مدونات

"وستبقى ثائرة".. سكرات الماضي (4)

سيلين
سيلين
ظلت "لي لي" بغرفتها لم تذهب لتناول الغداء متحججة بأنها مريضة بسبب دوار البحر، حتى في وقت العشاء لم تخرج من غرفتها. هي لم تكن تدعي المرض فكل أوجاع الماضي عاودتها بضراوة، ولكي تهرب من الألم تناولت أقراصها المنومة لتغيب عن كل شيء.

وفي الجهة الأخرى كان عقل أدهم لا يستطيع استيعاب وتحمل ما قالته "لي لي".. كيف لتلك الفتاة أن تتحمل كل هذا؟ أي وحوش هؤلاء؟ لم يكن أدهم مهتما بأمور السياسة ما دامت بعيدة عن أعماله، لم يهتم بما يقال أو يحدث بمصر ما دامت أعماله وأمواله لم يصبها الضرر، كان يغضب لبعض الأحداث، وكان صديقه هيثم الضابط بالأمن الوطني دائما ما يكذب له تلك الروايات.

لكنه هذه المرة لن يصدقه حتى لو أقسم.

"لي لي" كانت صادقة بكل ذرة من خلاياها وهي تحكي.

لأول مرة يشعر بالعجز، أخبرها أنه سيحميها، كيف وهو يقف على بعد خطوات منها يعلم أنها تصارع وحدها خلف تلك الجدران ألماً تنوء به الجبال وهو لا يملك أن يحمل عنها بعض ما تعاني؟

كيف سيكون لها سندا وهي تصارع وحدها كابوسها؟

ثم تذكر كلماتها: أنا سند نفسي يا سند، فرفع رأسه بعجز مانعا سقوط دموع هاجمت عينيه.

نعم حبيبتي الصغيرة أنت سند قوي، أعلم أنك قادرة على ابتلاع ذاك الوجع مرة أخرى، لكن هذه المرة لن تواجهي الألم وحدك، سأكون بجانبك، أعلم أني سبب في فتح باب جحيمك هذا، فسامحيني.

قرر أدهم أن يستعين بهيثم صديقه في تتبع من أذى لي لي، هو لن يتركه مهما كان الثمن.

نهض ليتصل بهيثم ليجمع له المعلومات التي يريد ولكنه توقف، لقد أخبرته "لي لي" أنها بعد أن فقدت أباها وحبيبها وقبل أن تسافر غيرّت اسمها، هو لا يعرف اسم حبيبته!

توقف فجأة عن الحوار مع نفسه ليردد بصوت عال: لقد قالت حبيبها.

يا الله.. لقد أحبت غيره شعر بغيرة مجنونة، هل ما زالت تحبه؟ الفكرة كانت أشبه بالجحيم بالنسبة له.

لكنها قالت ربما مات.. ولكن هناك احتمالا أن يكون على قيد الحياة. وإن كان حيا هل ستعود "لي لي" له؟

لا يمكن أن أسمح لها أبدا.. تحرك نحو الباب متجها لغرفتها، لا بد أن أعرف منها كل التفاصيل.. أعرف اسمها واسم ذاك الملعون الذي أحبته، والأهم لا بد أن أعرف هل ما زالت تحبه؟

وصل لباب غرفتها وبدا يطرقه ولكن لا أحد يجيب، طرقه مرة أخرى بشكل أقوى ولكن ظل الصمت يخيم.

وقبل أن يطرق للمرة الثالثة تذكر أن إحدى الفتاتين أخبرته أثناء العشاء أن "لي لي" تناولت منوما كي ترتاح، فابتعد تاركا إياها تنام وسيطلب منها غدا كل ما يريده من معلومات.

غدا.. كيف له أن ينتظر هذا الغد؟

من أين له بالصبر وفكرة أنها ما زالت تحب ذاك التعيس تخيم على رأسه.

وقف على سطح اليخت وحيدا شارد الذهن، ينظر للبحر فقط، الغضب المرتسم على وجهه جعل الجميع يبتعدون عنه، مرت الساعات ببطء، صوت الموسيقى والضحكات المنبعثة من غرفة الطعام كادت تصيبه بالجنون.

وأخيرا صمتوا واتجهوا لغرفهم ليناموا. لم يستطع أن يذهب لغرفته مثلهم، فهو اليوم لن يتحمل جدرانها سيختنق داخلها، لذا قرر أن ينام على ذاك الكرسي، وما أن أغمض عينيه حتى سمع صرخات استغاثة، إنه صوت امرأة.

صرخ "لي لي"، تبادر لذهنه كل الأفكار السوداء كان يجري كالمجنون، وصل وكان الجميع في الغرفة فصرخ بهم فتفرقوا بسرعة، ليدخل فيجد "لي لي" بسريرها شاحبة الوجه يغطيها العرق، فنظر لإحدى الفتاتين صارخا بها: ماذا حدث لها؟

أخبرته أنهم عندما عادوا للغرفة سمعوها تهذي بكلام غير مفهوم، وعندما حاولتا إيقاظها وجدتا أن درجة حرارتها مرتفعة ولم تستيقظ رغم محاولاتهما.

وضع يده على جبينها فشعر بالتهاب بشرتها، أخذ يهزها برفق فلم تستجب بسرعة، خرج من الغرفة ليطلب الإسعاف الطائر فهو لن ينتظر أن يعودوا باليخت.
التعليقات (1)
محمد محمود أحمد
الأحد، 22-11-2020 08:36 ص
جميل جدا ما تكتبين لك تألق وبريق خاص واصلي بإتحافنا وواصلي ثورتك فنحن نغبطك ونثمن عطائك