هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تكلم الرئيس رجب طيب أردوغان أمام البرلمان يوم الأربعاء 16 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ليؤكد لأصدقاء تركيا وأعدائها على السواء، أن الجيش التركي لن يتراجع عن ملاحقته للإرهاب والإرهابيين داخل المنطقة الآمنة على الحدود بين تركيا وسوريا، وهو يعلم وهم يعلمون أيضا أن بؤرة سوريا التي تعفنت منذ واجه بشار المتظاهرين السلميين بالرصاص والقتل والتعذيب في سنة 2011 إلى اليوم تحولت سوريا إلى مستنقع عسكري وسياسي، جمع كل أطياف التدخلات الأجنبية ليتقاتلوا أو يتحالفوا على الأراضي الشامية؛ من روس اعتبرتهم كنيستهم الأرثوذكسية "مجاهدين من أجل المسيح في حرب صليبية جديدة، ومن مات منهم فهو في نظر البابا شهيد!". ومن أمريكان يستحيل أن يتركوا الروس وحدهم في هذا الميدان؛ خوفا على ضياع مصالحهم في الشرق الأوسط الذي أعلنوه جديدا زمن كوندوليزا رايس! ومن إيرانيين يتبعهم حزب الله يساندون الأسد باسم الاستراتيجيات بعيدة المدى. ومن إسرائيليين متخفين أو معلنين يدعون حماية الدولة العبرية وضمان بقاء احتلالها غير المشروع لأراضي الجولان، في انتظار ضم غور الأردن! ومن حركات كردية مسلحة تعول كما رأينا على الدعم الإسرائيلي لإثارة الفتنة والفوضى في كل من تركيا وسوريا والعراق، باسم عقيدة ثابتة لدى كل أعداء العرب تقول إن دولة كردستان سوف تعود.
اليوم تتواصل عملية نبع السلام لتصفية ما تبقى من جيوب الإرهاب المعروف باسم داعش، حتى لو لبس لبوس الأكراد وتبخر هنا ليظهر هناك وتوارى هنا ليبرز هناك!
وللجمهورية التركية تاريخ طويل مع محاولات الزعزعة وزرع الفتنة وبذر بذور الحرب الأهلية، آخرها تلك المؤامرة الانقلابية في 15 تموز/يوليو 2016 حين عاش الشعب التركي ليلة عجيبة بطولية، أجهض خلالها المواطنون الأتراك بأيديهم العزلاء مؤامرة انقلابية، قام بها بعض الضباط الأتراك بتمويلات ثبت بعد ذلك من أين جاءت ومن أي دول مصادرها ومسالكها، وكيف تسربت إلى أيدي كمشة من الخونة اعتقدوا أنه بإمكانهم لي ذراع الديمقراطية والمجتمع التركي المدني، فباؤوا بفشل ذريع وسريع، وعاد أردوغان أقوى مما كان ليواصل بشعبه مسيرة التقدم و النماء.
وبعد فشل الأعداء التاريخيين لتركيا، عاودوا اليوم سنة 2019 الكرة لكن من خارج الحدود، فزرعوا مليشيات تدعي أنها كردية رغم تبرؤ الأكراد الأتراك منها، لتحتل مواقع استراتيجية في خاصرة تركيا، مستغلة حالة الفوضى السورية وهي تدرك أن تركيا بفضل مبادئ حزب العدالة والتنمية تحتضن ثلاثة ملايين لاجئ من سوريا وبعض الدول العربية الأخرى كالعراق وفلسطين، وتركيا تحمي بهذا المجهود الإنساني الذي يكلف ميزانيتها ثلاثة مليار دولار سنويا ظهر أوروبا الخائفة من طوفان مهاجرين من الشرق الأوسط يغزون سواحلها بالملايين، وهذا الملف (الهجرة الشرق أوسطية السرية) يقض مضاجع الاتحاد الأوروبي بل وكان هو أصل الخلاف الخطير بين دول الاتحاد الأوروبي منذ 2011 إلى اليوم، حيث اختلفت مواقف وتعاملات الدول الأوروبية الأعضاء إزاءه من التسامح الألماني إلى الرفض العنيف الإيطالي، متزامنا مع تصاعد سريع لليمين العنصري شبه النازي في مؤسسات السلطة في كل الدول الأوروبية، حتى الوسطية المعتدلة منها كفرنسا وإسبانيا والنمسا وسويسرا.
اليوم وقد أشرف الجيش التركي على استكمال عملية نبع السلام، فإننا نلاحظ خوف أوروبا وأمريكا وروسيا من عودة تنظيم داعش ومقاتليه، هذا الخوف الذي عبر عنه وزير خارجية فرنسا يوم الخميس حين قال، إن مقاتلين من 72 دولة منخرطون في داعش يقبعون في سجون الأكراد و"جيش سوريا الديمقراطي"، ونتمنى أن تكون تركيا واعية لهذا الخطر! أما درة التاج في هذه القضية هي الرسالة التي وجهها الرئيس ترامب إلى الرئيس أردوغان، واستعمل فيها لأول مرة في تاريخ الدبلوماسية الدولية عبارات غريبة عن قاموس العلاقات بين الدول، وقال له فيها: (لا تكن أحمق) مما لفت نظر وزارة الخارجية الروسية التي استهجنت هذه اللغة، ومما حدا بالرئيس التركي أن يعلن أنه رماها في سلة المهملات، كما أثارت الرسالة امتعاض عديد أعضاء الكونغرس الأمريكي حتى الجمهوريين منهم. ثم قام ترامب بتصحيح هذا الفعل بأن قال الخميس إن أردوغان الذي أمهل المتمردين 120 ساعة وحقق الأمن، هو رئيس عظيم لدولة محترمة.. وعفا الله عما سلف.
عن صحيفة الشرق القطرية