تقارير

عبدالحميد شومان "العصامي".. من بائع متجول إلى "البنك العربي"

المقر القديم للبنك العربي وسط العاصمة عمان من أهم المعالم وسط المدينة- (عربي21)
المقر القديم للبنك العربي وسط العاصمة عمان من أهم المعالم وسط المدينة- (عربي21)

وقف مع حركات التحرر الوطني العربي، وظل مسكونا بالهاجس القومي منذ البداية وبقي حتى رحيله وطنيا صلبا وقوميا عربيا أصيلا. 

كان عبد الحميد شومان، الذي ربطته علاقات وثيقة مع عدد كبير من الزعماء ورجال السياسة العرب، رجلا عصاميا بما يحمله المصطلح من معنى ومن دلالات معنوية، قاد النشاط المصرفي والمالي الفلسطيني والأردني والعربي، وإليه يعود الفضل في إنقاذ البنك العربي من عواقب النكبة المدمرة. 

تلقى عبد الحميد شومان الذي ولد في بلدة "بيت حنينا" القريبة من القدس عام 1890 تعليمه الأولي في الكتّاب، ولم يذهب بعده إلى مدرسة أخرى، فقد اضطرته ظروف الحياة للعمل في محاجر القرية، يكسب معيشته بنقل الصخور. 

 

 


في تلك السنوات كانت موجات الهجرة إلى أمريكا، من سوريا وفلسطين ولبنان، قد اشتدت في أواخر العهد العثماني، فهاجر شومان بحثا عن آفاق جديدة للعمل، ووصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في صيف عام 1911. 

عمل بائعا متجولا، ثم افتتح محلا تجاريا صغيرا طوره إلى مصنع للألبسة الجاهزة، يحمل اسمه، في مدينة نيويورك. 

قام خلال سنوات إقامته في أمريكا بنشاطات اجتماعية وخيرية وصحافية عديدة، فاشترى أرضا لتكون مقبرة للمسلمين في نيويورك، وقدم تسهيلات ومساعدات للطلاب العرب، ودعم الصحف التي تصدر باللغة العربية، كما أنه أصدر جريدة عربية باسم "الدبور"، ونشط في جمع وإرسال تبرعات لدعم نضال الحركتين الوطنيتين في كل من فلسطين وسوريا. 

اطلع شومان على ما تقدمه البنوك الأمريكية من خدمات متنوعة، ولم ينقطع في الوقت نفسه عن متابعة أخبار وطنه، وفكر بتأسيس بنك عربي، وحين أطلق طلعت حرب "بنك مصر" عام 1920، اتفق شومان وحرب عام 1929 على تأسيس "البنك المصري الفلسطيني"، لكن اندلاع ثورات فلسطين ضد الهجرة اليهودية وسلطات الانتداب البريطاني، دفعت حرب إلى التراجع تاركا شومان بمفرده، فمضى في تنفيذ الفكرة وحده، وأسس "البنك العربي" مع ثمانية مساهمين وعشرة موظفين، برأسمال قدره 15 ألف جنيه فلسطيني، وتم تسجيله رسميا عام 1930 ومقره الرئيسي القدس.  

وعن اختياره هذه التسمية، قال في إحدى المناسبات: "لمّا عزمت على تأسيس هذا البنك، لم أشأ أن أطلق عليه اسمي أو اسم قريتي بيت حنينا أو بلدي فلسطين، بل اسم الأمة العربية والوطن الكبير فأسميته: البنك العربي". وبفضل دعم والد زوجته، أحمد حلمي عبد الباقي فقد تطور "البنك العربي" بسرعة كبيرة وبات له فروع في معظم المدن الفلسطينية. 

عانى "البنك العربي" من مشاكل عهد الانتداب ومقاومة الصهيونية، وتحيز حكومة الانتداب، لكنه استطاع أن يواجه هذه الأحداث جميعا بقوة وصلابة، وأصبح من أكبر مصارف العالم، ومن أفضلها أداء وقوة. 

شارك عبد الحميد شومان في عضوية اللجنة المركزية لإعانة المنكوبين في فلسطين التي أعلنها المجلس الإسلامي الأعلى عام 1929 عقب "ثورة البراق"، واختير أمينا للصندوق. 

وكان مقربا من أعضاء "حزب الاستقلال" قبل إنشائه عام 1932، وكاد أن يكون من أركانه لولا أنه أراد أن يبتعد عن النشاط الحزبي المباشر للتفرغ لإدارة البنك الحديث النشأة. 

شارك، إلى جانب عوني عبد الهادي ومحمد عزة دروزة وعجاج نويهض، في نشر بيان باسم رجالات القدس، عام 1936، يدعو إلى تأييد دعوة الاستمرار في الإضراب العام، ضد السياسة البريطانية. 

وكان من بين المندوبين الخمسة الذين مثلوا اللجنة القومية بالقدس في "مؤتمر اللجان القومي" الذي عقد في مدينة القدس عام 1936، وقرر الإعلان عن عدم دفع الضرائب إلى أن تغير الحكومة البريطانية سياستها المنحازة للصهيونية.  

وانتخب عضوا في لجنة شكلت لمساعدة المتضررين من الإضراب العام. 

على إثر ذلك اعتقلته السلطات البريطانية عام 1936 في معتقل "صرفند" قرب الرملة لبضعة أشهر، ثم عادت واعتقلته ثانية عام 1938 في معتقل "المزرعة" قرب عكا. 

تمكن شومان بعد نكبة فلسطين عام 1948، من الحفاظ على ودائع الآلاف من المواطنين في بنكه، فحين فقد البنك فرعيه في يافا وحيفا، طالب العملاء الذين أجبروا على الفرار من البلاد بودائعهم، وأصر شومان وابنه على إرجاع جميع المطالبات بالكامل. وشكل هذا القرار نقطة تحول تاريخية في تطور ونمو البنك وفي ثقة العملاء به. 
 
وعقب نكبة فلسطين انتقلت أعمال البنك إلى عمان، حيث كان المؤسسة المصرفية الرئيسية التي أعادت ودائع العملاء في فلسطين إلى أصحابها مساهمة في التخفيف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في ذلك الوقت ومعززة بذلك مصداقيتها. 

لم يكن شومان الجد ومؤسس العائلة المصرفية شخصية مالية فقط، فقد آمن بأهمية دعم العلم وتمويله ورعاية العلماء وتشجيعهم، ورعاية الإبداع الإنساني العربي، لذلك فقد أوصى بإنشاء مؤسسة بعد وفاته، تعنى بالشأن الثقافي وتسهم في تمويل الأبحاث والدراسات العلمية والفكرية والطبية والتكنولوجية لإفادة الأقطار العربية كافة.  

وكانت مؤسسة "عبد الحميد شومان" غير الربحية التي مولت بتخصيص جزء من أرباح "البنك العربي" السنوية لإنشائها والإنفاق على نشاطاتها المتنوعة، ذراعه للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، مع ارتكازها على أركان ثلاثة، هي: "الفكر القيادي، الأدب والفنون، والابتكار". 

وقد أنشئت المؤسسة عام 1978 في عمان بمبادرة من ابنه عبد المجيد الذي واصل مسيرة والده فقد رافقه في رحلة بناء البنك وفي جميع المفاصل الرئيسية التي مرت بها المؤسسة المصرفية الرائدة في الوطن العربي. 

توفى عبد الحميد شومان (الجد) في 12 أيلول/ سبتمبر عام 1974 ودفن في القدس بجوار المسجد الأقصى، بعد أن نجح في ترسيخ مؤسسة مصرفية عالمية ذات أهمية كبرى في القطاع المصرفي والمالي الأردني والفلسطيني والعربي والدولي. 

المراجع: 

ـ "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين 1917 ـ 1948". شفيق الحوت، بيان نويهض. 
ـ "مذكرات محمد عزة دروزة: سجل حافل بمسيرة الحركة العربية والقضية الفلسطينية خلال قرن من الزمن".  
ـ "ذكرى عبد الحميد شومان، 1890 ـ 1974". لجنة تأبين عبد الحميد شومان. 
ـ "العصاميّ، سيرة عبد الحميد شومان". المؤسسة العربية للدراسات . 
ـ "أعلام الفكر والأدب في فلسطين"، يعقوب العودات. 
ـ "الموسوعة الفلسطينية" هيئة الموسوعة الفلسطينية. 
ـ "من هو؟: رجالات فلسطين 1945- 1946". 
ـ "رجال من فلسطين"، عجاج نويهض. 

التعليقات (0)

خبر عاجل