هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تم إجراء الانتخابات البرلمانية في إيران يوم الجمعة 21 شباط/فبراير 2020 لانتخاب ما يعرف إيرانيا بـ "مجلس الشورى الإسلامي" وهو البرلمان المنوطة به السلطات التشريعية في الجمهورية الإسلامية في إيران، وسيكون يوم 18 نيسان/ أبريل المقبل موعدا لإجراء الجولة الثانية من الانتخابات إذا اقتضت الحاجة.
وقد تمت العملية الانتخابية التي سجل
فيها 56 مليون ناخب إيراني لانتخاب مرشحيهم من بين أكثر من 7 آلاف مرشح للتنافس
على 290 مقعدا نيابيا في البرلمان تتوزع على 208 دائرة انتخابية في المحافظات حسب
نسبة السكان. علما أن أكبر الدوائر الانتخابية هي دائرة العاصمة طهران، وحصتها
30 مقعدا، تليها تبريز بستة مقاعد، ثم مشهد وأصفهان ولكل منهما خمسة مقاعد، ثم
شيراز لها أربعة مقاعد، ولأغلب الدوائر الباقية نائب واحد فقط.
ونستطيع أن نصنف البرلمان الإيراني بأنه من
النوع المكون من غرفة واحدة فـ "مجلس الشورى الإسلامي" هو الجهة التي نص
عليها الدستور الإيراني على أنها السلطة التشريعية، وينتخب هذا المجلس بالاقتراع
السري المباشر، ويمارس أعماله التشريعية والرقابية لمدة أربع سنوات، ولا يحق له أن
يسن القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للبلاد أو المغايرة للدستور،
وقد زيد عدد مقاعد البرلمان في عام 2000 لتصبح 290 مقعدا بعد أن كانت 272 مقعدا.
أما "مجلس صيانة الدستور" فهو نوع
المؤسسات الدستورية التي تمارس مهام مشابهة لعمل مؤسسات "المحكمة الدستورية"
أو "المجلس الدستوري" أو ما شابه ذلك في الدول الأخرى، ووظيفة هذا
المجلس الأساسية هي الإشراف على عمل البرلمان، علما أن جميع قوانين البرلمان يجب
أن تحصل على موافقة هذا المجلس قبل اعتمادها.
ويتكون "مجلس صيانة الدستور"
من اثني عشر عضوا، ستة أعضاء منهم من الفقهاء في المذهب الجعفري والخبراء في
القانون الإسلامي، ويتم تعيينهم مباشرة من قبل الولي الفقيه "مرشد الجمهورية ".
أما الستة أعضاء الآخرين فهم من القانونيين ذوي الخبرة ويتم ترشيحهم من قبل رئيس
السلطة القضائية والتصويت عليهم من قبل أعضاء البرلمان.
هيكلية العملية السياسية
قد تبدو الحياة السياسية الإيرانية ذات مسارات
ديمقراطية حداثية، وذلك لاحتوائها الآليات المعروفة والمعمول بها في الديمقراطيات
الغربية، وأهمها الأحزاب والانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، لكن ما يجب
أن نؤشره، أن النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية قد صمم بصرامة تجعله رهن
ديكتاتورية ثيوقراطية، يتمتع فيها مرشد الجمهورية المعروف بالولي الفقيه، بمطلق
السلطات التي تؤهله للإمساك بأغلب، إن لم نقل كل خيوط اللعبة السياسية.
ومع وجود البرلمان ومؤسسة رئاسة الجمهورية،
إلا أن الانتخابات الإيرانية لا تفرز تداولا سلميا للسلطة بين تيارات وأحزاب سياسية
متنافسة على أساس برامجها المتنوعة كما هو الحال في دول العالم الديمقراطية، إذ إن
الولي الفقيه يتربع على عرش هرم السلطة الإيرانية مدى الحياة وبصلاحيات واسعة، فقد
نصت المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمة في "ظل استتار
الإمام" تؤول إلى أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة، ليدير شؤون البلاد وفق ما
جاء في المادة (107) من الدستور، ويفوض الدستور المرشد الأعلى الاضطلاع بمسؤولية
القائد العام للقوات المسلحة، وإعلان الحرب، وتعيين وعزل كل من نصف أعضاء مجلس
صيانة الدستور البالغ عدد أعضائه 12 ورئيس السلطة القضائية، ورئيس مؤسسة الإذاعة
والتلفزيون، والقائد الأعلى لقوات الحرس الثوري، والقيادات العليا للقوات المسلحة
وقوى الأمن.
ولدت ظاهرة تنافس الإصلاحيين
والمحافظين التي تشهدها الحياة السياسية في إيران اليوم بعد وفاة الولي الفقيه
الأول الخميني وتولي خلفه الخامنئي سدة ولاية الفقيه نهاية الثمانينيات، وقد أصبح
التنافس حينها بين تيارات سياسية هي في الأغلب خارجة من عباءة الحزب الأكبر "حزب
جمهوري إسلامي" ولعبت شخصيات بارزة قادمة من حقبة الخميني أدوارا وصفت لاحقا
بالإصلاحية، وربما كان أشهر هذه الشخصيات هاشمي رفسنجاني وعدد من قيادات
الإصلاحيين مثل محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي، وكل هذه الشخصيات كانت قد
تسمنت مناصب رسمية مهمة في ظل النظام السياسي الثيوقراطي الحاكم.
لكن بات التمييز بين التيارين قائما على أساس
منح الإصلاحيين بعض التسامح في تفاصيل الحياة اليومية، مع القبول ببعض الانفتاح
على القيم التي كانت محاربة في بداية سيطرة الإسلاميين في إيران، بينما التيار
المتشدد أو المحافظ هو الأكثر تزمتا في التعاطي مع كل هذه التفاصيل بالإضافة إلى
تسويقه خطابا عنيفا قائما على التحريض على ما يسميها قوى الاستكبار العالمي وفي مقدمتها
الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل.
هذا التصميم جعل تقسيم وفرز الحياة السياسية
بشكل واضح في إيران صعبا، إذ لا توجد محددات واضحة للفرز بين التيارين الإصلاحي
والمحافظ، كما أن كل تيار يحوي طيفا متدرجا من التشدد أو التسامح. وقد تمثل تنافس
الإصلاحيين والمحافظين في الانتخابات الحالية بين ائتلاف المحافظين بقائمتهم
الموحدة التي دمجت بين قائمتي القوى الثورية وجبهة الصمود، اللتين توصفان بأنهما
جناحا التيار المحافظ في البلاد بقيادة عمدة طهران الأسبق محمد باقر قاليباف،
بمواجهة لائحة لحزب كوادر البناء وأخرى لتحالف ثمانية أحزاب إصلاحية من جهة
أخرى. ويبدو أن الولي الفقيه ومؤسسته تحاول أن تلعب دورا موازنا بين الطرفين،
فنراها تدعم الإصلاحيين مرة، وتدعم المحافظين مرة، حسب رؤية المرشد للمصلحة
العامة، لكنه في الأغلب أقرب للمحافظين في توجهاته الاجتماعية والسياسية.
ماذا حدث في انتخابات 2020
الانتخابات التي خاضها الإيرانيون في 21
شباط/فبراير جاءت في ظل أزمات اقتصادية خانقة يعيشها المواطن نتيجة حزم العقوبات
التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، كما أن شعبية التيار الإصلاحي قد تراجعت بشكل
كبير نتيجة الفشل الذي منيت به حكومة روحاني في تنفيذ وعودها التي قدمتها في
انتخابات الرئاسة عام 2013 وعام 2017.
فقد كان أمل الإيرانيين معلقا على تحقيق
الانفراج الذي ربط بنجاح مفاوضات البرنامج النووي الذي حقق فيه روحاني وحكومته
نجاحا ملموسا في البداية، وانهالت على أساس ذلك الوعود الاقتصادية بالانفراج بعد
عقود من العقوبات الاقتصادية، والوعد بإطلاق الأموال الإيرانية المجمدة في
الولايات المتحدة الأمريكية، التي كان من المؤمل أن تسهم في إطلاق نهضة اقتصادية
مميزة، لكن كل ذلك اصطدم بصخرة فوز ترامب في الانتخابات، ومن ثم انسحابه من
الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018 وإطلاقه حزم العقوبات التي تحاول الوصول إلى
تصفير تصدير البترول الإيراني، ما يعني إسقاط النظام الحاكم في طهران.
ولم تقف الأزمة عند هذا الحد، بل تطورت إلى
تصعيد عسكري وتهديد بنشوب حرب إقليمية بين الطرفين، وشمل الأمر اغتيال قائد إيراني
مهم هو الجنرال قاسم سليماني، ورد الإيرانيون بدورهم بقصف مقر الجنود الأمريكيين
في قواعد عراقية، لتأتي أزمة إسقاط الطائرة الأوكرانية في أجواء طهران لتزيد طين
الأزمة بلة.
وقد دفعت كل هذه الأزمات المواطنين الإيرانيين في عدد من المدن
الرئيسية إلى الخروج بمظاهرات غاضبة هاجمت البنوك والمؤسسات العامة وأحرقتها، كما
هاجم المتظاهرون بهتافاتهم الرئيس روحاني والمرشد الأعلى خامنئي وأحرقت صوره، لكن
سرعان ما قمعت القوات الحكومية هذه التظاهرات، وقتلت عددا منهم فيما عرف بتظاهرات
رفع أسعار الوقود، كما اعتقلت السلطات الأمنية المئات من المشتركين في التظاهرات،
كل ذلك جعل الشارع الإيراني يقع في مطب اللاجدوى، وبالتالي العزوف عن خوض انتخابات
لن يكون لها تأثير كبير في السياسية الإيرانية ومخرجاتها التي تؤثر بشكل مباشر على
الحياة اليومية للمواطن.
كما أعتبر الممسكون بخيوط اللعبة السياسية في
مؤسسة الولي الفقيه أن دورتين من عمر البرلمان ورئاسة الجمهورية بيد الإصلاحيين
كافية، وبما إنهم لم ينجحوا في ما وعدوا به في برنامجهم السياسي والاقتصادي، لذا
أن الأوان لأن يتنحوا جانبا ويفسحوا الطريق للمحافظين للامساك بدفة السياسية
الإيرانية المتجهة إلى الكثير من التصعيد في الأيام المقبلة.
لذلك لعبت قوى المحافظين وعلى رأسها القوة
الممسكة بـ"مجلس صيانة الدستور" دورها في إقصاء أكثر من 7 آلاف مرشح من
الإصلاحيين من التنافس في هذه الانتخابات. إذ أشارت صحيفة "الغارديان"
البريطانية إلى أن "مجلس صيانة الدستور" قد استبعد معظم المرشحين
الإصلاحيين مما يمهد السبيل أمام سيطرة المحافظين على المجلس المقبل، كما تم حرمان 90 عضوا
من أعضاء البرلمان الحالي الذي يسيطر عليه الإصلاحيون من خوض الانتخابات.
وتراوحت
أسباب الحرمان حسب ما تداولته وسائل إعلام مختلفة تهما بارتكاب مخالفات مالية، أو
التشكيك في مدى الالتزام الديني حسب الخطابات التي تلقاها المحرومون من المشاركة
في الانتخابات الأخيرة. وقد سربت الأوساط الإصلاحية خبرا إلى وسائل الإعلام مفاده أن 90
في المئة من مرشحيهم تم حرمانهم من خوض الانتخابات.
لقد دعا المرشد الأعلى علي خامنئي ورؤساء
السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ومراجع الدين في إيران مواطنيهم للمشاركة
الكثيفة في الاستحقاق الانتخابي، إذ غرد أية الله خامنئي، على موقع تويتر، داعيا
إلى "إقبال كبير على الانتخابات البرلمانية، لإظهار الوحدة في مواجهة
الأعداء".
كما صرح للتلفزة الإيرانية وهو يدلي بصوته، قائلا إن المشاركة في
الانتخابات واجب ديني. لكن بقيت نسبة الإقبال متدنية، إذ لم تشهد العاصمة طهران
سوى نسبة 30 في المئة بينما شهدت محافظات أخرى نسبا أقل من ذلك. وبذلك سيكون
البرلمان المقبل محافظا بأغلبية ساحقة وسيهيئ لفوز المحافظين في الانتخابات
الرئاسية في العام المقبل مما سينتج حكومة صقور بالتأكيد.
(القدس العربي)