هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في سياق الحركة الاحتجاجية التي بدأت في الأول من تشرين الأول،
وبعدها، كانت كلمات الرئاسات الثلاث، رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس
مجلس النواب، ومن خلال إنشاء سياسي عبثي، تحاول إيهام الجمهور المحتج، فضلا عن
الجمهور الصامت، بأن ثمة خطوات "جادة" سيتم اتخاذها استجابة لمطالب حركة
الاحتجاج الحقيقية، والمفترضة!
وصل
الأمر إلى تبادل الأدوار بين الثلاثة، فلم تعد تستطيع التمييز بين سلطة تشريعية،
وسلطة تنفيذية، أو التمييز بين صلاحيات كل منهم!
في
هذا السياق أيضا، بدا واضحا أن الثلاثة، يعترفون صراحة وعلانية، بأن ثمة فشلا
حقيقيا في إدارة الدولة، وفي عمل سلطات الدولة ومؤسساتها بالكامل، وصل الأمر إلى
إعلان رئيس الجمهورية تشكيل "لجنة خبراء مستقلين، من الشخصيات المشهود لها
بالكفاءة والنزاهة"، من أجل" تشخيص الخلل ووضع المعالجات الوافية، للبدء
بعملية فعالة للإصلاح"، وعد تلك الخطة "خريطة طريق ملزمة"! وهي
المبادرة التي حظيت بإجماع الرئاسات الثلاث لاحقا، وتحولت إلى لجنة مهمتها
"وضع برنامج وطني استراتيجي لتشخيص مشكلات نظام الدولة في المجالات السياسية
والاقتصادية والمالية والتشريعية والثقافية واقتراح الحلول الممكنة"! من دون
أن يسأل أحدا منهم نفسه، إذا كانت هكذا مهمة يقوم بها "خبراء مستقلون"،
فما مهمة سلطات الدولة ومؤسساتها المختلفة؟
المفارقة
الأخرى التي وجدناها في هذا السياق هو "الإنشاء السياسي" العبثي المتعلق
بالحقوق والحريات في العراق، حتى بدت وكأنها كلمات ناشطين مدنيين في هذا المجال لا
مسؤولين عنها، وعن تحقيقها! فرئيس الجمهورية حدثنا بأن "استهداف الإعلام
والإعلاميين غير مقبول في العراق"!
وحدثنا
رئيس مجلس الوزراء بأنه "مع حرية الإعلام"، وأنه سيقف "دائما مع
الحريات العامة"، وأن حالات الاعتداء على وسائل الإعلام أو النشطاء أو
المدونين "التي تحترم الدستور والقانون والنظام" لا تنتمي لهذا الشعب!
ومع هذا ما زال الصحافيون، والمدونون، يتعرضون لملاحقات واتهامات، وصلت إلى حد
الاتهام بالإرهاب، وآخرها اعتقال مدون شاب يعمل مديرا لموقع يضم أكثر من مليوني
متابع صباح هذا اليوم!
أما
حديث الفساد، ومكافحته الوهمية، فقد شغل حيزا كبيرا من إنشاء/ كلمات الرئاسات
الثلاث كالعادة. فرئيس الجمهورية يروي لنا، كأي متفرج، قصة الفساد الذي "عرقل
فرص التقدم، وكبل إمكانيات وطننا الكبيرة الكفيلة بنقل شعبنا إلى مصاف آخر"!
ثم يدعو في نهاية القصة إلى "تفعيل دور المحكمة المختصة بقضايا النزاهة، وتوفير
الظروف الملائمة لعلها بحرية" وأنه يجب منع أي استثناء أو حصانة في هذا الملف
الحيوي"!
أما السيد رئيس مجلس الوزراء فيروي لنا، كأي حكواتي، حكاية الفساد في سياق "المراجعة الحقيقية الشاملة" التي تضمنتها حزم الإصلاح التي أطلقها في سياق الاحتجاجات! أما رئيس مجلس النواب فيروي لنا خرافة "حيتان الفساد"، وهذه الاستعارة تذكرنا بـ "موبي ديك" في الرواية الشهيرة بالاسم نفسه للروائي هيرمان ميلفيل، التي تغلب في النهاية على الجميع، وأغرق المركب بمن فيه!
ويتم
استخدام الدم الذي نزفه الضحايا، لتمرير قرارات تدعم الفساد والفاسدين، وتحت مرأى
ومسمع سلطات الدولة بأكملها، يتيقن الجميع أن لا إمكانية حقيقية للإصلاح، وأن بنية
الفساد المتحكمة قد ابتلعت الدولة بالكامل.
عمليا
كنا خلال الأيام اللاحقة بحركة الاحتجاجات أمام مجموعة من القرارات في سياق
الاستجابة المفترضة لمطالبها. كان من بينها قرار مجلس الوزراء الصادر يوم 8 تشرين
الأول / أكتوبر، والذي قضى بمنح الوزراء والمحافظين صلاحية توجيه الدعوات المباشرة
إلى الشركات المقاولة المنفذة للمشاريع من دون الالتزام بتعليمات تنفيذ العقود
الحكومية! وهو ما يفتح الباب واسعا أمام التواطؤات فيما يتعلق بمشاريع بمليارات
الدولارات من دون أي قيد!
وفي
يوم 9 تشرين الأول/ أكتوبر أصدر مجلس النواب قانونا بإلغاء مكاتب المفتشين
العموميين من لحظة التصويت عليه، وهو بذلك يلغي أحد مؤسسات مكافحة الفساد الأساسية
في الدولة، وقد جاء في الأسباب الموجبة لهذا القانون "بغية الترشيق الإداري،
ومنع الازدواجية في المهام، ولغرض تسريع إجراءات مكافحة الفساد، ولعدم جدوى بقاء
مكتب المفتشين العموميين"! ومراجعة هذه الأسباب تكشف أنه لم يكن هناك أي
ترشيق إداري أولا، وانه لم تكن هناك أية ازدواجية في المهام ثانيا، وأن القانون لا
علاقة له بتسريع أو إبطاء أية إجراءات ثالثا! وأن الأمر في النهاية كان مجرد
التخلص من حلقة تزعج الفاسدين الكبار!
وفي
يوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر أرسل رئيس مجلس الوزراء، التزاما بحزمة الإصلاح
الثانية التي أطلقها، تعديلا وزاريا إلى مجلس النواب للتصويت عليه، وكان من بين هذه
الأسماء مرشحة لوزارة التربية الشاغر منذ ما يقرب السنة.
وبعيدا عن الانتهاك الدستوري الذي أحاط بهذا الترشيح، والذي جاء بتوصية من لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب نفسه، في انتهاك صريح لمبدأ الفصل بين السلطات أولا، ولصلاحيات مجلس النواب المنصوص عليها دستوريا، وبضمنها صلاحيات لجان مجلس النواب المنصوص عليها في النظام الداخلي لمجلس النواب ثانيا، وفي انتهاك صريح لاختصاصات رئيس مجلس الوزراء الذي أعطاه لرئيس الوزراء حصرا صلاحية تسمية الوزراء!
بعيدا عن هذا كله، فقد بدا جليا للجميع أن ثمة صفقة فساد معلنة، وصريحة حكمت هذا الترشيح، وذلك من خلال الأدوار التي قامت بها أطراف معروفة بفسادها المعلن (من خلال القضايا المنظورة في هيئة النزاهة، أو من خلال تقارير ديوان الرقابة المالية السنوية) في تمرير هذا الترشيح. كما بدا واضحا للجميع من خلال سلاسة مرور الترشيح، ثم سرعة التصويت عليه، بأن ثمة صفقة فساد تتجاوز لجنة التربية والتعليم لتشمل مجلس النواب نفسه!
عندما
يتم استغلال قنابل الدخان التي أطلقت بكثافة على المحتجين، ويتم استخدام الدم الذي
نزفه الضحايا الذين زادوا على الستة آلاف، لتمرير قرارات تدعم الفساد والفاسدين،
وتحت مرأى ومسمع سلطات الدولة بأكملها، يتيقن الجميع أن لا إمكانية حقيقية
للإصلاح، وان بنية الفساد المتحكمة قد ابتلعت الدولة بالكامل!
(القدس العربي)