هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتبنى أنظمة عربية، سياسات خطيرة تنطوي في دواخلها على مؤامرة وعداء للشعب الفلسطيني وقضيته وفصائله، لتطال حتى المنظمات والحركات الداعمة له، وتنفذ هذه الأنظمة سياسات سيكون لها مفعولها وانعكاساتها في المستقبل غير البعيد، سياسات تتماهى مع مواقف حكومة الاحتلال العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، بل تتجاوزها.
الغرض منها وضع هذه الحركات في دائرة الكيانات الإرهابية، لتجريمها ودمغ فلسطين وقضيتها بدمغة الإرهاب. تسير هذه الخطوات من دون ردات فعل شعبية وهذا نذير شؤم، إذ يمكن تنفيذها والناس في غفلة.
هذه الخطوات أكثر خطورة من التطبيع مع دولة الاحتلال، الذي تقوم به بعض الدول العربية، لاسيما دولة الإمارات، التي قطعت شوطا طويلا في هذا المسار، وتمثلت مؤخرا في تلبيتها لاحتياجات إسرائيل من أدوات ومعدات مكافحة وباء كورونا، وكذلك في الطائرة التي بعثتها دولة محمد بن زايد إلى المغرب لنقل مواطنين إسرائيليين وإماراتيين تقطعت بهم السبل بسبب كورونا، وإعادتهم إلى ديارهم. ولم تعد الإمارات بحاجة حتى لعلاقات دبلوماسية للتعاون مع دولة الاحتلال، التي تأخرت بسبب وباء كورونا.
ما يثير القلق سببان؛ الأول، متعلق ببيان كان يمكن أن يمر كآلاف البيانات التي تصدر يوميا، من دون أن يلتفت إليها أحد. بيان وصلت إلي نسخة منه في الأسبوع الماضي صادر عن آل شعث، يفيد بأن السلطات المصرية، ما تزال تعتقل ابنها رامي وهو بالمناسبة نجل الدكتور نبيل شعث، الممثل الشخصي للرئيس الفلسطيني. ولأول وهلة اعتقدت أن رامي من الناشطين السياسيين ضد نظام السيسي، ولكن الأمر لم يكن أمر اعتقال عادي، يحصل في مصر أو أي بلد عربي آخر يوميا، وفق ما جاء في بيان آل شعث، أو ما نشر في الجريدة الرسمية، ولكن الأمر أكثر خطورة. وحسب ما نشر في الجريدة الرسمية في مصر، فإن محكمة جنايات القاهرة أدرجت 13 متهما، بينهم الناشط السياسي المصري – الفلسطيني رامي شعث، على قوائم الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات. ورامي شعث يحمل الجنسيتين الفلسطينية كون والده فلسطينيا، والمصرية كون والدته الراحلة مصرية. وكان رامي ناشطا فاعلا خلال ثورة 2011 ضد الرئيس المخلوع حسني مبارك، واعتقلته السلطات المصرية في القاهرة في 5 تموز/يوليو، وقامت بترحيل زوجته الفرنسية سيلين لوبران.
وجاء في بيان العائلة، أن السلطات المصرية اعتقلت «ابننا رامي في يوليو 2019 وهو مازال معتقلا في سجن ليمان طره. ونشر في بعض الصحف أن اسمه وضع على قائمة الإرهاب المصرية، بما يعنيه ذلك من منعه من السفر، ووضع اليد على ممتلكاته. وحاولت العائلة منذ اعتقاله الاتصال بالجهات المصرية المعنية للإفراج عنه من دون جدوى. ويواصل البيان: «وحاول مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وجهات رسمية دولية أخرى، ومؤسسات معنية بحقوق الإنسان، جميعها الإفراج عنه، أو على الأقل محاكمته محاكمة عادلة. ولا نفهم كيف كان يمكن لرامي القيام بالإرهاب وهو في سجن (طره) منذ تسعة شهور، من دون ذنب ولا محاكمة عادلة، ولا أي احترام لحقوق الإنسان. العائلة تخشى على حياته بعد انتشار وباء كورونا، حيث منعت السلطات المصرية زيارته بعدها». ويتابع البيان «إن ابننا رامي في سجون مصر ليس لتهمة لها علاقة بالإرهاب، وإنما لمطالبته بمقاطعة إسرائيل والترويج لذلك، وهو المنسق العام للحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها المعروفة عالميا بـ (BDS)، في القاهرة». وقال البيان، إن العائلة أبلغت بأن سبب احتجاز رامي هو مطالبته بمقاطعة إسرائيل وبضائعها في مصر، وأن ذلك يسبب مشاكل لمصر مع إسرائيل. شرحنا لهم أن حملة مقاطعة إسرائيل هي حملة سلمية للضغط على إسرائيل لإيقاف الاستيطان ولتنفيذ القرارات الدولية، ولهذه الحملة فروع في كل أنحاء العالم، بما فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وإسرائيل ذاتها»، ولكن ذلك وقع على آذان صماء.
وبالمناسبة، فإن (BDS) وهي المنظمة التي تخصص وزارة الشؤون الاستراتيجية في دولة الاحتلال لمحاربتها والقضاء عليها، مئات ملايين الدولارات وطاقما ضخما من أشهر المحامين الدوليين وماكنة دعاية غير مسبوقة، ورغم ذلك فشلت إسرائيل فشلا ذريعا في مخططاتها، حتى في الولايات المتحدة، حيث تنشط هذه الحركة بقوة، وحققت إنجازات كبيرة، لتجريمها، كما فشلت من قبل في بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ويذكر أن أول مشروع قانون قدمه بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني بعد فوزه الساحق في انتخابات كانون الأول/ديسمبر الماضي، هو مشروع ضد (BDS)، وهذا دليل آخر وقوي على مدى انزعاج، بل خوف إسرائيل من هذه الحركة، التي بدأت تكتسب زخما في الشارع الغربي، خاصة في أوساط الشباب، وهو الأهم، فالشباب هم قادة المستقبل، الذين لن يكون للدعاية الصهيونية والتلويح بمعاداة السامية والحديث عن الهولوكوست، وقع على آذانهم.
ومن عاصمة أم الدنيا إلى جدة، حيث اختلق النظام السعودي الجديد ممثلا بولي عهده محمد بن سلمان، مصطلحا جديدا في قاموس التهم السياسية العربية، إنها تهمة دعم كيانات إرهابية، وهو المصطلح الذي تستخدمه دولة الاحتلال ضد قطاع غزة، وعلى أساس هذا القانون، يحاكم النظام السعودي الجديد عددا من الفلسطينيين، ويوجد في المعتقلات السعودية أو في «ضيافة أمن الدولة السعودي»، منذ الرابع من نيسان/إبريل من العام الماضي في سجن ذهبان، نحو 60 فلسطينيا، بعضهم يحمل الجنسية الأردنية، يتقدمهم ممثل حماس السابق في الرياض الدكتور المسن المريض بالسرطان محمد صالح الحضري (82 عاما) الذي يعيش في السعودية منذ نحو 3 عقود، ويحمل الجنسية الكويتية أيضا، ونجله هاني المحاضر في جامعة أم القرى وغيرهم. وقد جرى تحويلهم جميعا إلى الدائرة الأولى في المحكمة الجزائية في الرياض، المختصة في النظر في محاكمة الموقوفين والمتهمين في قضايا الإرهاب، وتمويل المنظمات الإرهابية وقضايا الأمن الوطني والجرائم المرتبطة بها. وهذا يعكس منعطفا حادا في السياسة السعودية، بدأ بهجوم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للحركة قبل أكثر من عام، واتهم الحركة بـ«الإرهاب». ومكمن الخطر في الخطوة السعودية، ليس في حادث الاعتقال نفسه، وهذا يحصل عند الخلاف السياسي في بلدان كثيرة، خاصة في البلدان العربية، ولكن مكمن الخطر هو في التهمة الموجهة ضد هؤلاء، وهي تهمة دعم كيان إرهابي. والمقصود هنا طبعا سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة منذ الصراع، الذي حسم بانتصار حركة حماس عسكريا على السلطة، وفرض سيطرتها عليه منذ ما يقارب 13 عاما، من دون أن تلوح في الأفق احتمالات إنهاء الانقسام وتحقيق المصالح الفلسطينية، وتتحمل مسؤولية هذا الوضع الفصائل والحركات الفلسطينية كلها.
هذه الاتهامات تنطوي على مصادقة سعودية واضحة على سياسات دولة الاحتلال وعدوانها المستمر ضد قطاع غزة، وإن ما تقوم به دولة الاحتلال هو سياسة مشروعة، تأتي في سياق محاربة الإرهاب والدفاع عن نفسها، وهو ما كان يقوله وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن خليفة. وبسبب ضيق المساحة.
وأختتم بتنبيه، اليوم حركة حماس وغدا حركة الجهاد الإسلامي، ومن بعدهما الجبهة الشعبية، فالجبهة الديمقراطية حتى لا يبقى في الميدان سوى حركة فتح فتصبح لقمة سائغة، فينقضون عليها من كل حدب وصوب، وساعتها سنندم جميعا، حيث لا ينفع الندم وسنصرخ بأعلى صوتنا ولا من مجيب، ونقول: أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.
قوتكم في وحدتكم وتنظيم صفوفكم وحشد قوى شعبكم، وهذا هو الرد الحاسم على كل المؤامرات، فحققوا المصالحة وانهوا الانقسام الذي لم يعد مبررا في زمن صفقة القرن، وضم أكثر من 30% من أراضي الضفة بما فيها الأغوار التي تشكل السلة الغذائية للضفة.
(القدس العربي اللندنية)