هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يتم استدعاء المغرب
للمشاركة في مؤتمر برلين، حول حل النزاع في ليبيا، ما ترتب عنه جدل سياسي وسط
الرأي العام المغربي، بين متسائل هل المغرب دولة هامشية لا يعتد بها؟ أم قامت دول
أخرى بتهميشه عمدا؟
ولم يكن الرأي العام يولي اهتماما بالأزمة
الليبية، باستثناء معاناة مواطنيه في هذا البلد، جراء اعتقالهم في إطار محاربة
الهجرة السرية، وكان العشرات منهم ضحية القصف الإماراتي الجوي لمركز للاجئين. لكن
الموضوع قفز إلى الواجهة بعد البيان العنيف لوزارة الخارجية في الرباط، يحتج على
الإقصاء ويتهم ألمانيا بتعابير قوية بتهميشه.
ولم يتردد وزير الخارجية ناصر بوريطة
في اللجوء إلى قناة «فرانس 24» للتعبير عن هذا السخط، لجأ إلى القناة التي يعتبرها
المغرب معادية لمصالحه، وظهر على شاشتها في خريطة لا تتضمن مغربية الصحراء. وجاءت
مكالمة من رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون مع الملك محمد السادس ليلة السبت الماضي،
للتأكيد على دور المغرب في الأزمة الليبية، وهي في العمق مكالمة لجبر الخاطر
والتهدئة، أثارت احتجاج جزء كبير من المغاربة معتبرين إياها نوعا من الوصاية.
وانقسم الرأي العام وفق
التعاليق في شبكات التواصل الاجتماعي إلى قسمين، بين متشف، ويشكل الأغلبية، ومتباك
ومتبن للخط الرسمي، وبدأ كل طرف يستعرض أدلته. ويتحجج الطرف الأول بفقدان المغرب
حضوره في الساحة الدولية، ويستحسن له الانكباب على القضايا الداخلية، بعدما تدهورت
بشكل مريع قطاعات استراتيجية مثل، الصحة والتعليم والتشغيل.
وكانت بعض التعاليق من ناشطي شبكات التواصل قاسية في حق المغرب، ومنها مطالبة المغرب بحل مشكلة شبابه الذين يقصدون ليبيا للهجرة، قبل الاهتمام بالأزمة الليبية، علاوة على انتقاد الإعلام الرسمي والمقرب من الأجهزة الذي يبالغ في تقديم المغرب كدولة محورية ذات حضور قوي في المنتظم الدولي.
ولجأ الطرف الثاني إلى الحديث عن المؤامرة الدولية
لتهميش المغرب، وإن كان هذه المرة قد برأ الجزائر، بعدما كانت الأخيرة بدورها غير
مدعوة للمشاركة في قمة برلين، وجرى استدراك الأمر وتمت دعوتها في آخر المطاف. كما
كانت تعاليق طريفة مثل تلك التي طالبت بإعادة سيارات مرسيدس إلى السفارة الألمانية
في الرباط، وشراء السيارات الفرنسية فقط.
وبعيدا عن الجدل وسط الرأي
العام المغربي، كيف يمكن تفسير تهميش المغرب وعدم استدعائه إلى قمة برلين، وهو
الذي يشفع له انتماؤه رفقة ليبيا إلى اتحاد المغربي العربي، وبالتالي اقتسام
الوحدة السياسية. وساعد إنسانيا الليبيين النازحين نحو الحدود التونسية، بعد إسقاط
نظام معمر القذافي، ثم احتضانه سنة 2015 لقمة الأمم المتحدة، التي أرست أولى لبنات
البحث عن حل سياسي واحتواء الحرب، وتعرف بقمة الصخيرات، وهي مدينة شاطئية على بعد
عشرة كيلومترات جنوب العاصمة الرباط. واستمر في لعب دور الوساطة المحايدة، لكن
الظروف لم تساعده في التقريب بين وجهات الأطراف المتنازعة، لاسيما بعدما تدخلت
بقوة دول حليفة له مثل، الإمارات العربية والسعودية، ودعمهما اللامشروط لحفتر
خليفة، الذي ينازع حكومة الوفاق ولا يعترف بشرعية لقاء الصخيرات.
توجد مبررات بسبب عدم
استدعاء المغرب إلى قمة برلين، وقد يتم الاختلاف أو الاتفاق حولها، وفق زاوية
المعالجة. وقبل استعراض التفسيرات، أوضح مصدر أوروبي رفيع المستوى لصاحب هذا
المقال، بأن إيطاليا طالبت وألحت على ضرورة حضور دول المغرب العربي ومنها المغرب،
لكن برلين كان لها رأي آخر.
*أولا، تولت ألمانيا الحسم في توجيه الدعوات، والأكثر إثارة للدهشة
أنها لم تقصِ فقط المغرب، بل الجزائر التي تشترك مع ليبيا في قرابة ألف كيلومتر
وكذلك تونس قبل استدراكها واستدعاء الجزائر. وعدم استدعاء المغرب هو تقدير من طرف
اللجنة الألمانية المشتركة المكونة من الخارجية والاستخبارات ورئاسة الحكومة، وهي
اللجنة التي وضعت معايير الحضور. وهذا يعني إما سوء تقدير من طرف اللجنة لدور
المغرب العربي، أو اعتبارها المغرب دولة هامشية.
*ثانيا، في تكملة للنقطة الأولى، خضعت الدعوات للتصور المستقبلي لحل
النزاع، أي استدعاء الدول القادرة على الالتزام بالتوصيات وتنفيذها مثل، الدعم
المالي أو القوات المتعددة الجنسية، لاسيما بعدما أبدت برلين استعدادها لإرسال
قوات عسكرية للمساهمة في إرساء السلام، بمعنى تحكمت في الرؤية الألمانية ليس هناك
حياد، بل الانخراط العملي والفعلي.
*ثالثا، رفضت ألمانيا استدعاء الدول التي تعتقد أنها سوف لن يكون لها
ثقل التمثيلية، فهي تدرك أن ملك المغرب محمد السادس لن يشارك في القمة، فهو لا
يشارك في القمم الإقليمية والدولية بل ستكون المشاركة على مستوى منخفض، أي وزير
الخارجية ناصر بوريطة، الذي لن يفيد في أي شيء سوى تلاوة إنشاء عن إبراز الدور
الفعال للمغرب في النزاع. وتتميز المداخلات المغربية في القمم الدولية بالإطناب
الشديد وبعيدة عن الفعل العملي المباشر والمقترحات البراغماتية.
*رابعا، لا تجمع ألمانيا والمغرب علاقات متينة، عكس تلك التي تجمعه مع
فرنسا. ولم يسبق للمستشارة الألمانية القيام بزيارة رسمية إلى المغرب، سوى إلى
مراكش السنة الماضية، في إطار قمة دولية ولم تلتقِ خلالها الملك محمد السادس،
وكانت تخطط لزيارة الرباط، لكن لم تتلقَ ردا مغربيا يحدد التاريخ وأجندة العمل.
في غضون ذلك، لقد أخطأت
دبلوماسية برلين التقدير في عدم استدعاء المغرب وتونس والجزائر، وإن استدركت
واستدعت الأخيرة، لأن الأزمة الليبية هي نزاع إقليمي، وهذه الدول المغاربية يهمها
ما يجري في هذا البلد المغاربي. اللجنة الثلاثية المكونة من الاستخبارات
والدبلوماسية ورئاسة الحكومة كانت قصيرة النظر في الإلمام بالملف الليبي من كل
جوانبه.
(القدس العربي)