هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تكن المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق منازل المقدسيين في وادي الحمص وصور باهر حدثا استثنائيا، فالجرائم الاحتلالية في القدس تحديدا هي حدث يومي، ترتفع وتيرته من وقت إلى آخر، لأن الاحتلال يرى في مجرد الوجود الفلسطيني في القدس تهديدا له، تماما كما يمثل هذا الوجود صمودا فلسطينيا يستحق الإشادة والفخر، برغم ثمنه الباهظ.
ولأن القدس تمثل ركنا أساسيا في الرواية الصهيونية للصراع، فإنها تسعى منذ احتلال جزئها الغربي في العام 1948 واحتلال المتبقي منها في حرب النكسة إلى إزالة الوجود الفلسطيني فيها، وتنفذ عدوانا يوميا على هذا الوجود بشتى الطرق، عبر منع البناء وتعقيد منح التصاريح لصيانة البيوت الفلسطينية، وهدم المنازل وإبعاد المقدسيين عن مدينتهم بحجج واهية، وإغلاق المؤسسات الفلسطينية في القدس، ومحاولة خلخلة البنية الاجتماعية لأهل القدس بطرق استخبارية وإفسادية، وفرض القيود على العبادة في الأقصى والكنائس المقدسية، وتعقيد حياة الفلسطينيين بحيث يصبح البقاء في القدس باهظ الثمن.
عندما نقول إن الجرافات العربية الرسمية شاركت في مجزرة العدم الأخيرة لبيوت المقدسيين، فإن المجاز هنا يتحول إلى حقيقة، إذا يتزامن هدم البيوت مع لقاءات عربية إسرائيلية على مستوى غير مسبوق
كانت الجرائم التي يرتكبها الاحتلال دائما تواجه بشكل أساسي بصمود الفلسطينيين، الذين استطاعوا التقليل من خسائرهم بالاحتجاجات والصبر وتحمل ثمن البقاء في مدينتهم، وكان الدور العربي الرسمي مقتصرا على التنديد بالإجراءات الصهيونية، فيما يتم تكريس الوجود اليهودي في المدينة ممدودا بدعم حكومي، وبإسناد من المؤسسات والمنظمات الصهيونية عبر العالم، التي تقدم الأموال اللازمة لتوسيع الاستيطان السرطاني في القدس.
لكن الجديد في حملة الهدم الجديدة هو أنها تأتي في ظل غياب حتى التنديد الرسمي العربي الذي كان سابقا مثارا للتندر، وأصبح الآن هدفا بعيد المنال! بل إن الموقف العربي الرسمي انحدر من إدانة الاحتلال إلى إدانة الفلسطيني، وإلى التقليل من أهمية الصراع العربي الإسرائيلي، وإلى التسارع في التطبيع بشكل مشين وبدون ثمن.
لم يكن الموقف العربي الرسمي رادعا في يوم من الأيام للاحتلال لوقف ممارساته الإجرامية ضد الفلسطينيين عموما والمقدسيين بشكل خاص، ولكنه كان يمثل "أضعف الإيمان"
وعندما نقول إن الجرافات العربية الرسمية شاركت في مجزرة العدم الأخيرة لبيوت المقدسيين، فإن المجاز هنا يتحول إلى حقيقة، إذ يتزامن هدم البيوت مع لقاءات عربية إسرائيلية على مستوى غير مسبوق، كان آخرها لقاء وزير الخارجية البحريني بنظيره في حكومة الاحتلال بعد ثلاثة أيام فقط من عمليات الهدم، ولم نسمع أن الوزير العربي قد أثار الموضوع ولو بطريقة دبلوماسية ناعمة، بل لم يذكر المجزرة ولو بكلمة واحدة، وهو الأمر الذي ينسحب على موقف معظم الدول العربية تجاه الجريمة.
ولن نذكر الوفد "الإعلامي" التطبيعي الذي تزامنت زيارته "المهرجانية" للقدس بالتنسيق مع الاحتلال، واحتفت به الدوائر السياسية والإعلامية الصهيونية كثيرا، وذلك لأنه وفد أتفه من أن يذكر، ولأنه يضم "مجاهيل" تبرأت منهم كل الهيئات الصحفية العربية، ويبدو أنهم ذهبوا من أجل البحث عن شهرة رخيصة، وليلتقطوا الصور مع صحفيين ورسميين في دولة الاحتلال، وليتبجحوا بالحديث عن "السلام" في نفس الوقت الذي كانت فيه جرافات الاحتلال تنفذ مجزرة الهدم!
لم يكن الموقف العربي الرسمي رادعا في يوم من الأيام للاحتلال لوقف ممارساته الإجرامية ضد الفلسطينيين عموما والمقدسيين بشكل خاص، ولكنه كان يمثل "أضعف الإيمان" بالوقوف المعنوي واللفظي مع الشعب الصامد تحت الاحتلال، وكان "يتطور" أحيانا لاتخاذ مواقف دبلوماسية في المؤسسات الأممية، وهي مواقف -وإن كانت شكلية- إلا أنها تمثل رفضا للجرائم الصهيونية على الأقل.
يخرج رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ليتحدث بفخر يوميا عن توثيق العلاقات مع دول عربية سرا وعلنا، ويزعم أنه يقدر هذه العلاقات، وتزعم الدول التي تهرول تجاه التطبيع أن العلاقات مع الاحتلال تفيد الفلسطينيين، ولكن الواقع يقول إن هذه العلاقات ليست سوى ثمن تدفعه الأنظمة للحصول على الرضى الأمريكي عبر بوابة تل أبيب، فيما يستمر الاحتلال كعادته تاريخيا بممارسة الإهانة بحق من يطبعون معه ويقدمون له التنازلات، فيمارس جرائمه بالتزامن مع لقاءات قياداته مع قيادات عربية، وليقول للجمهور الإسرائيلي إنه يستطيع أن يفتح علاقات مع العرب، بل أن يستخدم "جرافاتهم" التطبيعية لهدم البيوت المقدسية في نفس الوقت!