مقالات مختارة

سؤال الفرق بين الديكتاتوريات العربية والاحتلال «الإسرائيلي»

رضوان الأخرس
1300x600
1300x600

لا شكّ أن الاحتلال نجح إلى حدّ ما في سياسة دعائية تُظهر فرقاً بينه وبين الأنظمة الديكتاتورية التي تقمع شعوبها وتصادر حرياتهم وتسرق أقواتهم، وإلا لما كان سؤال الفرق حاضرا.


إن السؤال استجابة واضحة لذلك التأثير القافز عن وقائع ومعطيات على الأرض، ويتغاضى عن التاريخ كما يتجاوز أصل كل كيان منهم وأسباب ودعائم وأسس وجوده.

«صفصاف: قرية فلسطينية كانت قُرب صَفد، تم الإمساك بـ 52 رجلا رُبطوا بعضهم مع بعض، قبل إطلاق النار عليهم في حفرة. جاءت نسوة يتوسّلنَ طلبا للرحمة، بينما استمرّ عشرة رجال في الارتعاش. تمّ العثور على جثث 6 رجال متقدمين في السن، وكانت هناك 61 جثة، وثلاث حالات اغتصاب، وقعت إحداها شرق صفد لفتاة في 14 من عمرها، إضافة إلى أربعة رجال قُتلوا بالرّصاص، وقد قُطعت أصابع أحدهم بالسكين طمعا في خاتمه».


الاقتباس السابق من تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في تموز/يوليو الماضي، عن وثيقة مسرّبة توثّق فظائع ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال النكبة، بهدف تهجير الفلسطينيين وسرقة أراضيهم.

تلك الوثائق المتعلقة بالنكبة لم يرَ النور إلا النذر اليسير جدا منها؛ لأن الاحتلال عمل بشكل ممنهج ومنظم على طمسها، من خلال جهاز «مالماب» الذي تولّى تلك المهمة.


كان واضحا استغلال الاحتلال عدم وجود رقيب على تصرفاته لارتكاب شتى الفظائع وتأسيس كيانه بتلك الطريقة البشعة، ولما استقر له الأمر ذهب يمسح آثار الجريمة ويسوّق نفسه بصورة جديدة مزيفة؛ لأن الرواية الحقيقية تهدد مكانته.


إلا أن الاحتلال لم ينجح تماما في ذلك، فهو ضعيف أمام شهوة القتل والإجرام، فعاد لارتكابها وباتت موثّقة أكثر من ذي قبل، تشهد عليه الإعدامات الميدانية المتكررة في الضفة والقدس، ومذابحه العديدة في غزة، التي كان من بينها مجازره ضد المتظاهرين العزّل قرب السياج الفاصل خلال «مسيرات العودة».


كيان يسعى إلى رسم أوجه من شرعيته عبر إحلال أنظمة وقوانين وإظهار صورة منضبطة عن نفسه أمام العالم لكسب شيء من التعاطف والدعم، ويفعل هذا ويستثمر فيه بشدة، بعد أن سيطر على جلّ الأرض وهجّر أهلها واستتب له الأمر، بل يسعى إلى الظهور بمظهر الضحية أيضا بهزلية صارخة. وهو في تلك الحالة يختلف عن كيانات ديكتاتورية تواجه أخطارا وجودية، فلو كان الاحتلال بالحال ذاتها لفعل أكثر منهم إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سجله الإجرامي.


تجدر الإشارة إلى أنني أستهجن منطق مقارنات كهذه وأناقشها لأنها موجودة، فهي تجتزئ الحقائق بذاكرة مثقوبة، ولا تأخذ بالاعتبار الظروف والسياقات المتفاوتة وتتعامل مع الواقع الحالي والظرف الراهن مع إسقاط الاعتبارات الأخرى والخلفيات.


فالاحتلال يشدّد على الفلسطينيين أو يتراجع حسبما تقتضي الحاجة والمصلحة الأمنية والدعائية والسياسية والاستيطانية... إلخ؛ فهو لا يمنح الفلسطينيين شيئا ولا يتساهل معهم، وإن زعم ذلك فإنما يخافهم، فيتراجع قليلا أمام غضبهم أو خشية انفجارهم مثلا، وكل ما يحصل عليه الفلسطينيون أو ينتزعوه حقهم الطبيعي ولهم كامل الحق بأرضهم وفي الحرية، فهم بشر مثل باقي البشر، ومجرد وجود الاحتلال يتناقض مع تلك الحقوق الأساسية؛ فأساسه باطل وما بُني على باطل فهو باطل مهما حاول التجمل، الظلم ظلم مرفوض زاد أو نقص. ولنحذر من الوعي المغشوش!

 

عن صحيفة العرب القطرية

1
التعليقات (1)
رائد عبيدو
الإثنين، 07-10-2019 02:53 م
المقارنة بين الاحتلال وبين الاستبداد هو نوع من أنواع تطبيع الاحتلال. وكذلك المقارنة بين احتلال جار لأرض جاره بسبب نزاع حديث أو تاريخي وبين احتلال عدو أجنبي قادم من دول بعيدة. هذا التطبيع يفضي إلى قبول الاحتلال الإحلالي الاستعماري، لأنه يبدو للمطبعين والمهرولين إلى التطبيع أقل سوءا، مع أن الاحتلال مرفوض لأنه احتلال وليس بسبب الجرائم الأخرى، ومقاطعته واجبة والتطبيع معه خيانة لأنه عدو وليس بسبب قوانينه الجائرة، والمعتقلين في سجونه أسرى لأنهم مقاومون للاحتلال وليس لأنهم معارضون سياسيون.