ملفات وتقارير

"مصادر التشريع" في الإعلان الدستوري بالسودان تثير جدلا

السودان  الخرطوم توقيع اتفاق السودان جيتي
السودان الخرطوم توقيع اتفاق السودان جيتي

لم يهدأ الجدل في السودان منذ توقيع الوثيقة الدستورية للحكم الانتقالي، بعدما وجهت قوى إسلامية انتقادات لعدم إشارة النص على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، بينما ينظر آخرون إلى الوثيقة باعتبارها "توافقية" قبل صياغة دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. 


ولم تنص الوثيقة الدستورية على أي مصادر للتشريع، كما لم تحدد اللغة الرسمية للدولة، إلا أن مصدرا قياديا في إعلان قوى الحرية والتغيير الموقعة على الوثيقة، قال لـ"عربي21" إن "الشريعة الإسلامية ليست مجرد نصوص تكتب في الوثائق وإنما مقاصد، وأن الوثيقة عبارة عن اتفاق لفترة انتقالية من نظام قديم إلى نظام جديد يختاره السودانيون عبر إرادتهم الحرة".


ورأى المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن "توقيت إثارة قضية الشريعة هو معارضة سياسية للاتفاقية وليست قضية دينية".


وكان الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف وصف الوثيقة الدستورية التي تمّ الاتفاق عليها بين المجلس العسكري وإعلان قوى الحرية والتغيير بـ"اللقيطة"، داعيا الله "أنّ يرسل شيئًا من السماء يوقف التوقيع عليها".


"تجاوز خطير"

 

 كما تحدث لـ"عربي21" عن الوثيقة محمد علي الجزولي العضو البارز في تيار نصرة الشريعة الذي يضم عددا من الدعاة وقوى إسلامية، معتبرا أنها حملت "خللا كبيرا وتجاوزا خطيرا في طمس ركيزة من أهم ركائز الهوية السودانية وهي ما يتصل بالإسلام والشريعة ولغة القرآن".


وأشار الجزولي إلى أن الوثيقة "جاءت بعلمانية صريحة حيث خلت من أي مسحة إسلامية حتى الهوية التي كانت تذكر في بداية كل الدساتير الماضية".


وقال إن الوثيقة "تنتهي إلى إزاحة الدين عن دائرة التأثير في الحياة السياسية العامة السودانية بوصفها نتائج تمهد لإعادة طرح المقدمات الماركسية والقومية والحداثة والعلمانية والليبرالية المقيتة".


ودعا الجزولي من سماهم بـ"حملة الشريعة من العلماء وأهل الفضل من الغيورين على حرمات الله"، إلى "عدم ترك عامة الناس فريسة سهلة للعلمانية وأبواقها، والتصدي للمخطط الرامي إلى تفتيت البلاد وتشريد العباد"، على حد قوله.


"هضم حق الأكثرية"

 

 بدوره أبدى الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بالسودان إسماعيل عثمان محمد الماحي تحفظه على الوثيقة الدستورية، مشيرا إلى أن السودان "بلد مسلم بأكثرية غالبة في سكانه"، مستنكرا "عدم الإشارة للشريعة الإسلامية باعتبارها مصدر التشريع"، وانتقد عدم ابتداء الوثيقة بالبسملة وقال إن البسملة ليست أمرا شكليا.


وقال الماحي لـ"عربي21" إن الموقعين على الوثيقة "كلهم مسلمون وعليهم أن يبيّنوا لماذا اسقطوا البسملة والإشارة للشريعة الإسلامية".


وتساءل: "أين الحرية والعدالة والديمقراطية في هضم حق أكثرية الشعب السوداني؟"، مؤكدا أن "الفترة الانتقالية لا مجال فيها لتناول قضايا الأمة الكبرى وأي تناول لها يجب أن يكون بعد الانتخابات ونحن كمسلمين لن نتنازل عن حقوقنا وسندافع عنها بكل ما أوتينا من قوة".


أما القيادي بجماعة الإخوان المسلمين عوض الله حسن سيد أحمد فقد دعا الحكومة الانتقالية التي تتمخض من الوثيقة الدستورية، إلى "عدم المساس والبت في القضايا التي تتطلب شرعية انتخابية مثل مصادر التشريع المعبرة عن هوية الأمة وعقيدتها".


وفي تصريحات لـ"عربي21" اعتبر سيد أحمد الذي يرأس حاليا لجنة تمهيدية لحزب سياسي باسم "الأصالة والتنمية"، الوثيقة "اتفاقا يمثل مخرجا آمنا في حده الأدنى، جنب البلاد مآلات النزاع الدموي، وتدخلات أجنبية طامعة".


"مزايدة سياسية"

 

 في المقابل، رفض القيادي في إعلان قوى الحرية والتغيير بابكر فيصل الانتقادات الموجهة للوثيقة.


واعتبر في حديثه لـ"عربي21" أن "تطبيق الحدود هو ما يشكل أولوية قصوى لهذه الحركات بالإضافة إلى أنها لا تؤمن إيماناً مبدئياً بالنظام الديمقراطي بل تتخذ منه وسيلة للوصول إلى السلطة من أجل تطبيق الشريعة كما تفهمها".


وهو ما اتفق معه فيه القانوني نبيل أديب المؤيد للحراك الثوري في السودان، الذي قال إن الدعوة للنص على الشريعة الإسلامية في الوثيقة الدستورية "مجرد مزايدة سياسية وشحن عاطفي لا يعكس علما بكيفية صياغة الدستور أو القانون".


وأوضح أديب لـ"عربي21" أن الوثيقة "لا تتطلب هذا النص كون أن المشرع يتبنى أصلا هذا النص في القانون، لأنه معلوم أن المشرع يضع القوانين حسب الثقافة السائدة في المجتمع وهي ثقافة إسلامية، وليس هناك ما يجعلنا نتوقع أن تكون هناك أحكام معادية للإسلام في الوثيقة الدستورية".


وقال إن مسألة تطبيق الشريعة مختلف حولها فقهيا، لكن ذلك لا يمنع أي طرف من الدعوة إلى النص على أن تكون الشريعة مصدرا من مصادر الدستور في أحكامه وذلك من خلال المؤتمر الدستوري القومي الذي نصت على عقده الوثيقة الدستورية في نهاية المرحلة الانتقالية.


ورأى أن المؤتمر الدستوري "سيضع دستورا متكاملا يحمل أحكاما متعلقة بالهوية والثقافة وتعددها"، داعيا من يريدون نصا للشريعة كمصدر للتشريع أن يعبروا عن هذه الرؤية في المؤتمر الدستوري الذي سيُعقد في نهاية الفترة الانتقالية.

التعليقات (0)