سياسة دولية

معهد واشنطن: هذه الأسباب تدفع للتقارب التركي الصيني

معهد واشنطن يستعرض عوامل اقتصادية تدفع للتقارب التركي الصيني في ظل وجود خلافات سياسية وتاريخية بين البلدين- جيتي
معهد واشنطن يستعرض عوامل اقتصادية تدفع للتقارب التركي الصيني في ظل وجود خلافات سياسية وتاريخية بين البلدين- جيتي

سلط "معهد واشنطن للدراسات" الضوء على مجرى العلاقات التركية الصينية، المدفوعة للتقارب بفعل العوامل الاقتصادية، مشيرا في ذات الوقت إلى توافر عوامل سياسية وتاريخية تجعل العلاقات بين البلدين سلبية.

ولفت المعهد إلى أن البنك المركزي الصيني حول مؤخرا مليار دولار إلى تركيا كجزء من اتفاقية لتبادل العملات يعود تاريخها إلى عام 2012، مشيرا إلى أن هذا التدفق النقدي أكبر تحويل للأموال وفرته بكين إلى أنقرة.

واعتبر أن هذا الإقراض يعد مبلغا بسيطا قصير الأجل، لاحتياطيات النقد الأجنبي المتناقصة في تركيا.

وأكد أنه لكي ترعى الصين بالكامل اقتصاد تركيا المتعثر، سيتعين على الحكومتين التغلب على الخلافات السياسية التاريخية الرئيسية بينهما، لا سيما فيما يتعلق بأقلية الأويغور الأتراك في منطقة شينجيانغ المضطربة في الصين.

وحول مقومات تركيا الاقتصادية نوه المعهد أنه "نظرا لقلة الموارد الطبيعية الخاصة بتركيا، فإنها تعتمد على عمليات ضخ رأس المال الأجنبي والعلاقات القوية مع الأسواق الدولية لتحقيق النمو".

وذكر المعهد بالدور الأوروبي في انتعاش الاقتصاد التركي إبان النجاح الانتخابي الذي حققه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عام 2003، قائلا "إن معظم المبالغ القياسية للاستثمار الأجنبي التي حصلتها تركيا خلال فترة ولاية أردوغان كانت أوروبا"، ما أدى إلى تعزيز قاعدة ناخبيه.

وأكد أن نظام أردوغان بحاجة إلى المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر لتمويل النمو الذي يعتمد عليه من الناحية السياسية، لا سيما في ظل ما يمر به الاقتصاد التركي في الآونة الأخيرة وسط التقلبات المالية وعدم اليقين السياسي وارتفاع معدلات البطالة (15 في المائة حالياً) والتضخم المتفشي (17 في المائة).

وتابع المعهد بقوله:" بالنظر إلى حجم الاقتصاد التركي - أقل بقليل من تريليون دولار - فإن صندوق النقد الدولي الذي مقره في الولايات المتحدة، هو وحده الذي سيكون لديه الأموال اللازمة لإنقاذه في حال حدوث انهيار مالي، وهذا ما يدركه أردوغان جيداً".

وأضاف: "يدرك الرئيس التركي أيضاً أن روسيا لا تستطيع الاضطلاع بهذا الدور بمفردها. ومن الناحية النظرية، تستطيع الصين القيام بذلك، ولكن الأمر سيتطلب قيام كلا البلدين بتجاوز خلافاتهما بشأن قضية الأويغور".

وأشار إلى زيارة وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو في حزيران/يونيو 2018 إلى الصين لطلب المساعدة الاقتصادية، في ظل انهيار الليرة وإقبال البلاد على أزمة واسعة بالتزامن مع أزمة العلاقات مع واشنطن بسبب قضية القس أندرو برونسون والعقوبات الأمريكية، إلا أن "أوغلو عاد  إلى بلاده دون وعد من الصينيين بإنقاذ الوضع الاقتصادي لتركيا".

ولفت إلى أن الرد الصيني على تركيا كان مفاجئا للأخيرة، خاصة في ظل مساعي بكين السابقة المتوددة لأنقرة والرامية إلى إبرام "مبادرة الحزام والطريق"، التي تهدف إلى تطوير طرق تجارية واسعة النطاق إلى أوروبا وغيرها من المناطق.

وأكد أن هذه المساعي كانت تعني تقديم قروض ميسرة لبناء خطوط مترو جديدة وبنية تحتية أخرى في تركيا. وأن "هذه الاستثمارات تقع في صلب سياسة الصين تجاه تركيا"، حيث وضعت جميع الوزارات التركية تقريبا خططا لتعزيز العلاقات مع الصين، وتم دمج "مبادرة الحزام والطريق" في أوراق السياسة الخاصة بالبيروقراطية التركية.

 

اقرأ أيضا: "رايتس ووتش" تثمن موقف تركيا من اضطهاد الصين لأقلية الإيغور


قضية الأويغور


وقال المعهد: "على الرغم من هذا الزخم، لا تزال بكين تشعر بقلق عميق حيال علاقات أنقرة التاريخية الوثيقة مع مجتمع الأويغور الأتراك في شينجيانغ".
 
وكانت الأويغور تعرف سابقا باسم تركستان الشرقية، وتمثل جزءا رمزيا وأحيانا دولة تابعة لأسرة تشينغ الصينية في القرن التاسع عشر.

ويعود تدخل تركيا في شؤون الأويغور إلى الحقبة التي قام فيها السلاطين العثمانيون باستخدام الإسلام لتوسيع نفوذهم.

ولفت المعهد إلى تواصل دعم أنقرة القوي للأويغور في عهد أردوغان، حيث وصف في عام 2009 السياسات الصينية في شينجيانغ بأنها "إبادة جماعية". 

وبرزت قضية الأويغور كأخطر تحد سياسي للزعيم الصيني شي جين بينغ، مما دفعه للرد على الأويغور باتخاذه إجراءات صارمة ضدهم، منها إرسال مئات آلاف الأشخاص من هذه الأقلية إلى "معسكرات إعادة التعليم"، إضافة إلى مراقبة جماعية لمجتمعاتهم عبر أنظمة كاميرات الدائرة المغلقة والتنصت عالي التقنية لهواتفهم الذكية ومتابعتهم على وسائل التواصل الاجتماعي

وأشار المعهد إلى أنه "في الآونة الأخيرة قلل أردوغان من أهمية القضية في وسائل الإعلام التركية، باعتبارها إستراتيجية تملق من أنقرة إلى بكين.

ونوه إلى "أن بكين تراجعت عن توفير مئات مليارات الدولارات اللازمة للاقتصاد التركي، حيث لا يزال كبار نشطاء الأويغور يجتمعون بانتظام مع المسؤولين الأتراك، ويظل مجتمعهم في تركيا مركز الشتات الأويغوري العالمي"

علاقات اقتصادية ضعيفة


وفي إشارة إلى وجود عوائق أخرى تضاف إلى قضية الأويغور تحول بين تطور العلاقة بين البلدين، لفت المعهد إلى عدم انفتاح تركيا التجاري والاقتصادي على الصين بصورة عامة.

وقال: "الحيز المالي الشامل لبكين في تركيا صغير جدا مقارنة بنظيره الغربي".

وأضاف: "رغم تنويع تركيا لشركائها التجاريين، إلا أنه لم يظهر أحد منهم، بما في ذلك الصين، كبديل قوي لأسواق البلاد التقليدية في الغرب"، حيث أن "صادرات تركيا إلى الصين لا تشكل سوى جزءا صغيرا من صادراتها إلى أوروبا وأمريكا".

وتابع حديثه: "بلغت واردات تركيا من الصين 19.4 مليار دولار، بينما بلغت صادراتها إليها 2.7 مليار دولار خلال عام 2018، ما يعني وجود عجز تجاري كبير بين البلدين".

ونوه بقوله: "على الرغم من ارتفاع الحصة التجارية التركية مع الدول غير الغربية إلى حوالي 30 في المائة، إلا أن الاتحاد الأوروبي وحده ظل يمثل 42 في المائة من تجارة البلاد في العام الماضي، مقارنة بـ 6 في المائة فقط مع الصين".

ووفق المعهد فإن "الحصة الأمريكية والأوروبية من التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي المباشر لتركيا زادت هي الأخرى. ففي عام 2005، كان الاتحاد الأوروبي أكبر مستثمر في تركيا، حيث مثلت حصته 58 في المائة من صافي التدفقات الداخلة للاستثمار الأجنبي المباشر؛ وبحلول عام 2018، ارتفعت النسبة إلى 61 في المائة. وفي المقابل، ظلت تدفقات الاستثمار الصيني أقل من 1 في المائة".

وحسب المعهد فإن مساعي تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين آخذة في التنامين لافتا إلى أن "شركة صينية مملوكة للدولة لها حصة أغلبية في أرصفة حاويات كومبورت (Kumport) في إسطنبول.

ونقل عن بعض التقارير أن شركات صينية عرضت توليها إدارة جسر البوسفور "الثالث" في إسطنبول.

فرص التقارب


وخلص المعهد إلى أن المعطيات القائمة تشير إلى أن وضع تركيا الشحيح من الموارد مع فاتورة استيراد طاقة سنوية تبلغ حوالي 30 مليار دولار، لذلك فهي بحاجة إلى عشرات مليارات الدولارات من الاستثمار الأجنبي المباشر أو التدفقات النقدية السنوية الضخمة للحفاظ على نموها الاقتصادي وعلى رضى قاعدة أردوغان.

وأكمل أنه "ولأجل اجتذاب مثل هذه المكاسب من الصين "يتطلب قيام أنقرة بتغيير سياستها تجاه الأويغور بشكل جوهري، وهذه مهمة صعبة في ضوء الأنماط التاريخية".

وتابع: "في ظل ما واجهته الشركات التركية مؤخرا من صعوبات في الحصول على ائتمانات من مستثمرين أوروبيين وأمريكيين، الأمر الذي خلق فراغا قد يقرر المستثمرون الصينيون ملؤه من خلال توفيرهم مبالغ ائتمان أكبر من تلك التي يوفرها المستثمرون الغربيون"

وختم بقوله "إذا تحقق هذا السيناريو، فقد يزداد التأثير السياسي لبكين على أنقرة بدرجة كبيرة، مما يقرب تركيا من المحور الصيني- الروسي الناشئ في السياسة العالمية".

اقرأ أيضا: تركيا تعتزم زيادة تجارتها مع الصين لـ 50 مليار دولار

التعليقات (0)