مقالات مختارة

حَراك "المنصف" التونسي

عمار يزلي
1300x600
1300x600

اعتزالُ المنصف المرزوقي، رئيس تونس بعد ثورة الياسمين.. العملَ السياسي، بعد فشل حزبه "الحَراك"، في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، له أكثر من دلالة وقراءة وتأويل.

غير أن أهم ما يمكن التنويهُ به، أن الرجل، عرف الواقع وعرف قدرَه، واستوعب الدرس وهو الطبيب والمثقف والأكاديمي العارف بخبايا جسم الإنسان وقلبه وشعبه وعقله.

اعتزل، كما اعتزل الراحل بوضياف العمل السياسي بعد وفاة الراحل بومدين مباشرة لما رأى من الشعب الجزائري من حزن عارم على وفاته. تأكَّد له أنه كان على سوء تقدير، حتى لا نقول على خطأ، فقد كان بوضياف إنسانا قبل أن يكون سياسيا، وغلَّب الموضوعية على الذاتية. المرزوقي يفعل الشيء نفسه أمام عمل الشعب التونسي الذي اختار غيره تماما بعد أن كان قد اختاره سابقا ثم عزله لاحقا ثم لم ينتخبه بعدها أبدا.

لعلّ السبب الرئيس في هذا الاعتزال، هو قراءته للواقع التونسي الراهن، بعد نضج تجربة كانت في البداية تبحث عن حل وسْط ركامات الماضي ومخلفات العهد البائد عبر محطات انتقالية أفضت إلى انتخاب الباجي قايد السبسي خلفا له بتحالفات تكتيكية واستراتيجية مع "النهضة" وبقية الأحزاب والتكتلات النقابية القوية في تونس.

عمر التجربة الديمقراطية في تونس، بعد أن نضج عودُها وخرجت من عنق الزجاجة بولادة قيصرية، أوصلت إلى انتخابات رئاسية تعددية وشفافة أفرزها واقعٌ سياسي واجتماعي جديد وأنتج رئيسا مستقلا عن كل الأحزاب والتكتلات، وتغلّب على التيار اللبرالي العلماني وعلى التيار الإسلامي.
"حراك" تونس وحزب المرزوقي الذي فاز بالرئاسة في بداية الثورة وإسقاط نظام بن علي، كان سببه التكتلات القوية للعلمانيين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى، باعتبارها قوى منظمة وفاعلة حزبيا ونقابيا وجمعويا. غير أن فشل التجربة وظهور الخلافات بين التيار العلماني والقوميين والإسلاميين والليبراليين واليسار، جعل تونس تركن إلى الحل الوسَط والعودة من جديدة إلى القديم مع السبسي، كمرحلةٍ انتقالية تضمن الانتقال السلس إلى الديمقراطية عبر الحفاظ على الوحدة الوطنية ووحدة تونس الداخلية واقتصادها المتهلل من جراء الثورة التي خلخلت الموازين.

ما حدث في تونس، ليس مستبعَدا في الجزائر بعد 5 سنوات، أي مع رئاسيات 2024. رئاسيات 2019، ستعتبر الرئيس المنتخب، رئيسا انتقاليا دستوريا يضمن استقرار البلاد السياسي والأمني والاقتصادي ويضمن أيضا الانتقال الديمقراطي وفق قواعد جديدة مغايرة تماما لقواعد النظام البائد، الذي سيُفكَّك تدريجيا خلال 5 سنوات من الآن، عبر إعادة النظر في كل التشريعات والقوانين بدءا بالدستور، ثم إعادة انتخاب برلمان ومجالس محلية جديدة بقواعد انتخاب جديدة، أكثر شفافية وأكثر ديمقراطية وأكثر ضمانا وصونا لصوت الشعب وإرادته بعد أن تزال كل العوائق القانونية والمؤسساتية التي كانت تجعل من الانتخابات كرنفالاتٍ هزلية يبدو فيها المواطنُ المنتخِب وعلمية الاقتراع والتصويت مجرد كمبارس، ينتهي بتعيين الغرفة السوداء في الداخلية الأسماء والأحزاب الرابحة حتى ولو خسرت.

الحراك، عليه أن يخرج بقيادات ويتحوَّل إلى تكتلات للعمل السياسي المقبل لضمان تغيير ديمقراطي عبر الصناديق وليس عبر الشارع. سيبقى الضغطُ مستمرا على الرئيس القادم وعلى المؤسسات، ضغطا حضاريا ضمن تكتلات نقابية حزبية فئوية ومطالبة الرئيس بالوفاء بوعوده الانتخابية ومحاسبته على كل إخفاق في أي ملف.

هكذا، سيظهر للعلن كم أن الأقلية أقلية ولو بدت إعلاميا على أنها الأقوى والأصلح، وستخضع الأقلية للأغلبية.. وهو جوهرُ الديمقراطيات في العالم.

(الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)