مقالات مختارة

الاحتجاجات في مصر: لم تعد قبضة السيسي الحديدية كافية

محمد المصري
1300x600
1300x600

في الثاني من سبتمبر/أيلول، بدأ المقاول العسكري السابق محمد علي في بث سلسلة من الفيديوهات التي يزعم فيها ضلوع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وعائلته وكبار ضباط الجيش والمقربين منه في الفساد. منذ تلك اللحظة والرئيس المصري يهتز تحت وطأة تحديات جديدة يواجهها نظام حكمه. 


لقد تعلمنا من فيديوهات محمد علي والاحتجاجات التي ولدتها عدة دروس حول المشهد السياسي المصري. سوف أقوم فيما يلي باستعراض بعض من هذه الدروس. 


شعبية متضائلة


لا يتمتع السيسي بالشعبية التي يدعيها مسؤولوه ووسائل الإعلام الخانعة له ويسعون إلى الترويج لها. 


فمنذ الاستيلاء على السلطة في انقلاب عسكري في شهر يوليو / تموز من عام 2013، لم تكف السلطة المصرية، والتي تشتمل على منظومة قوية من وسائل الإعلام الإخبارية والترويحية، عن التأكيد على أن الأمة المصرية بأسرها تقف وراء السيسي، وأن قلة قليلة فقط من "الإرهابيين" وكذلك "الخونة" هي التي تناوئ هذا النظام وتناصبه العداء، كما يقولون. 


وعندما اندلعت الاحتجاجات المعادية للسيسي في نهاية الأسبوع الماضي، تصدر إعلاميو النظام المصري ليعلنوا عبر الأثير أن ما لا يزيد عن ثلاثين أو أربعين شخصاً فقط هم الذين شاركوا في الاحتجاجات. وكما هو متوقع، نسب هؤلاء الاحتجاجات إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. 

إلا أن الوقائع على الأرض ترسم صورة مختلفة، فقد ثبت فعلاً أن السيسي مكروه من قبل أعداد ضخمة من المصريين، وهو يعلم ذلك يقيناً. 


لو لم يكن السيسي قلقاً بشأن تضاؤل شعبيته لما احتاج لأن يمنع إجراء استطلاعات علمية للرأي أو يقرع وسائل الإعلام الأجنبية على تغطيتها للأحداث في مصر. والأهم من ذلك، لو كان السيسي واثقاً من شعبيته، لما وجد الحاجة لأن يحظر الاحتجاجات المناهضة للنظام ويكتمها تماماً. 


من الناحية النظرية، يمكن لعدد قليل من مظاهر الاحتجاج ضد السيسي أن تساعد النظام على الظهور بمظهر ديمقراطي مؤيد للحريات، إلا أن النظام اتخذ خلال الأسبوع المنصرم إجراءات مشددة لقمع المعارضة وترهيب من تسول له نفسه الاحتجاج. 


القوة الفتاكة


بعد إلقاء القبض على المئات من المحتجين خلال الأسبوع الماضي، كرر النظام الزعم بأن الاحتجاجات غير مشروعة، وصرح بأنه سيتم التعامل مع المحتجين بحزم، بل وهدد حتى باستخدام القوة الفتاكة، واستمر في فرض التعتيم الإعلامي، والتشويش على مواقع التواصل الاجتماعي وأغلق محطات قطار الأنفاق القريبة من مركز مدينة القاهرة، وألغى جميع مباريات دوري كرة القدم التي كان من المفروض أن تقام خلال نهاية الأسبوع، واستخدم الدبابات وشرطة مكافحة الشغب لكي يغلق تماماً جميع الطرق والجسور المؤدية إلى الميادين الكبرى. 


يتضح من صورة لموقع قريب من ميدان التحرير التقطت يوم الجمعة عبر خرائط غوغل مدى ما ذهب إليه النظام لقطع الطريق تماماً على إمكانية تجمع المحتجين في الميدان. 


والحقيقة هي أن شعبية السيسي لم تبلغ في أي وقت من الأوقات المستويات التي طالما تحدثت عنها وسائل إعلامه المتزلفة. ففي عام 2013 ثم في عام 2014، أي بعد وقت قصير من الانقلاب (وفي أوج شعبيته)، أظهر استطلاعان علميان للرأي أجرتهما مؤسسات غربية أن شعبية السيسي كانت مكافئة تقريباً لشعبية مرسي، الرئيس الذي انتخبه الشعب بحرية ثم ما لبث أن أطيح به في انقلاب عسكري. 


تدل الإجراءات التي اتخذها نظام السيسي مؤخراً أن القائمين عليه يدركون تضاؤل شعبية الرئيس. 


مصران لا مصر واحدة


هناك مصران، لا مصر واحدة. 


يصور النظام ووسائل إعلامه كل من يعارضون السيسي على أنهم خونة، وغير مصريين، بل وإرهابيون، بينما يصورون أنصاره على أنهم المصريون الحقيقيون. 


لدى وصول السيسي إلى مطار القاهرة الدولي يوم الجمعة، استقبلته صحفية بسؤال حول التظاهرات التي يجري التخطيط لها احتجاجاً على النظام، ولا أدل على الترتيب المسبق لمثل هذا اللقاء من أن سؤالها أشار إلى المحتجين بكلمة "الإرهابيين". 


لا يكف النظام ووسائل إعلامه – قولاً وفعلاً – عن تذكير المصريين المعارضين للسيسي بأنهم خونة ومجرمون وبأنه لا يسمح لهم بالاحتجاج. ولذلك فقد ألقي القبض على أكثر من ألفي مصري لمشاركتهم في احتجاجات العشرين من سبتمبر / أيلول، ثم ألقي القبض على المزيد من المصريين يوم الجمعة، بينما استخدم النظام القوة في فض التظاهرات والتصدي للمحتجين. 


من ناحية أخرى، تم تشجيع المصريين المؤيدين للسيسي على التظاهر العلني وذلك في مخالفة صريحة للقانون الذي سنه النظام ذاته لمنع الاحتجاج، وهو القانون الذي يشترط حصول المحتجين على إذن مسبق من وزارة الداخلية حتى يتمكنوا من تنظيم الاحتجاجات. 


كما استخدم النظام بعض رجال الأعمال والمشاهير من الفنانين لتشجيع المؤيدين للنظام على الخروج للتظاهر، بل ووفر الموسيقى ووسائل الترفيه. كما زودت الحكومة أنصار السيسي بحافلات لنقلهم إلى مواقع التظاهر، ووزعت الطرود الغذائية على المتظاهرين الجائعين، ولم تتردد في دفع الرشاوي كمحفز على الحضور والمشاركة. 


قوي ولكنه غير منيع

 
قد يكون السيسي قوياً، ولكنه ليس منيعاً وليس عصياً على القهر. 


بعد الاستيلاء على السلطة، ارتكب نظام السيسي المجازر بحق المئات من العزل الذين كانوا يحتجون سلمياً في شوارع مصر، وأقدم على حظر جميع أحزاب وجماعات المعارضة الجادة، وأغلق كل وسائل الإعلام المعارضة، واعتقل عشرات الآلاف من الزعماء والنشطاء السياسيين، وقضى قضاءً مبرماً تقريباً على المنظمات غير الحكومية، وسن تشريعات جائرة حظرت الاحتجاج وكل مظاهر المعارضة العلنية. 


منذ عام 2014 على الأقل، يترأس السيسي نظاماً سلطوياً بكل ما تعنيه الكلمة. ولقد أكد استعراضه للقوة خلال الأسبوع الماضي أنه يحكم قبضته بشدة على جميع مؤسسات الدولة في مصر، كما أثبت ذلك مدى الرعب من الاعتقال والقتل الذي أبقى كثيراً من المصريين معتكفين داخل بيوتهم. 


إلا أن مظاهرات الأسبوع الماضي كشفت أيضاً عن الصدع الذي أصاب هيبة النظام، حيث أن الاحتجاجات أثبتت أن كثيراً من المصريين، في العديد من المحافظات، لم يعودوا يخشون المخاطرة بحياتهم. 

من غير المحتمل أن يتوقف محمد علي عن بث الفيديوهات، بل يزعم أن لديه كماً آخر كبيراً من الأدلة التي تثبت ضلوع الحكومة في الفساد. وبينما يتداعى الاقتصاد خارجاً عن كل سيطرة، مخلفاً حالة بات معظم المصريين يشكون فيها من الفقر والحرمان، وبينما يستمر محمد علي وغيره في المطالبة بثورة الشعب، من المتوقع أن يواجه السيسي مزيداً من الخروج عليه. 


ثقافة جديدة

 

 إذا كان لأحداث الأسابيع القليلة الماضية من دلالة، فهي أن السيسي بات الآن يواجه ثقافة جديدة من الاحتجاج، وأن عليه أن يعد نفسه للتعامل مع هذه الثقافة الجديدة. فإلى متى سيتمكن النظام من الاستمرار في نشر الدبابات في الشوارع، وكم من الناس لديه الاستعداد أن يعتقلهم أو يزهق أرواحهم؟


عند أي نقطة سيقرر الجيش المصري، الذي يتحكم بما يزيد عن ستين بالمائة من الاقتصاد المصري، أن السيسي لم يعد يستحق العناء؟ هذه أسئلة لا يتسنى الإجابة عليها في الوقت الراهن، ولكن الأيام أو الأسابيع أو الشهور القادمة قد تحمل في طياتها الإجابة عليها. 


بالنسبة للسيسي، يبدو عام 2019 مختلفاً تماماً عن عام 2013 عندما حظي بتأييد ودعم حكومات عربية قوية كحكومة المملكة العربية السعودية وحكومة الإمارات العربية المتحدة، وحظي كذلك بدعم ضمني من إدارة أمريكية مستقرة.


أما في اللحظة الحالية، فإن الرياض وأبوظبي وواشنطن غارقة جميعها في مشاكلها الخاصة وعاجزة عن مد السيسي بدعم ذي معنى. 


لا تذهبوا بعيداً، فثورة مصر أبعد من أن تكون قد انتهت. 

 

ترجمة خاصة لـ"عربي21" نقلا عن موقع ميدل إيست آي البريطاني 

0
التعليقات (0)