كتاب عربي 21

"فضائل" الخليفة البغدادي قُدس سرّه!

أحمد عمر
1300x600
1300x600
استطرف كثيرون رواية قتل البغدادي الذي رفع نفسه إلى رتبة خليفة، وهي أعلى من رتبة المهيب الركن التي رفّع صدام نفسه لها، ومن رتبة المشير للسيسي، ولحفتر. وأبدى بشار الأسد تواضعاً وزهداً قلّ نظيره، باكتفائه برتبة الفريق التي نالها بسرعة البريد والبرق والهاتف.

وكان البغدادي قد أعلن الخلافة من غير سلف، وكانت أمريكا قد رصدت 25 مليون دولار لقتله، وهو رقم غير صغير، لكنه لا يعادل احتفال العالم بمقتله وتباهي الرؤساء به، ولا يساوي رتبته العالية، فليس في كوكب الأرض خليفة سواه، وقالوا: لمَ اختار البغدادي الموت بالحزام الناسف، وليس بالسم مثلاً، فالحزام الناسف يعيق الحركة والتقلب في الفراش، ويحرم صاحبه من النوم بجانب زوجتين، لكن صنّاع الأفلام الأمريكية يحبّون الحركة، وفي معظم أفلامهم خبير تفجيرات من حرب فيتنام، هو الآن خبير تفجيرات من العراق أو أفغانستان، فالحروب الأمريكية لا تتوقف، والخبرة تزداد شباباً.

قال الكاتب المعروف محمد الجوادي في تغريدة من تغريداته التي يكثر فيها الإيماء والمجاز والسجع اللغوي، على خلاف المصريين الذين يحبّون الصراحة والمكاشفة: إن الملوك العرب ارتعبوا من مقتله، ووجدوا فيه نذيراً. والملوك هم الخلفاء الحقيقيون وليس البغدادي الطارئ على الخلافة، التي ليس له منها سوى اللقب والغنائم والسبايا، وهو خليفة ليست له فضائل قط، كفضائل الخليفة السيسي مثلاً، مثل فضيلة الإضحاك، أو بشار الأسد وهو خليفة جمهوري، ليس له مثيل بين الخلفاء المعاصرين، وقد دمّر سوريا كما دمّر هولاكو بغداد، أو القايد الصالح الذي يسعى إلى أن يكون خليفة بوتفليقة، أو هو الأتابك الذي يصنع خليفة لبوتفليقة، وفي رقاب هؤلاء دماء أكثر من الدماء التي في رقبة البغدادي. الصيت لعنترة والفعل لشيبوب.

حاصله أن ترامب وجد أن الخناق يضيق حوله من خصومه الديمقراطيين، وأن دماء الخليفة ستنفعه في عملية نقل دم سياسي، والكونغرس الديمقراطي يهدده بنزعه من الرئاسة الأمريكية، فلا ينفع الرئيس الأمريكي سوى دم خليفة كالشبح، فكلاهما من ملوك. سينتفع ترامب بحمض الخليفة النووي سماداً لحملته الانتخابية، وسيتقرب بمقتله إلى آلهة البيت الأبيض. وذكر في خطابه إنه أشرس إرهابي في العالم، فهو خليفة الدولة الإسلامية، وكان الخليفة قد سُمن وغُذي كثيرا. وذكرُ الإسلام مع قتله يشفي قلوب جمهور ترامب.. وكان قد قُتل مع زوجتيه، وهذا جانب من الخبر يطير صواب الغرب، ويشعل خياله بالأحلام الحمراء.. كيف يكون للرجل زوجتين؟! وهذا وحده في ملّة الغرب ودينه يوجب عليه الحدَّ الأمريكي، ولا بأس بقتل أطفاله أيضاً كخسائر جانبية، لكن الخليفة هو الذي قتلهم، ولا بد من خسائر جانبية أخرى مثل الكلب الذي اعتذر ترامب عن ذكر هويته، كأنما ضنّ الرئيس الأمريكي على البغدادي بكل هذه الشهرة، فأحب أن يسرق بعضاً منها لكلبه. ولم يذكر أحد أن ترامب أعلن الحداد على الكلب، لكنه ندبه ورثاه في تغريدته. كان الكلب جندياً مجهولاً ثم بات معلوماً ودخل التاريخ الذي خرجنا منه.

قلنا إن الخلفاء الحقيقيون ببيعة منتزعة بالقهر والغلبة؛ هم في مصر وسوريا والعراق والجزائر وبقية الجمهوريات والملكيات العربية، وهم أشرس من البغدادي، غير أنهم حليقون بلا لحى.. الشكل مهم في السينما، واللقب، والسيرة، ولا أظن أنهم شعروا بالرعب مثلما قال الجوادي في اجتهاده، فهم يدركون قواعد اللعبة، ويتقنونها، ويحافظون عليها، وترامب يحب الخليفة السيسي، هو دكتاتوره المفضل. وكلما ازداد التنديد بالسيسي بين المنظمات الحقوقية، ارتفعت شرعيته لدى من ولّوه الأمر.

تقول تقارير: إن البغدادي بعثي سابق، وسجين في سجون أمريكية عراقيّة، اختار لنسبه أن يكون قرشياً، مثل ما يفعل كثير من الزعماء بالادّعاء المباشر بالانتساب إلى الأسرة النبوية، أو دفع خطيب معروف، مثل صاحب حديث الجمعة الديني طريق الهداية السوري، محمد شيخو، لأن يخاطب الأسد بحفيد فاطمة الزهراء. وكان صدام البعثي قد اهتدى في أواخر أيامه إلى الإسلام، وهو يواجه الغرب، فأمر بكتابة عبارة الله أكبر على العلم، فلم يجرؤ أحد من قتلته وورثة عرشه على تغييرها من بعده. وعرف البغدادي الإشارة وورثها من صدام، فزاد عليها بأن جعل رايته سوداء ورفّع نفسه إلى "خليفة"، واختار علم التوحيد علماً لدولته التي ليس لها حدود، مثل إسرائيل، وكان حيثما حلَّ الخليفة لحقه الدمار.

وهو أمريكي الهوى، فهو يحرق خصومه بالنار، وقد نهى الله عن الحرق، وحرّم النار على عباده، لكنه أمريكي النزعة والسلوك والسيرة، فأسراه يرتدون اللون البرتقالي، وأفلامه مصوّرة بأفضل التقنيات الإخراجية.

وكان جند البغدادي يحبّون الهامبرغر وليس الثريد، ويحبون الكوكا كولا والنكاح والسبايا. ولقد مات أيضاً بطريقة سينمائية، إذا كان قد مات حقاً، فالرئيس الروسي وخليفته الرئيس السوري الخبير الاستراتيجي في التحليل السياسي؛ يشكّان في مقتله.

نسب البغدادي على صفحة الويكيبيديا ينتهي إلى جعفر الصادق، أما دينه فمن من ستة أركان، الركن الأول فيها هو الولاية السياسية، وهو ركن الإسلام السادس في المذهب الشيعي، بل هو ركن أول، وهو ركن أول في مذاهب الخلفاء السنّة المعاصرون الحاكمون، لا فرق بينهم، ملكيين أم جمهوريين. الفرق بين الرئيس والملك في النظم العربية كالفرق بين فردتي النعل، نعل يمين ونعل شمال.

وقد ترك الخليفة المقتول خليفةً، قيل إنه أبو إبراهيم الهاشمي، وبويع له من مجلس الحل والعقد. ونال مظلوم عبدي حظوة كبيرة بفضل البغدادي مع أن حزبه متهم بالإرهاب. الطريق لمظلوم عبدي إلى البطولة ممهد تمهيدا، فقد صار جنرالا، وهي إحدى فضائل البغدادي الكثيرة.
التعليقات (2)
عمر
الثلاثاء، 05-11-2019 11:49 م
قلنا إن الخلفاء الحقيقيون؟؟!
من سدني
الإثنين، 04-11-2019 11:52 م
الغرب يصنع الخوازيق لحكام العرب ومن أموالهم.