ملفات وتقارير

تقرير استراتيجي يحذّر من خطورة تكنولوجيا التجسس الإسرائيلية

تقرير يسلط الضوء على تكنولوجيا التجسس الإسرائيلي على دول المنطقة  (مركز الزيتونة)
تقرير يسلط الضوء على تكنولوجيا التجسس الإسرائيلي على دول المنطقة (مركز الزيتونة)

حذّرت دراسة علمية حديثة أصدرها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في العاصمة اللبنانية بيروت، من أن "إسرائيل" تعدّ من أبرز محاضن تكنولوجيا الاتصالات، وأن عددا كبيرا من هذه الشركات التي تحتل مراكز متقدمة عالمياً إما أنها اشترت شركات إسرائيلية، أو أنها أنشأت مراكز للبحث والتطوير لها في "إسرائيل".

وسلطت الدراسة التي أعدتها الباحثة فاطمة حسان عيتاني عن "الوحدة الإسرائيلية 8200 المتخصصة في مجال تقنيات التجسس التكنولوجي، والتي توازي وكالة الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، الضوء على الخلفية التاريخية للنشاط الاستخباراتي الصهيوني، وأنشطته في البيئات؛ الفلسطينية، والعربية، والدولية.

وسعت هذه الدراسة، التي حصلت "عربي21" على نسخة منها، إلى إبراز أهداف "إسرائيل" غير المعلنة، بتطويرها واستغلالها للتطور التكنولوجي؛ بهدف تحقيق مكاسب أمنية وسياسية واقتصادية على الصعيد الدولي.

 


وتشير الدراسة، التي اعتمدت في أغلبية مراجعها على المصادر الإسرائيلية والأجنبية، إلى أن فكرة تأسيس منظمات وحركات استخباراتية إسرائيلية تعود إلى ما قبل الإعلان عن "دولة إسرائيل" سنة 1948، وتحديدا إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 1915، حيث أسس المهندس الزراعي آهارون آرونسون أول وحدة استخبارات سريّة في فلسطين؛ تخدم وكالة تجسس بريطانية أطلق عليها اسم نيلي Netzah Yisrael Lo Yeshaker (NILI)، وتعني "إسرائيل الخالدة لن تكذب". 

وفي سنة 1920، تمّ تشكيل الهاجاناهHaganah، وهي ميليشيا سرية، لحماية اليهود في ظلّ الحكم العثماني. 

وبعد هزيمة العثمانيين، سيطر البريطانيون على فلسطين، وقامت الهاجاناه في سنة 1929، بتشكيل "شين ميم2 أو Shin Mem 2"، وكانت مهامها مراقبة الخطوط الهاتفية للعرب في القدس لجمع المعلومات عن ما تُسمّيه "أعمال الشغب" المحتملة، وكانت هذه الحالة الأولى التي تُستخدم فيها الإشارات الاستخباراتية. 

وفي أيلول/ سبتمبر 1940، تمّ تأسيس شيروت يديعوت Sheruth Yedioth، المعروف باسم شاي Shai (دائرة المعلومات) رسمياً، بعد اقتراح من شاؤول أفيجور Shaul Avigur، القائد في "ليه عاليه بيث (الموساد)" على قادة الهاجاناه بتأسيس وحدة معلومات تعمل على مستوى فلسطين المحتلة. وقامت المخابرات العسكرية البريطانية "أم آي 4 أو MI4" بتسليحهم وتمويلهم وتدريبهم. 

وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، تألفت حركة المقاومة اليهودية الموحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1945، من الهاجاناه ومن منظمتين شبه عسكريتين هما الإرجون Irgun وليحي Lehi، والتي تحولت فيما بعد إلى الجيش الإسرائيلي Israeli Defense Force (IDF). 

في 14 أيار (مايو) 1948، انتهى الانتداب البريطاني وأعلن ديفيد بن جوريونDavid Ben-Gurion   إقامة "دولة إسرائيل"، وتدخلت الجيوش العربية لدعم الفلسطينيين ضدّ القوات الصهيونية، وكان لشبكة المخابرات الواسعة التي طورتها الهاجاناه، دور مهم في هزيمة القوات العربية. 

منظمة سرية غامضة

وذكرت الدراسة أن الوحدة 8200 بدأت قبل سنة 1948 كمجموعة من الأشخاص الذين حاولوا تطوير مهاراتهم التكنولوجية بجمع وفك رموز الخصوم البريطانيين والعرب. وفي سنة 1948، أنشأ الجيش الإسرائيلي وحدة حرب إلكترونية في مدينة يافا، أُطلق عليها اسم شيفرة "الأرنبRabbit"، وكانت مهمتها التنصت على المكالمات بين الفلسطينيين وفكّ رموزها، في وقت كانت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي من الدول القليلة التي باستطاعتها فك رموز وشيفرة الاتصالات.
 
وتُعرّف الدراسة الوحدة 8200، بأنها "وحدة نخبة تابعة لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) Aman، وهي ركن أساسي للمخابرات العسكرية الإسرائيلية، تسعى لإنتاج أفضل المواهب التكنولوجية على مستوى العالم. وهي المسؤولة عن جمع المعلومات الاستخبارية المشفرة SIGINT، أي من الإشارات الإلكترونية وأنظمة الاتصالات الأخرى التي تستخدمها الأهداف الأجنبية والمحلية، من خلال الرصد، والتنصت، والتصوير، والتشويش، ثم يتم تحليل هذه البيانات لتقييم التهديدات المحتملة للأمن القومي الإسرائيلي.
 
وتعد هذه الوحدة منظمة سرية وغامضة، وذات بيانات محدودة متاحة للجمهور، لذلك يصعب الحصول على البيانات الدقيقة التي يحتاجها أي بحث أكاديمي حولها. وقدَّر موقع فوربس Forbes، سنة 2016، عدد أفراد الوحدة بـ 5 آلاف شخص، وكلهم يعملون لإيجاد أحدث التقنيات التكنولوجية مع القليل من التوجيه. ويُفترض أن يتفوق خريجو الوحدة بثلاث صفات ريادية هي أخذ المخاطر، والاستقلالية، والابتكار.
 
ووفق بعض الباحثين، تعد هذه الوحدة من أفضل وكالات الاستخبارات العسكرية في العالم، ويرى البعض أنها توازي وكالة الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية. 

وتركز وحدة 8200 على العناصر الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و21 عاماً، إذ تضعهم في بيئة تدريب تشبه بيئة الشركات الناشئة لتحقيق مزيد من التحفيز والتدريب. ويتم اختيار المجندين فيها بحسب القدرة على التكيف والتعلم السريع والابتكار، فهي تستهدف الطلاب الذين يتمتعون بقدرات تحليلية فائقة، ويمكنهم اتخاذ قرارات سريعة والعمل بشكل جيد ضمن فريق، ويتحملون المخاطر باستمرار في المواقف الصعبة، حتى عند مواجهة الخصوم، ولديهم الرغبة المستمرة في التحسن والتعلم من الفشل. 

ويتعرض جنود الوحدة 8200 لعملية فحص صارمة ودقيقة قبل قبولهم في الوحدة، كما يتم فحص جميع المجندين المحتملين من قِبل الجيش الإسرائيلي عند اقترابهم من التخرج من المدرسة الثانوية، وفي بعض الأحيان تبدأ متابعتهم عندما يكونون أصغر سناً، وذلك باستخدام برامج ما بعد المدرسة للفتيان الذين تتراوح أعمارهم بين 16 ـ 18 سنة، بتعليمهم الكمبيوتر ومهارات القرصنة. 

وتذكر الدراسة أن عدد الشركات الإلكترونية في "إسرائيل" بلغ 450 شركة، وأن نصف شركات تكنولوجيا الاتصالات التي تحتل مراكز متقدمة عالمياً إما أنها اشترت شركات ناشئة إسرائيلية، أو أنها اشترت مراكز للبحث والتطوير لها في "إسرائيل".

وأكدت الدراسة أن دور العناصر "السابقة" في الوحدة 8200 لا يقتصر على إنتاج بعض الشركات الناشئة الطموحة في "إسرائيل"، والتي يتم استغلالها في أنشطة الحرب الإلكترونية الإسرائيلية، بل إنها تساعد أيضاً في التوظيف لصالح الموساد والشاباك. 

التجسس على العالم العربي

وذكرت الدراسة أن الوحدة 8200 استطاعت أن تعترض في أوائل أيام حرب 1967 مكالمة هاتفية جرت بين رئيس جمهورية مصر العربية جمال عبد الناصر والملك الأردني الحسين بن طلال، وكذلك اعترضت الوحدة مكالمة هاتفية جرت بين ياسر عرفات ومسلحين تابعين لمنظمة جبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس)، الذين اختطفوا سنة 1985 سفينة الركاب الإيطالية أكيل لورو Achille Lauro في أثناء إبحارها في مياه المتوسط. 

ودلت وثائق كشف عنها الأرشيف الرسمي الإسرائيلي بمناسبة مرور أربعين عاماً على حرب 1973، أن الوحدة مسؤولة عن ما بات يعرف بـ"الوسائل الخاصة"، والتي تتضمن زرع أجهزة تنصت في مكاتب ومرافق حيوية في عمق البلدان العربية، خصوصاً البلدان التي تكون في حالة عداء مع "إسرائيل". 

وتحاول الوحدة 8200 أن تبتز الفلسطينيين من خلال المعلومات الشخصية والخاصة التي تقوم بجمعها عنهم، لإجبارهم على التعاون معها. 

تعاونت مع الإمارات والسعودية

كما ذكرت الدراسة معلومات عن امتداد عمل شركات التنصت الإسرائيلية لصالح دول خليجية مثل الإمارات، التي استهدفت بها أحمد منصور، وهو ناشط بارز في مجال حقوق الإنسان في الإمارات ساهم في التوقيع على عريضة تطالب بالإصلاحات الديمقراطية في الإمارات. ويقضي أحمد منصور حكماً بالسجن لمدة عشرة أعوام في الإمارات بتهمة نشر أخبار غير صحيحة على مواقع التواصل الاجتماعي. 

وفي سنة 2018، أعلنت منظمة سيتيزن لاب بأن برنامج التجسس "بيجاسوس" قد استُخدم لتعقّب عمر عبد العزيز، وهو معارض سعودي يعيش في كندا تحت رعاية سياسية. ووفقاً لتقرير المنظمة، استخدم عملاء النظام في الرياض تكنولوجيا أن أس أو في مونتريال Montreal ضدّ عبد العزيز. 

وبعد مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، أقام عبد العزيز دعوى قضائية في 2 كانون الأول (ديسمبر) 2018، ضدّ الشركة الإسرائيلية "أن أس أو"، مدعياً أن برنامج الشركة بيجاسوس كان يستخدم لاختراق هاتفه المحمول، من أجل تتبع المحادثات مع الصحفي السعودي جمال خاشقجي. 

وقد نشرت شبكة "سي أن أن" مراسلات بين عبد العزيز وخاشقجي كانا يخططان فيها لإنشاء حركة على الإنترنت للشباب السعودي، تجابه دعايات النظام السعودي على الشبكات الاجتماعية. وقد وصف خاشقجي ولي العهد محمد بن سلمان بأنه لب المشكلة ويجب إيقافه. وقال عبد العزيز لشبكة "سي أن أن" "قرصنة هاتفي لعبت دوراً كبيراً في ما حدث لجمال، أنا آسف لهذا... الذنب يقتلني".  

وكشفت تحقيقات أجرتها صحيفة هآرتس أنّ الشركة تفاوضت مع المملكة العربية السعودية لبيعها قدرات هجومية متطورة لاختراق الهواتف الخليوية. 

وذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية Amnesty International نشرته في آب/ أغسطس 2018، عن تلقي ناشطين سعوديين معنيين بحقوق الإنسان، ومنهم عددٌ من موظفيها، لرسائل مشبوهة عن طريق برنامج واتساب WhatsApp، تحتوي على رابط خبيث من برنامج التجسس بيجاسوس. 

وحذّرت الدراسة من أنه وعقب الفشل الاستخباري الإسرائيلي في توقع الثورات العربية، أنشأت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قسماً يتبع الوحدة 8200 لمراقبة وسائل الإعلام العربية، ومواقع التواصل الاجتماعي، لرصد توجهات العالم العربي من رسائل معادية نحو "إسرائيل" في أعقاب الثورات، وجمع المواد الإخبارية والتصريحات السياسية على مدار 24 ساعة، في جميع المواقع الفلسطينية والصفحات الشخصية لمسؤولين فلسطينيين وعرب.

ورأت الدراسة أن انتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة هو سلاح ذو حدين؛ فمن جهة، يمكن استخدامه من أجل تسهيل الاتصالات بين الأفراد، وتقريب المسافات بين الدول والحضارات المختلفة، ومن جهة أخرى، يمكن استخدامه في التسبب بأضرار جسيمة لأشخاص أو مؤسسات، أو دول في سبيل تحقيق أهداف معينة، وأصبحنا بذلك نعيش في بيئة افتراضية، يصعب أن يحكمها القانون.

وأشارت إلى أن انتشار الوحدة 8200 وتسللها على مستوى العالم، من خلال عالم التكنولوجيا المتطورة، لا يعني بأنها الوحدة التكنولوجية الإسرائيلية الوحيدة التي أنتجها الجيش الإسرائيلي، بل يوجد العديد من الوحدات الأقل شهرة، ولكنها قد تضاهيها قوة وانتشاراً وتأثيراً.

ودعت الدراسة إلى العمل على تنمية الكوادر البشرية العاملة في المجال التكنولوجي، وخصوصاً في مجال أمن المعلومات. وحثّ الجامعات على توجيه الطلاب نحو الدراسة التي تنفع في هذا المجال، وافتتاح مراكز للتطوير العملي.

كما طالبت بحثّ المراكز البحثية للبحث وكتابة الدراسات العلمية المتخصصة في المجالات التكنولوجية والقانونية المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، لتوعية المجتمع وتحذيره، وحثّ المؤسسات الإعلامية على توعية المجتمع عن مدى خطورة البرامج التجسسية، وما هي الدوافع الإسرائيلية وغير الإسرائيلية من ورائها.

ودعت الدراسة إلى نشر الوعي لدى مستخدمي الإنترنت بطرق حماية معلوماتهم وأمورهم الشخصية، والعمل مع المؤسسات الرسمية العربية والدولية والمراكز الحقوقية والإنسانية على تشريع قوانين دولية فعالة تحمي المواطنين من التجسس وخرق حرياتهم الشخصية، مع العلم أنه قد يكون من الصعب تطبيق هذه القوانين بشكل عملي، لأنه من النادر جداً إيجاد دلائل تكشف التجسس.

يذكر أن مركز الزيتونة هو مؤسسة دراسات واستشارات مستقلة، تأسس في بيروت، في منتصف عام 2004م، ويُعنى بالدراسات الاستراتيجية والأكاديمية واستشراف المستقبل، ويُغطي مجالُ عملِهِ العالمين العربي والإسلامي، ويعطي اهتماماً خاصاً بالقضية الفلسطينية، وبدراسات الصراع مع المشروع الصهيوني والكيان الإسرائيلي، وكل ما يرتبط بذلك من أوضاع فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية.

التعليقات (1)
خطر الصهاينة
الجمعة، 30-08-2019 10:30 م
إنه خطر الصهاينة على العالم كله حتى الدول الغربية تستعمل تكنولوجية االصهاينة لمراقبة أفرادها ، لكن كل وسائل الإعلام التابعة لأثرياء الصهاينة لا تعلن ذلك