإعلام العبري لا تنسجم مع رؤاهم وقناعاتهم. 
 
بقي الشيخ رائد صلاح يشغل منصب رئيس الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) منذ انقسام الحركة سنة 1996 إلى يومنا هذا، ويتولى منصب نائب رئيس الحركة الشيخ كمال الخطيب، أما منصب رئاسة الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي) فتعاقب عليه منذ حادثة الانقسام كل من إبراهيم عبد الله صرصور (1998 ـ 2010)، وحماد أبو دعابس منذ 2010 وما زال يشغل المنصب إلى يومنا هذا. 

 

إقرأ أيضا: كيف أدار إسلاميو فلسطين التداول على المواقع القيادية؟ (1من3)

 

إقرأ أيضا: كيف أدار إسلاميو فلسطين التداول على المواقع القيادية؟ (2من3)




التعليقات (0)