هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الدعاية
السياسية لها أركان أساسية توظيف العقل الجمعي والخطاب الوطني الحدي أو التخوين
وإغراق المتلقي بالرسالة السياسية
أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي
منفذا جديدا لتحقيق أهداف الدعاية السياسية
حدة الخطاب في وسائل التواصل
الاجتماعي وفرت مدخلا آخر لإنجاح الدعاية السياسية
كانت الدعاية السياسية وما زالت سلاحا مهما في
يد الأنظمة الشمولية القمعية؛ لتسويق نفسها ومقاومة الدعوات الداخلية والخارجية
للإصلاح، ويرتكز هذا النوع من الدعاية ليس على تسويق أفكار أو اتجاهات معينة فحسب
بل على تزييف الحقائق للوصول إلى الهدف السياسي المراد تحقيقه، ما قبل ثورة
الاتصال كانت الأدوات مباشرة ومحدودة.
فالنظام يتحكم بمصدر المعلومات ويقوم بحجب ما
لا يريد أن يصل إلى الناس من ناحية، وينشر معلومات مغلوطة من ناحية أخرى، ولكن
ثورة الاتصال كشفت هذه الأساليب التقليدية، فأصبحت الأنظمة غير قادرة على حجب
المعلومات عن مواطنيها ولا على تسويق معلومات مزيفة، لأن اكتشاف زيفها أصبح على
بعد ضغطة زر واحدة، ومع ذلك يبدو أن هذه الأنظمة تمكن من تطويع ثورة الاتصال
لصالحها خلال السنوات الأخيرة.
الدعاية السياسية أو (البروباغاندا) كان لها
أركان أساسية من ضمنها، توظيف العقل الجمعي، والخطاب الوطني الحدي أو التخوين،
وإغراق المتلقي بالرسالة السياسية، وعلى الرغم من أن المتلقي لم يعد أسيرا للجهاز
الإعلامي الرسمي إلا أن الأنظمة لم تعدم سبيلا لتثبيت هذه الأركان في عالم اليوم،
وبعد الكثير من الإخفاقات أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي منفذا جديدا لتحقيق أهداف
الدعاية السياسية، شيئا فشيئا تسربت أدوات الدعاية السياسية إلى منصات التواصل
الاجتماعي المختلفة حتى باتت أسيرة لها.
روسيا على سبيل المثال نجحت في تسويق رسالة
سياسية واضحة في انتخابات عام 2016 وبشكل جدلي كان لها تأثير على نتائج الانتخابات
هناك، الذباب الإلكتروني في العالم العربي تمكن من تغطية الشمس بغربال من خلال
حملته لتسويق رموز سياسية واستهداف أخرى، ولكن كيف تحقق هذا النجاح؟
ما يجعل التحكم في العقل الجمعي سهلا هو
الرغبة الفطرية للاندماج، الإنسان بطبيعته يريد أن ينتمي للحالة العامة لا أن يكون
شاذا عنها، وليس أدل على ذلك من التحارب المخبرية في علم النفس التي وضعت المشاركين
في غرفة انتظار عيادة يقوم فيها بقية الناس بالوقوف عن رنين جرس معين، الأغلبية
الساحقة من المشاركين انضموا للممثلين في الوقوف عن سماع الجرس في المرة الثانية
دون السؤال عن سبب ذلك واستمروا في فعل الأمر.
كذلك المسألة في وسائل التواصل، تجد وسما
فعالا ينتقد أو يمتدح حدثا أو شخصا ما، لا شعوريا تصبح مهيأ لهذا الرأي بل وتتكون
لديك وجهة نظر دون التحصل على معلومات بالضرورة، ما كان يتم سابقا من خلال
المهرجانات الخطابية المكلفة وقنوات التلفزة والإذاعات الضخمة أصبح يتم اليوم من
خلال مجموعة من أجهزة الحاسب والخوادم وشخص أو شخصين لديهم خبرة في التعامل مع
الخوارزميات التي تنظم عمل مسائل الاتصال.
حدة الخطاب في وسائل التواصل الاجتماعي وفرت
مدخلا آخر لإنجاح الدعاية السياسية، منذ نشأتها وجد المستخدمون في حساباتهم
وصفحاتهم الافتراضية على تويتر وفيسبوك مساحة للتنفيس دون الحدود الأخلاقية
والمجاملة الاجتماعية ما تسبب في نشأة ظاهرة في سياق المستخدمين بالإنجليزية اصطلح
على تسميتها Tolling أو التصيد، وهي ممارسة الرد على التغريدات والمنشورات بشكل متكرر
بنقد لاذع وأحيانا دون وجود ارتباط واضح مع موضوع التغريدة، تم تكييف هذه الظاهرة
سياسيا لتأسيس جيوش من الحسابات الوهمية التي إما توفر الدعم لرسالة حسابات حقيقية
أو تستهدفها بالسباب والشتام.
انتقلنا تدريجيا إلى ظاهرة الذباب الإلكتروني،
بما تمثله من إزعاج في الساحات الافتراضية، ولكنها في الوقت نفسه نجحت في نقل خطاب
التخوين إلى منصات التواصل بما يشكل تحديا أمام من يريد قول رأي مختلف أو ناقد،
ونجحت كذلك في حشد الآلاف من المستخدمين الحقيقيين لذات الأهداف.
جيوش الذباب والتلاعب باللوغاريتمات وصلت إلى
إغراق المتلقي بالرسالة السياسية وهو الركن الأخير في الوصول لدعاية سياسية ناجحة،
عدد من الدراسات حول مستخدمي منصات التواصل والإنترنت بشكل عام وجدت أن المستخدم
يحيط نفسه لا شعوريا بهالة من الاتفاق، بمعنى أنك تتابع من تتفق معهم وهم يتابعون
من يتفقون معه وبالتالي تتشكل دوائر من الفكر المشترك ومن خلال توظيف هذه الدوائر
شبه المغلقة ينجح صاحب الدعاية السياسية في اختراق مجموعات كبيرة من البشر.
مثلا لو كنت هنا في قطر خلال أزمة الحصار
ستتابع غالبا حسابات قطرية، وأخرى تدعم الموقف القطري حتى تصبح هالة المعلومات من
حولك أحادية المصدر، وفي الوقت نفسه سيسهل عليك تصنيف الآخر من خلال ما تراه في
دائرتك حوله، الشيء نفسه ينطبق على من يعيش في إحدى دول الحصار، وهذا ما يمكن أن
يشرح لنا معضلة كيف يرفض شخص على الطرف الآخر أبسط الحقائق التي نراها، هو باختصار
لا يرى تلك الحقائق في دائرته.
الدعاية السياسية أداة عابرة للعصور وعلى
الرغم من التفاؤل بأن ثورة المعلومات والاتصال ضربت هذه الأداة في مقتل إلا أنها
وجدت أرضية جديدة ربما تكون أوفر وأسرع من سابقاتها، جوبلز الأمس بخطاباته وآلته
الإعلامية الضخمة تحول إلى مراهق خلف شاشة حاسوب ينشر ذات التغريدة على مئات
الحسابات ويبدع في السباب والشتائم، ولكن النتيجة واحدة، تجهيل للشارع ومحاربة
للحقيقة.
(الشرق القطرية)