مقابلات

"عربي21" تحاور أمين عام حزب "التقدم والاشتراكية" المغربي

بن عبدالله قال إن صفقة القرن لا تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني- عربي21
بن عبدالله قال إن صفقة القرن لا تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني- عربي21

صفقة القرن لا تستجيب لتطلعات الشعب الفلسطيني  

المغرب يستطيع المساعدة لإحلال السلام في ليبيا
انسحبنا من حكومة العثماني بسبب عدم انسجام مكوناتها
تعاملنا مع الإسلام السياسي في حكومة واحدة كان مثمرا
وجود ملكية برلمانية ساعد على نجاح الديمقراطية المغربية
النموذج التنموي الجديد بحاجة إلى انفراج سياسي
حراك الريف له أسباب اقتصادية وتنموية وأخرى تاريخية

 


مر حزب "التقدم والاشتراكية" في عهد نبيل بن عبد الله أمينه العام الحالي بمنعطفات حاسمة، وبخيارات سياسية غير مسبوقة، فلقد لعب دورا مركزيا في منع الحزب من الاصطفاف إلى جانب "حركة لكل الديمقراطيين" التي أسسها الوزير المنتدب في الداخلية حينها فؤاد عالي الهمة ورفعت شعار مواجهة الإسلاميين، وقاوم بشكل سياسي قوي الأساليب التي اعتمدها حزب "الأصالة والمعاصرة" في التحكم في الحياة السياسية.

اتخذ نبيل ين عبد الله خطوة غير مسبوقة حين قرر الدخول في تحالف مع الإسلاميين في حكومة ما بعد الربيع العربي 2012، وواجه انتقادات كثيرة من طرف قوى اليسار الذين استنكروا تحالف حزبين يختلفان في مشروعهما المجتمعي وفي مرجعيتهما الفكرية والقيمية.

ورغم تعرضه لانتقادات كثيرة جراء تحالفه مع حزب عبد الإله بنكيران، إلا أنه استمر بهذا التحالف طوال مدة حكومة الأخير. ومع استلام سعد الدين العثماني لرئاسة الحكومة قرر الانسحاب من التحالف مع حزب العدالة والتنمية، لأسباب سيشرحها في مقابلة موسعة مع "عربي21".

رئيس تحرير "عربي21" فراس أبو هلال التقى نبيل بن عبد الله في مكتبه بالعاصمة المغربية الرباط، وفتح معه ملفات سياسة حزبه الداخلية وموقفه ليس فقط من حكومة العثماني وتحديات التنمية المطلوبة مغربيا، وإنما أيضا قراءته لتجربة اليسار العربي وموقفه من الديمقراطية، ولتجربة تحالف حزبه مع الإسلاميين في حكومة بنكيران ثم العثماني.

ولأن المغرب يعتبر واحدا من الدول العربية الرئيسية ذات العلاقة بالتطورات التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا القضية الفلسطينية، بالنظر إلى رئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس للجنة القدس، فقد بدأنا الحوار معه من "صفقة القرن" والمواقف المطلوبة منها.

س ـ لنبدأ من التطور الأخير عربيا، والمتمثل في إعلان صفقة القرن، ما هو موقفكم من هذه الصفقة؟ وكيف تقيمون الموقف المغربي الرسمي منها؟


ـ الموقف المغربي الرسمي موقف نتفهمه، المغرب يوجد في موقع يناديه بأن يكون له دور إيجابي، دور الوساطة وعدم إغلاق الأبواب، خصوصا مع طرف أساسي بالنسبة لهذا الملف، ألا وهو الطرف الأمريكي.. وبالتالي أعتقد أنه موقف طبيعي من قبل السلطات الرسمية المغربية.

طبعا نحن متحررون أكثر كحزب، خصوصا ونحن ننتمي إلى المعارضة اليوم، ولذلك وفي سياق مواقفنا التاريخية منذ نشأتنا ودعمنا القضية الفلسطينية منذ 75 سنة نحن نؤكد على هذه المواقف.. نحن نعتبر أن ما سُمّي بـ "صفقة القرن" لا يستجيب أبدا لتطلعات الشعب الفلسطيني، ولا يستجيب أبدا لإمكانية أن يعم السلام المنطقة، ولا يلبي طموحات المنتظم الدولي وليس فقط الشعب الفلسطيني، في إقرار مبدأ حل دولتين مستقلتين تماما في إطار مبدأ الدولتين: دولة فلسطينية تنعم بكل حقوقها وبكل سيادتها ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.. هذه هي المبادئ التي تنص عليها عدد من المقررات الدولية، هذه مبادئ غير موجودة، هذه خطة تراجعية عما كانت عليه المخططات السلمية السابقة.

س ـ من موقعكم في المعارضة، هل تخططون لخوض أي مظاهر احتجاج ضد هذه الصفقة؟


ـ نحن سنرى كيف يتعين التعامل مع ذلك، بالطبع مع باقي الأطراف المغربية في الساحة التي تتخذ نفس هذا الموقف.

س ـ بالحديث عن الموقف المغربي الرسمي، وما قلت إنه تفهم لهذا الموقف، كيف تنظر لهذا الموقف تجاه الأزمات التي تحيط بالمغرب من كل الجهات، في ليبيا تونس والجزائر والسودان وغيرها؟


ـ المغرب ورغم كل الإشكاليات الداخلية، وهي موجودة في كثير من البلدان عبر العالم، هو بلد ينعم بالاستقرار.. والاستقرار قيمة وعملة نادرة اليوم خصوصا في منطقتنا، ولذلك يسعى المغرب الرسمي، ونحن معه، إلى أن يحافظ بداية على استقرار البلاد.

وبالطبع إذا كنا من دعاة التغيير والدمقرطة، ومن دعاة الإصلاح الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي، فإننا نعتبر أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في إطار بلد مستقر، بمعنى أن ما نراه في كثير من الدول الأخرى يرح سؤالا حول حظوظ التغيير اليوم في ليبيا أو حظوظ التغيير الديمقراطي أو البناء الاقتصادي والاجتماعي في سوريا أو حتى في العراق أو في اليمن؟ لذلك نحن لا نريد أن نصل إلى هذه المستويات، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار مسألة أساسية.. 

لذلك المغرب الرسمي عندما يرى ما يحدث عند الجارة الجزائرية، عندما يرى أن التجربة الديمقراطية التونسية تلاقي كذلك بعض الصعوبات، وإن كان ذلك في إطار الاستقرار، عندما يرى ليبيا بكل مخاطرها وبكل التدخلات الأجنبية بكل مستوياتها، عندما يرى ما يحدث في باقي الدول العربية الأخرى في سوريا والسودان والعراق ولبنان وغيرها، هناك حرص على أن يحافظ المغرب على استقراره، حتى يتمكن من خوض معركة التغيير الديمقراطي..

س ـ هل تعتقد أن المغرب يمكن أن يلعب دورا أكبر في الأزمة الليبية لمتابعة اتفاق الصخيرات؟

ـ مما لا شك فيه أن المغرب يمكن أن يكون له دور في ذلك، لماذ؟ لمسألة أساسية، المغرب يوجد في الجوار ولكن ليس في الجوار المباشر، نحن لسنا في وضع تونس والجزائر ومصر ووضع حتى السودان وغيرها من الدول التي توجد في تلاقٍ مباشر مع الحدود الليبية وبالتالي مع الأزمة الليبية في كل تجلياتها.. لكن هذا الأمر يشكل بالنسبة إلينا أولوية في النهاية، ونحن معنيون بما يجري، لأن ليبيا تنتمي للمغرب الكبير، وتنتمي إلى نفس الفضاء في شمال إفريقيا وفي هذا الجزء من العالم العربي، وربما دور المغرب سيكون إيجابيا لأننا لسنا مع أي طرف ليبي، ولا ندعم طرفا على حساب طرف آخر، ما يهمنا هو مصلحة ليبيا، والدور الذي كان للمغرب في اتفاقية الصخيرات دليل على ذلك.

وكما سبق للمغرب أن أكد، نحن ضد جميع التدخلات الخارجية، لأن كل التدخلات الأجنبية تجعل من ليبيا معتركا لصراعات غريبة عن الشعب الليبي ولا علاقة لها بمصلحته، ولذلك فدور المغرب قد يكون إيجابيا في الوصول إلى حل، ومصداقيته موجودة لدى جميع الأطراف الليبية أكثر مما هو الحال بالنسبة لأطراف أخرى.

س ـ مغربيا، ربما يكون الحدث الأهم في الفترة السابقة، هو انسحابكم من الحكومة، ما هي الأسباب التي دعتكم إلى هذا الانسحاب بعد سنوات من المشاركة في الحكم؟


ـ تربيتنا في حزب التقدم والاشتراكية وأنا شخصيا أفضل الحديث في القضايا الداخلية مع وسائل إعلام وطنية، لكن بسرعة أجيبك على السؤال. 

هذا الأمر مرتبط أساسا بأننا نعتبر بأن الحكومة الحالية التي كنا طرفا فيها لم تعد منذ مدة في الواقع ومنذ نشأتها منسجمة، وحكومة تلبي انتظارات الشعب المغربي في التغيير وفي مواصلة مسار الإصلاح.. حاولنا كثيرا أن نوفق بين حزب العدالة والتنمية بصفته الحزب المسير لهذه التجربة الحكومية من خلال رئيس الحكومة ممثلا في الدكتور سعد الدين العثماني، وبين تكتل في الواقع يضم أربعة أحزاب أخرى، وكنا طرفا مستقلا عن الجميع، وهذا التيار يقوده عزيز أخنوش وزير الفلاحة الحالي.

قلنا إنه لا يمكن لحكومة كيفما كان الحال أن تستمر على هذه الحال وأن تظهر للشارع المغربي فقط ما هو خلافي ومرتبط بنزاعات داخلية، وكثيرة هي الأمثلة التي دلت على ذلك في الفترة الأخيرة، ونبهنا مرة وثانية وثالثة ورابعة وخامسة ولم نصل إلى نتيجة. ثم جاء خطاب ملكي أساسي وهو خطاب العرش، وهو أهم خطاب في السنة بالنسبة لخطب الملك، وأكد على أن هناك انتظارات شعبية، وعلى أن هناك ضرورة لإصلاح المسار الاقتصادي من خلال إعطاء نفس جديد للاقتصاد الوطني ليكون قادرا على خلق ثروات وتوزيع هذه الثروات بشكل عادل، لأن هناك جهات، وأقاليم، ومناطق بكاملها وفئات شعبية بكاملها لم تر ثمار هذا التغيير الذي حصل في المغرب. 

حصل تغيير في المغرب خلال العقدين الأخيرين، وكان هناك تطور ظاهر للعيان في كثير من التجهيزات والبنيات التحتية وكثير من القطاعات، لكن هناك استمرار لبعض المظاهر المرتبطة بالفقر وبالتهميش وبالإقصاء وبالبطالة والعطالة في أوساط الشباب وغير ذلك من المشاكل، ومستوى التطور بين الأقاليم ليس متساويا، وعلى هذا الأساس كان هناك تأكيد في هذا الخطاب على ضرورة أن يكون هناك تعديل حكومي لإعطاء نفس جديد لهذه الحكومة، عندما جئنا لمناقشة هذا الأمر وجدنا فقط حسابات رقمية حول عدد الحقائب لهذا الحزب أو ذاك، وكنا من الذين قالوا بأنه لا يمكن أن نناقش الأمور هكذا، علينا أن نرى ما هي السياسة التي ستتبعها هذه الحكومة بداية، ثم كيف يمكن أن يكون هناك انسجام بين أطراف هذه الحكومة.. فلا هو تم تحديد هذه السياسة الجديدة إلى يومنا هذا ولا هناك انسجام جديد بين مكونات هذه الحكومة، وعلى هذا الأساس اعتبرنا بأنه لا يمكن أن نستمر في هذه الحكومة وأن نتحمل أعباء ردود فعل سلبية كثيرة موجودة في المجتمع.. 

س ـ هل هذا يعني نهاية عهد التحالفات بين التيار الإسلامي وبقية التيارات ومنها اليسارية، وهي تحالفات عُرفت بها التجربة المغربية في السنوات الأخيرة؟

ـ ستظل آثار هذه التجربة من التحالفات ستظل مرسومة في التاريخ وموشومة في التاريخ السياسي المعاصر خصوصا بالنسبة لمنطقتنا العربية. ليس من السهل أن تجد هكذا تيارا ينتمي للإسلام السياسي وتيارا بأصول اشتراكية عميقة إن لم تكن شيوعية أصلا بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية يتعاملان فيما بينهما. تعاملنا بالفعل لمدة سنوات وكان تعاملنا مثمرا، ليس فقط على مستوى بعض الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، الأهم من ذلك هو أنه أعطينا الدليل بأن تجربة ديمقراطية حقيقية وفي إطار المؤسسات الديمقراطية القائمة بإمكانها أن تحتضن هذه التجربة بالنسبة لبلد عربي مسلم، طبعا المغرب كذلك له أصول أمازيغية وجذور أخرى، بالنسبة لبلاد تنتمي لهذه المنظومة أن تكون تجربة من هذا النوع عسى أن تستفيد دول أخرى من ذلك، وأن لا يكون هناك تباعد وتطاحن، مطلقا بين هذه الجهات.. هذا تعبير عن نضج سياسي.

س ـ ما الذي جعل المغرب مختلفا لينجح بهذه التجربة على خلاف بعض الدول العربية الأخرى؟


ـ أعتقد أن من نقاط القوة بالنسبة للمغرب أن هناك مؤسسة تلعب دورا أساسيا في الحفاظ على الثوابت الأساسية للبلاد، وهي المؤسسة الملكية، بمعنى أن هذا الأمر يمكّن المغرب بأن تكون له مرجعيات واضحة على مستوى ما يضمن استقرار البلاد والمصلحة العليا لها، ما يضمن الممارسة السليمة للدين الإسلامي دون تعصب ودون تطرف ودون ميول لتجاوز هذه المرجعيات، لأن هذا الأمر يؤدي إلى نتائج عكسية في كثير من الدول الأخرى. بمعنى أن الإسلام جزء منا ولا يمكن إلى حد الآن لأي كان أن يمارس السياسة دون أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار.

في إطار هذا الاحتضان يمكن للصراع أن يتم طالما أن الجميع متفق على شيء، لا أحد ينازع في طبيعة النظام، الجميع ملتف حول أن المغرب، هو بلد فيه ملكية برلمانية دستورية ديمقراطية اجتماعية، ولذلك كل من يقبل ذلك ويعمل في إطاره يمكن أن تحتضنه التجربة الديمقراطية.

س ـ هل تعرضتم إلى ضغوط من أجل البقاء الحكومة؟


ـ لا، لم تكن هنالك أية ضغوط، كانت هنالك اتصالات كثيرة بما في ذلك مع العدالة والتنمية لمدة شهور، كانت لنا اتصالات، وفي شهر أيلول (سبتمبر) الماضي عقدت شخصيا أربعة أو خمسة لقاءات مع الدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة في إطار جو أخوي ودي، لكننا لم نصل إلى ما يمكن أن يشكل جوابا مقنعا بالنسبة إلينا، ولذلك اتخذنا هذا القرار. بالطبع نمارس اليوم المعارضة، لكن هذا لا يعني أننا ضربنا عرض الحائط العلاقة التي تربطنا بحزب العدالة والتنمية، وبأنه في سبيل الإمكان أن نتعامل غدا إن دعت الضرورة إلى ذلك.

س ـ هل يعمل حزبكم على الفوز بأغلبية في الانتخابات المقبلة، أم أنك تعتقد بأن المعارضة هي المكان الأسلم لحزبكم؟


ـ أبدا، نحن بالطبع حزب سياسي، ودور الحزب السياسي الذي يؤمن بالمؤسسات وبالنضال الديمقراطي وبما نسميه نحن بالنضال الجماهيري مع الناس في قضاياهم وتعبيراتهم المختلفة، من يؤمن بذلك عليه أن يكون مقتنعا بأن مكانة الحزب الطبيعية هي في الحكم، وفي ممارسة السلطة من أجل تمكين فئات شعبية مختلفة، من فوائد هذه المشاركة. أما المعارضة من أجل المعارضة فلا فائدة فيها.

لذلك إذا توفرت الشروط من أجل عودتنا إلى الحكومة، سنعود إلى الحكومة في أقرب وقت ممكن. لكن يتعين أن يكون ذلك في إطار شروط، ومن ضمنها أن نقتنع بأن هناك نفسا إصلاحيا جديدا، ونتمنى أن تتأكد بوادر هذا النفس الإصلاحي لتكون الطبقة السياسية قادرة على تجاوز ما يحدث عالميا، ولكن يحدث بشكل أقوى في المغرب، هناك تباعد اليوم أكثر فأكثر بين السياسيين وبين المؤسسات وبين الأحزاب السياسية وبين عموم المواطنات والمواطنين، بمعنى أن هناك تعبيرات جديدة مباشرة في شبكات التواصل الجتماعي، نجد ذلك في كثير من الدول هذه الأزمة التي أعنونها شخصيا بأزمة السياسي وليس بأزمة سياسية، أزمة سياسي أو أزمة الفضاء السياسي أو العمل السياسي، أي ربما أن المستقبل سيأتي لنا بمظاهر جديدة للتمثيلية السياسية بشكل مختلف، وعلينا نحن كأحزاب خصوصا بالنسبة للمغرب أن نكتشف هذه الفضاءات، وأن نجد الصيغ الجديدة لإقناع المواطنات والمواطنين بضرورة السياسة وبضرورة الفعل السياسي وبضرورة التمثيلية السياسية.. 

لذلك أعتقد بوجود فراغ اليوم ناتج عن ممارسات معينة، والمغرب كذلك يعاني من فراغ سياسي، الفراغ قاتل كيفما كان.. الديمقراطية لا يمكنها أن تتقدم إلا بملء الفراغ.

س ـ كحزب سياسي يساري له جذور شيوعية كيف تقيمون الإصلاح الذي جرى في المغرب بعد عام 2011 والدستور الجديد وتأثيره على الطبقات المهمشة؟

ـ كما الشأن بالنسبة لكل التجارب هناك نقاط إيجابية، وهناك نقائص أو سلبيات. المغرب استطاع حتى قبل 2011، منذ اعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس العرش سنة 1999، استطاع أن يتقدم كثيرا في العديد من المجالات. 

الجميع يشهد لهذه التجربة بنجاحاتها على مستوى إصلاح الفضاء السياسي، على مستوى تقديم مسيرة حقوق الإنسان، وحقوق المرأة خاصة من قبل الرفع من قيمة مبدأ المساواة في بلادنا وإعطاء مكانة أرقى للمرأة، إن كنا لم نصل إلى كل النتائج المرجوة على هذا المستوى، الجميع يشهد لهذه التجربة بإصلاح للشأن الديني من أجل ضمان ممارسة دينية معتدلة تجعل المغرب منأى عن كل التعبيرات المتطرفة، بل والتعبيرات الإرهابية، التي يمكن أن تهدد استقرار البلاد.

الجميع يشهد لهذه التجربة بإصلاحات بنيوية على المستوى الاقتصادي، وجه المغرب عام 1999 ليس هو وجه المغرب الآن، من يدخل المغرب عبر بوابة طنجة يشاهد كيف أن المغرب تحول كثيرا بطرق سيارة وبموانئ حديثة ومطارات حديثة وبكثير من التجهيزات.

 

المغرب تقدم مما لا شك فيه، هناك قطاعات صناعية والمناطق السياعية المختلفة والمناطق الحرة، والإنتاج الصناعي المغربي في قطاعات رائدة مثل السيارات والطائرات والإلكترونيك وكثير من القطاعات الأخرى المغرب تقدم على هذا المستوى.

اجتماعيا هناك أخذ بعين الاعتبار للشأن الاجتماعي، المطالب الاجتماعية في المغرب كثيرة، وأخص بالذكر مسألة التغطية الصحية الشاملة. المغرب قطع أشواطا على هذا المستوى، أو المبادرة التنموية أو غيرها، هذه نقاط لا يمكن لأحد أن يجادل في أن المغرب استطاع أن يخطو خطوات إيجابية فيها، حتى المسألة الثقافية، حتى النقاط الخلافية التي كانت موجودة مثلا في المسألة اللغوية، ومكانة اللغة الأمازيغية مقارنة مع اللغة العربية، هذه كلها أمور استطاع المغرب تحقيق إنجازات فيها، ودستور 2011 كرس ذلك بشكل واضح.

بالطبع هنالك سلبيات، السلبيات هي نوع من التردد في المضي قدما في التجربة الديمقراطية، السلبيات هي عدم قدرة الاقتصاد الوطني على إنتاج ما يكفي من الخيرات، النسيج الاقتصادي المغربي لم يصل إلى مستوى راق جدا من القوة والقدرة الإنتاجية، والدليل على ذلك هناك اعترافات رسمية على هذا المستوى، بأن اتفاقيات التبادل الحر، التي ربطها المغرب بكثير من الدول: الولايات المتحدة الأمريكية كندا طبعا الاتحاد الأوروبي مصر تركيا الأردن تونس، وغيرها من الدول، هذه الاتفاقيات عموما أدت إلى نتائج ليست في صالح الاقتصاد الوطني، بما يدل على نوع من الضعف للاقتصاد الوطني.

القضايا الاجتماعية ربما إذا كانت هناك نقائص تستمر بشكل كبير، هو أنه رغم كل هذه المجهودات، هناك استمرار لمظاهر الفقر والإقصاء، هناك استمرار لظاهرة البطالة خاصة في أوساط الشباب، هناك عدد من المناطق التي لم تتقدم في أقاليم نائية بنفس القدر الذي لاحظناه للتقدم في أقاليم أخرى، وبالتالي ونحن وبدعوة ملكية بصدد مناقشة النموذج التنموي الجديد، الذي يمكن للمغرب أن يعتمد عليه، نحن من الأحزاب التي اعتبرت أن هناك ضرورة للقيام بمراجعة للوضع في إطار هذا المسلسل التنموي، أن نضع الإنسان في صلب هذا الإصلاح.

س ـ في هذا الإطار، ربما يمكن اعتبار حراك الريف نوعا من الاحتجاج على غياب التنمية في بعض المناطق؟


ـ هذا تعبير من دون شك، ناتج له أسباب تاريخية، لأن هذه منطقة عانت كثيرا في فترة ما قبل 40 أو 50 سنة من علاقات متوترة مع المركز، ومع السلطة المركزية في المغرب، وهذا الأمر ترك آثارا، ثم المسألة الهوياتية ظلت مطروحة بالنسبة لهذه المنطقة، التي هي منطقة أمازيغية أصلا، وجل المواطنين الموجودين في هذه المنطقة يتكلمون اللغة الأمازيغية، وهي اللغة الأم بالنسبة لهذه المنطقة، ثم هنالك أسباب مرتبطة بأن المنطقة هي منطقة جبلية وعرة، والتغيير أو الإصلاح الاقتصادي لم يصل بنفس الدرجة، هذه من المناطق التي لم تنعم بنفس الخيرات على الرغم من المجهودات المبذولة خلال العشرين سنة الأخيرة، وكانت هناك مجهودات كبيرة بذلها المغرب على هذا المستوى.. 

وبالتالي هذا ما طفا على السطح وأدى إلى هذه التعبيرات التي اختلطت فيها كل هذه العناصر، بمعنى لم تكن تعبيرات خبزية فقط مرتبطة بالمصلحة الاقتصادية الاجتماعية الصرفة، لكنها تغذت بمسائل هوياتية وبمسائل تاريخية وترسبات كثيرة أدت إلى ما أدت إليه.

لذلك نحن نعتبر بأن المغرب إذا أراد أن يباشر هذا النموذج التنموي الجديد، عليه أن يحدث نوعا من الانفراج.

س ـ هل هناك خطوات تمت في مسار الانفراج؟


ـ تمت خطوات أولية، نتمنى أن تستمر هذه الخطوات للتمكن من حشد كل الطاقات الوطنية في المسار التنموي الذي نطمح إليه. علينا أن نعود إلى جو سياسي يساعد على أن نشرع في نموذج تنموي جديد، والمدخل إلى ذلك والمخرج كذلك هو الديمقراطية.

ونحن أكدنا في خلاصتنا على هذا المستوى بأنه في جميع الحالات هناك ضرورة لانفراج سياسي في البداية، وهناك ضرورة للرقي بالأوضاع السياسية وبالأوضاع المؤسساتية وبمكانة الأحزاب عموما عسى أن تكون كذلك هذه الأحزاب، ونحن منها، قادرة على ملء الفضاء السياسي.

س ـ كيف تقيم أداء الأحزاب في ضوء ما تفضلت به؟


ـ التطورات التي عرفناها في السنوات الأخيرة ربما ساهمت بشكل أساسي في هذا الفراغ السياسي الذي نحياه، ويتفق الجميع اليوم على أنه يجب أن نقارب البناء السياسي والمؤسساتي في بلادنا بشكل مغاير. هذا الأمر لا يمكن أن يتم فقط بناء على إرادة للدولة، هذا الأمر يتعين أن ينطلق من هذه الإرادة، وأن تكون هناك خطوات من ضمنها الخطوات المؤدية إلى الانفراج في الساحة السياسية، في الساحة المطلبية، في الساحة الإعلامية، ولكن كذلك علينا أن نؤكد على أن الأحزاب، خصوصا تلك التي لها جذور تاريخية في المغرب، فرطت بعض الشيء في صلابة صفوفها، وفي متانة وجودها، وفي دفاعها عن استقلالية قرارها، وبالتالي عليها أليوم أن تعود إلى الواجهة أكثر لأن مصداقية الفضاء السياسية تبنى على مصداقية الأطراف السياسية الفاعلة في هذا الفضاء.

لذلك جميل أن تكون للدولة اليوم إرادة في إصلاح ما ضاع على هذا المستوى، لكن الأجمل هو أن تكون الأحزاب السياسية مقتنعة بأن عليها أن تعود لملء الفراغ، ولربط علاقات جديدة مع المواطنات والمواطنين، ولتجاوز أزمة الثقة الموجودة اليوم، إزاء الممارسة السياسية، وشغلنا الشاغل في حزب الديمقراطية والاشتراكية، ونحن في المعارضة اليوم، هو أن نكون مساهمين في هذا الأمر، وسنطلق سلسلة من المشاورات ليس فقط مع الأحزاب السياسية، بل سنعمل على إطلاق سلسلة من المشاورات مع كل الفاعلين، في الساحة الحقوقية، في الساحة المطلبية الاجتماعية المطلبية الاقتصادية، في ساحة العمل الاجتماعي بمختلف تلويناته، في ساحة الجمعيات التي لها اهتمامات مؤسساتية سياسية، وسنلتقي مع شخصيات لضخ هذا النفس الجديد، من أجل أن تسود من جديد هذه الروح الإيجابية.

س ـ بالحديث عن الروح الإيجابية والعلاقة مع الأحزاب، كيف تقيمون العلاقة مع الأصالة والمعاصرة؟


ـ عندما تطلب الأمر أن نقول كلمتنا في الموضوع، قلنا ذلك وأدينا الثمن على ذلك. اليوم أعتقد أن هناك إفرازات من داخل هذا الحزب تقر بما كنا نقوله. طبعا نحن لم ننازع أبدا في وجود هذا الحزب، بل أكدنا أن ذلك يدخل في إطار الحرية وفي إطار الممارسة الديمقراطية السليمة، لكن كنا ننازع في شيء، وهو أن يكون هذا الحزب متدخلا في شؤون الأحزاب الأخرى، وأن يكون بشكل ما مدعوما، هذا أمر غير سليم بالنسبة للتجربة الديمقراطية المغربية.

اليوم هنالك أصوات من داخل الحزب تقول ذلك وهي تنافس على الأمانة العامة للحزب، فنحن نحترم استقلالية قرار هذا الحزب ونحترم الصراعات الداخلية له.. وما أتمناه أن يكون لهذا الحزب، وهو موجود في الساحة اليوم، أن يكون له إسهام في البناء الديمقراطي السوي الذي نطمح إليه.

س ـ كحزب يساري، هل هناك محاولات لتشكيل تحالف يساري انتخابي؟


ـ هذا أملنا منذ أكثر من خمسين سنة، حزب التقدم والاشتراكية كان دائما منذ نشأته، ينادي إلى توحيد القوى الوطنية والديمقراطية، ثم بعد ذلك تحول بعض الشيء هذا الخطاب في الستينيات لنتكلم عن جبهة تقدمية، بمعنى يسارية عمليا، آنذاك كان الأمر يتعلق بحزب التقدم والاشتراكية الحزب الشيوعي يومها وبالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي انفصل عن حزب الاستقلال، ثم انفصل الاتحاد الاشتراكي في بداية السبعينيات عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وواصلنا مسارنا للتعبير عن رغبتنا في وحدة حقيقية للقوى اليسارية.

مع الأسف ما حدث هو أنه منذ الستينيات تأزمت الأوضاع أكثر بحيث أن اليسار عرف انقسامات كثيرة، وتكون عدد كبير من التيارات السياسية ومن الأحزاب، البعض منها كان يرفض أن يدخل للمؤسسات، وأن يدخل للصراع الديمقراطي الداخلي، وكان يطالب بديمقراطية مثلى كاملة قبل أن ينخرط، ثم تحول وقبل بأن ينخرط في هذا العمل الديمقراطي مع نقائصه، واليوم مع الأسف ليس هناك بوادر تدل على أنه بالإمكان أن نصل إلى هذه النتيجة، لكن نحن نظل متشبثين بهذا الأمر سواء مع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي نكن له كحزب احترما كبيرا منذ زمن بعيد ولم نخلف الموعد في أي فترة من الفترات رغم بعض التصرفات التي كانت تضر بحزب التقدم والاشتراكية، لكن بالإمكان أن نشتغل مع بعض الفصائل اليسارية الأخرى التي تعتبر نفسها راديكالية أكثر من حزب التقدم والاشتراكية عسى أن تكون هناك إرادة حقيقية في أن نتوجه معا إلى المستقبل وأن نأخذ يعين الاعتبار الواقع السياسي الجديد، وانتظارات المواطنات والمواطنين.. ويجب أن نكون واعين للتغيرات التي حصلت على العلاقة بين المواطن المغربي، وبين الشاب بالخصوص وبين التعبيرات السياسية المختلفة، ونقصد به التحول الهائل الذي يجعل من كل مواطن اليوم عبر جهازه الهاتفي أن يتواصل بشكل مباشر، ولا حاجة له لمن يعبر عن ذاته وعن طاقته دون وسيط سياسي. إما أن نكون في الموعد للالتصاق بهذه التغيرات المفاهيمية العميقة الموجودة اليوم وإما سيتجاوزنا الزمن وستفرز هذه الحركية تعبيرات أخرى لن نكون قادرين أن نتفاعل معها بالشكل الإيجابي.    

س ـ ختاما كجزء من العائلة اليسارية في العالم العربي، كيف تقيم موقف اليسار العربي من الديمقراطية؟ هل أصبح خارج الزمان؟


ـ عموما وفي غالبية الدول العربية اليسار الذي ينتمي فعلا لليسار، له مواقف حقيقية دالة على تقدميته ودالة على تشبثه بالمرجعيات الأساسية، وعلى هذا المستوى عانى هذا اليسار كثيرا.

يتعين علينا أن لا ننسى بأنه وفي غالبية الدول العربية، هناك قمع شرس مورس على هذه التيارات اليسارية، وكانت هذه القوى تجد صعوبة حقيقية في الوجود أصلا وليس فقط في التعبير، وجل هذه التيارات اليسارية الحقيقية كانت ممنوعة في كثير من هذه الدول، وعاشت ذلك وبالنسبة لبعض الدول يستمر الأمر إلى يومنا هذا.. ولذلك مع الأسف لم يسنطع اليسار العربي عموما أن يفرض ذاته وأن يفرض نفسه، اللهم إذا استثنينا بعض التجارب التي تقدمت تحت غطاء القومية العربية سواء في سوريا أو العراق أو مصر على وجه الخصوص. ولكن لم يكن هناك فرصة ممكنة ليسار حقيقي حديث منفتح على الكون وعلى المجتمعات العالمية وينهل ليس فقط من مرجعية ماركسية لكن كذلك مما يحدث عبر العالم. واليوم لنا تنسيق مع يساريين عرب على مستوى تجمع يسمى اليسار العربي، لكن في نفس الوقت التعبيرات الموجودة على مستوى هذا اليسار العربي، يظل نفوذها على مستوى الدول ضعيفا.

س ـ ألا تعتقد أن موقف اليسار العربي من الديمقراطية موقف مشكل بحد ذاته؟ 

 

ـ عموما كثير من الحركات اليسارية العربية، وربما بالنسبة لبعض الحركات على مستوى العالم في أمريكا اللاتينية أو في آسيا وفي بعض الدول الأخرى، كثير من هذه الحركات لم تعط للمسألة الديمقراطية ولمسألة الحرية الأهمية الضرورية. كانت هناك تعبيرات تناهض أنظمة قائمة، وتطالب بالعدالة وبتحرير الشعوب، وباستقلال الدول، لكنها لم تهتم بالشكل الكافي بحرية الأفراد والجماعات وبالمطالبة بمجتمع ديمقراطي حقيقي. وقد بدأ الاهتمام بهذا الأمر في السنوات الأخيرة، سنوات قليلة قبل الربيع العربي، ومنذ الربيع العربي.. بمعنى وضع المسألة الديمقراطية كأولوية لم يكن موجودا بالشكل الضروري.. 

في تجربتنا نحن في حزب التقدم والاشتراكية، نحن جزء من المؤسسات المغربية، ولنا مسار وشاركنا في الحكومة لأزيد من عشرين سنة، وتكيفنا مع الواقع المغربي، واستطعنا أن ندخل هذا الواقع، واستفدنا كذلك من انفتاح النظام المغربي النسبي في فترة ما.. منذ حصول المغرب على الاستقلال، وخصوصا منذ أواسط السبعينيات انفتح النظام المغربي على باقي التنظيمات المعارضة، وهذا الأمر جعلنا كذلك نقوم ببعض الإصلاحات المفاهيمية، وببعض المقاربات المتكيفة مع الواقع الجديد، وهذا الذي يفسر استمرارنا إلى يومنا هذا..

بعض الحركات اليسارية في العالم العربي لم تقم بذلك بالشكل الكافي، لكن يتعين الإقرار بأن الواقع الذي كان سائدا في كثير من الدول العربية لم يساعد هذه الحركات على القيام بذلك.

التعليقات (0)

خبر عاجل