مقالات مختارة

القنبلة الذرية الإيرانية تفقد أباها

صادق الطائي
1300x600
1300x600

مثلت عملية اغتيال محسن فخري زادة، الذي يوصف بـ«أبي القنبلة الذرية الإيرانية» ضربة موجعة للمشروع النووي الإيراني، واختراقا كبيرا لمنظومة الدفاع والمخابرات في هذا البلد الذي يخوض حروبا مخابراتية مع خصومه منذ عقود. وقد أعادت عملية اغتيال فخري زادة إلى الأذهان مسلسل اغتيال عدد من علماء المشروع النووي الإيراني في السنوات السابقة، بعمليات كانت بصمات الموساد الإسرائيلي واضحة في تنفيذها، مثل عملية اغتيال المهندس مصطفى أحمدي روشن، الذي اغتيل في طهران بقنبلة لاصقة فجرت سيارته في كانون الثاني/يناير 2012، وداريوش رضائي الذي قتله مسلحون رميا بالرصاص شرقي طهران في تموز/يوليو 2011، ومجيد شهرياري الذي قتل بانفجار سيارة ملغومة في طهران في تشرين الثاني/ نوفمبر 2010، وفريدون عباسي دواني الذي قتل بانفجار سيارة ملغومة في تموز/يوليو 2011، ومسعود علي محمدي الذي قُتل بتفجير قنبلة عن بعد في كانون الثاني/ يناير 2010 في طهران.


محسن فخري زادة المولود في مدينة قم عام 1958 كان هدفا كبيرا للموساد منذ زمن طويل، فهو يحمل رتبة لواء في الحرس الثوري الإيراني، ويشغل منصب نائب وزير الدفاع، وهو المسؤول عن البرنامج العسكري النووي الإيراني، كما أنه حاصل على الدكتوراه في الهندسة النووية، وقد عمل أستاذا في جامعة الإمام حسين. ومع اللحظات الأولى لإعلان عملية الاغتيال، تذكرت عدة وسائل إعلام إشارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مؤتمر صحفي عام 2018 إلى محسن فخري زادة. فقد أفادت صحيفة «يديعوت أحرنوت» بأن نتنياهو كشف آنذاك ما سماه «الأرشيف النووي السري» الإيراني، وعرض صورة للعالم محسن فخري زادة، ووصفه بأنه «رجل الظل» الذي ترأس «مشروع آماد» الإيراني، الذي يهدف، حسب إسرائيل والغرب، إلى تطوير أسلحة نووية، كما أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية؛ أن «خطة لاغتيال فخري زادة كانت قد فشلت قبل أعوام».


هذه المرة كانت خطة الاغتيال محكمة ومتطورة جدا، إذ تمت عبر نصب كمين على طريق سريع بالقرب من طهران يوم الجمعة 27 نوفمبر، السلاح الذي استخدم في العملية حسب وكالة «فارس» شبه الرسمية للأنباء، كان «رشاشا آليا يعمل بجهاز تحكم عن بعد»، كما صرحت مصادر إيرانية مسؤولة بأن «السلاح الذي تم جمعه من موقع حادث اغتيال محسن فخري زادة، كان يحمل شعار ومواصفات الصناعة العسكرية الإسرائيلية». أما الجهة التي تعاونت مع الموساد الإسرائيلي في تنفيذ عملية الاغتيال، حسب تصريحات أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني، للتلفزيون الإيراني الرسمي، فهي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، التي نفذت الترتيبات على الأرض، بينما تحكمت جهات إسرائيلية بالتنفيذ عبر منظومات إلكترونية معقدة، يتم التحكم بها عبر الأقمار الصناعية. وقد ذكر شمخاني أن أجهزة المخابرات الإيرانية كانت تمتلك معلومات حول مؤامرة اغتيال كبير علماء المشروع النووي الإيراني في وقت مبكر – بما في ذلك الموقع –، لكنها فشلت في إيقافها بسبب استخدام أساليب مبتكرة. وأضاف شمخاني «تم أخذ الاحتياطات اللازمة لأمن فخري زادة، لكن العدو استخدم أساليب جديدة ومتطورة وخاصة، وللأسف نجحوا، وتمكنوا من الوصول إلى هدفهم بعد 20 عاما».


تنفيذ عملية الاغتيال كان أقرب لسيناريو فيلم من أفلام الأكشن الهوليوودية، إذ وصفت وكالة أنباء «فارس» عملية الاغتيال بالقول؛ إن «العملية لم تستغرق سوى ثلاث دقائق فقط» وأنه «لم يكن هناك عامل بشري في مكان الاغتيال، ولم يتم إطلاق النار إلا بأسلحة آلية يتم التحكم فيها عن بعد». كذلك أوضحت الوكالة أن فخري زادة وزوجته كانا يستقلان سيارة مضادة للرصاص، في طريقهما إلى منطقة «دماوند» قرب طهران، وكانت ترافقه ثلاث سيارات حراسة.


انفصلت إحدى سيارات الحراسة عن الموكب على بعد كيلومترات من موقع الحادث، بهدف التحقق ورصد حركة مشبوهة، في تلك الأثناء تسبب صوت بضع رصاصات استهدفت السيارة في لفت نظر فخري زادة الذي اوقف سيارته وترجل منها معتقدا أن الصوت ناتج عن اصطدام بعائق خارجي، أو مشكلة في محرك السيارة. وفي لحظة نزوله «قام مدفع رشاش آلي يتم التحكم به عن بعد مثبت على شاحنة صغيرة مركونة على بعد 150 مترا، بإطلاق وابل من الرصاص عليه، لتصيبه ثلاث رصاصات، قطعت واحدة منها نخاعه الشوكي، وبعد لحظات تم تفجير الشاحنة المركونة» وفقا للوكالة الإيرانية، بعد ذلك نُقل فخري زادة جريحا إلى مستوصف قريب، ومنه بطائرة مروحية إلى مستشفى في طهران، لكنه توفي هناك.


خيّم الصمت على عواصم الدول، فقد رفضت إسرائيل التعليق على عملية الاغتيال، وفي الولايات المتحدة رفض البيت الأبيض ووزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية التعليق، ورفض فريق بايدن الانتقالي التعليق. وعلى الرغم من نفي إسرائيل الرسمي لمسؤوليتها عن الحادث، إلا أن طبيعة الحادث والتقنيات المتطورة والهدف النهائي من الاغتيال كلها تصب في استنتاج مفاده أن للموساد الثقل الأكبر في تنفيذ العملية. لطالما مثّل المشروع النووي الإيراني كابوسا للإسرائيليين، وشكّل تهديدا لأمنهم القومي، وقد حاولوا مرارا تنفيذ عمليات عسكرية ومخابراتية لتدميره، أو إعاقته، وقد مثلت حقبة رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العصر الذهبي للتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة، لتدمير قدرات إيران النووية، إلا أن كل ذلك لم يقض على البرنامج الإيراني بشكل تام، وربما مثل تفجير موقع «نطنز» النووي الإيراني في تموز/يوليو الماضي الضربة الأخطر في سلسلة الهجمات الإسرائيلية، إلا أن الإيرانيين استطاعوا تحمل هذه الضربات وخرجوا منها بخسائر يمكن استيعابها، فهل ستمتص إيران ضربة بمستوى فقدانها «أب القنبلة الذرية الإيرانية» وتصمت؟ أم ستضطر للرد هذه المرة؟ وما طبيعة الرد الإيراني؟


لقد فندت الكاتبة الأمريكية من أصول إيرانية آريان طباطبائي، وهي كبيرة باحثي كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا الأمريكية، في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» ما ادَّعاه بعض المراقبين الإسرائيليين من أن اغتيال فخري زادة سيُصعِّب على إيران استكمال برنامجها للردع النووي، إذ قالت طباطبائي؛ «إن قيادة فخري زادة للمشروع وإلمامه به كان مهمّا من دون شك، لكن هذا المنطق من التفكير يبالغ في تقدير أهمية فرد واحد، بغض النظر عن مدى دوره وتأثيره من قبل، في تطوير برنامج إيران النووي». كما تناولت طباطبائي الكيفية التي تعاطت بها إيران مع ما تتعرض له من ضربات، إذ قالت؛ «إن إيران حاولت أن توازن بين هدفين متعارضين: الأول تفادي الظهور بمظهر الدولة مكتوفة الأيدي أمام هذه العمليات، والثاني تجنب تصعيد التوترات تصعيدا كبيرا، إلى الدرجة التي قد تُعرِّضها لإجراء عسكري مباشر تُنفذه الولايات المتحدة ضدها».


وتبقى توقعات الرد الإيراني على هذه الضربة تدور بين احتمالين، الأول أن تتحلى إيران بضبط النفس لحين دخول الرئيس المنتخب جوزيف بايدن البيت الأبيض في 20 يناير المقبل، وحينها سيتنفس الإيرانيون الصعداء وسينعمون بانفراج الأوضاع، وستتمكن الحكومة الإيرانية من امتلاك قدرات الرد حينذاك، بينما الاحتمال الثاني يتمثل في لجوء إيران إلى ضربات محدودة التأثير تسوق للشارع الإيراني المطالب بالانتقام على أنها نوع من الرد للحفاظ على ماء الوجه، دون أن يتسبب ذلك في تصعيد الموقف والتسبب في إعاقة عودة إدارة بايدن للاتفاق النووي.

 

(القدس العربي)

0
التعليقات (0)