ملفات وتقارير

الجزائر.. هل ينسحب الجيش من السلطة بعد الحراك؟

دريس: ثمة تحولات عميقة داخل المجتمع وداخل الجيش وفي المحيط الدولي ستفرض في النهاية تمدين الممارسة السياسية- جيتي
دريس: ثمة تحولات عميقة داخل المجتمع وداخل الجيش وفي المحيط الدولي ستفرض في النهاية تمدين الممارسة السياسية- جيتي

يعجز كثير من الجزائريين عن إدراك حقيقة المشروع الذي تُريد إنفاذه المؤسسة العسكرية، باعتبارها الطرف الأقوى في النظام حاليا بعد الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

لا يُنكر أحد في الجزائر أن المؤسسة العسكرية في الجزائر ساهمت في دفع الرئيس السابق إلى الاستقالة، بعد أن أعلن رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح في خطاباته ابتداء من شهر آذار/ مارس تأييده للمظاهرات ودعا إلى تفعيل المادة 102 من الدستور التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية، وهو ما تحقق بالفعل في 2 نيسان/ أبريل الماضي.

لكن تلك الرابطة التي جمعت الجزائريين مع قيادة المؤسسة العسكرية خلال تحقق مطلب رحيل الرئيس السابق وزمرته، سرعان ما بدأت تفقد شدتها في الأشهر الموالية بسبب تمسك رئيس أركان الجيش بما يسميه الحلّ الدستوري الذي فرض استمرار رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح والوزير الأول نور الدين بدوي المرفوضين بقوة شعبيا.

وأدى هذا الاضطراب إلى توليد شعور عام لدى كثير من الجزائريين بأن قيادة المؤسسة العسكرية الممسكة بناصية القرار، هي من يوفر الحماية للواجهة المدنية المرفوضة شعبيا في الحكم ويُعطل بالمقابل كل المبادرات الهادفة إلى ضمان انتقال سلس للسلطة من خلال التوافق على شخصيات وطنية تحظى بالقبول الشعبي لإدارة المرحلة الانتقالية.

وزاد من حالة فقدان الثقة استمرار نفس أساليب النظام من تضييق على التظاهر أيام الجمعة وغلق لوسائل الإعلام العمومية أمام الأصوات المخالفة لمقاربة قيادة الجيش، ناهيك عن الاعتقال المفرط لنشطاء الحراك والذي بلغ الذروة لوصوله إلى رموز تاريخية مثل المجاهد لخضر بورقعة الذي وُضع في الحبس بسبب تصريحاته حول المؤسسة العسكرية.

غير أن الموقف من المؤسسة العسكرية يبدو خلافيا بين الجزائريين الذين ينقسمون حيالها إلى 3 أصناف؛ الأول يؤيد كل خطواتها خصوصا في مكافحة الفساد ويؤيد مقاربتها في اعتماد الحلّ الدستوري والذهاب في أسرع وقت ممكن إلى الانتخابات الرئاسية، أما الثاني فيرى عكس ذلك أن قيادة المؤسسة العسكرية تُناور من أجل إعادة إنتاج نفس النظام عبر انتخابات رئاسية تضع فيها مرشحها وتبقى هي حاكمة من وراء الستار، في حين يعتقد القسم الثالث أن المؤسسة العسكرية رغم ضبابية موقفها تبقى صمام الأمان الوحيد الذي ينبغي الحفاظ عليه لضمان عدم دخول الجزائر في الفوضى.

علاقة الجيش بالحراك

وفي قراءته لهذه العلاقة الملتبسة بين قادة الجيش والحراك الشعبي، يقول مدير مركز الأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف حسني عبيدي إن هناك اختلافا في المقاربة التي ينظر بها كل طرف، "فقيادة الجيش تُريد اختزال المطالب الشعبية في تغيير واجهة النظام وشكله عبر حبس وطرد الأسماء المغضوب عليها، في حين يريد الحراك الشعبي تغييرا جذريا يتم من خلاله بناء دولة القانون والمؤسسات".

ويلخص عبيدي في حديثه مع "عربي21" أسباب تمسك قيادة المؤسسة العسكرية بما تسميه الحل الدستوري في مجموعة من العوامل، من بينها "مخاوفها من فقدان الحصانة التي وفرها لها الغطاء الدستوري والسياسي منذ الاستقلال من المستعمر الفرنسي سنة 1962، ناهيك عن عدم الإيمان بقدرة الشعب على تدبير شؤون الدولة في حال تم القبول ببعض المبادرات المطروحة دون أن تكون ثمة وصاية عليه".

ولا يستبعد عبيدي في السياق ذاته، "وجود نية لإعادة هيكلة النظام باعتباره أقل ضررا على السلطة الحالية التي ترغب في البقاء مهيمنة على الدولة، رغم كل ما يحمله هذا الخيار، من مخاطر صدامية لأن الشعب أصبح يطالب بتمكينه من حقه في اختيار من يمارس السلطة باسمه".

عودة المجتمع للسياسة

عند هذه النقطة، يقول منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية فتحي غراس إن الملاحظ اليوم هو "عودة المجتمع بشكل قوي ليصبح هو اللاعب الأساسي في المشهد ويكون مصدر السلطة والسيادة، وهذا ما يعيد بالكامل، رسم طوبوغرافيا العمل السياسي في الجزائر".

ويشير غراسفي حديثه لـ"عربي21" إلى أن معاناة الجزائر من هيمنة العسكري على السياسي منذ الاستقلال، هو نتاج مباشر لتحييد المجتمع من العمل السياسي والذي يؤدي بالضرورة في كل دول العالم إلى هيمنة فئة صغيرة على السلطة، تارة تكون النخبة العسكرية وتارة أخرى الأوليغارشيا وأحيانا البورجوازية، حسب خصوصية كل مجتمع.

ويعتقد غراس في تحليله، أن "قيادة الجيش توجد اليوم في موقف دفاعي، يقوم على ردات الفعل إزاء مطالب الحراك، عبر المناورة لإعطاء الانطباع بأنها تعمل على إرضاء الجزائريين، وهذا في حد ذاته تغير جوهري فرضه الحراك الشعبي، ما يجعل الواقع بعد مظاهرات 22 شباط/ فبراير مغايرا تماما لما قبله".

الانسحاب التدريجي

هذه المكاسب المحققة يُحاول نوري دريس أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة سطيف تفكيكها عبر القول بأنه "من الصعب على أي نظام سياسي  يواجه ثورة شعبية سلمية بهذا الامتداد و الشمولية أن لا يتأثر، ويستمر في الحفاظ على نمط اشتغاله الذي كان سببا في ثورة الجزائريين عليه".

 ويوضح دريس في حديثه مع "عربي21" أن "الجيش لا يمكن أن ينسحب بين عشية وضحاها من الحقل السياسي، ليس فقط لأنه لا يريد ذلك، بل لأنه لا يستطيع، لذلك سيكون هنالك استكمال للانسحاب التدريجي، وسيمتد على سنوات، بل توجد فعلا  فضاءات ومستويات قد انسحب منها ولو شكليا".

ويعتبر دريس أن "صيرورة انسحاب الجيش من السياسة بدأت سنة 1989 (تاريخ الانتفاضة الشهيرة للجزائريين ضد نظام الحزب الواحد)، وكانت لتتسارع وتكتمل لولا الأزمة الأمنية في التسعينيات التي وفرت غطاء لتأجيل انسحاب الجيش".

استحالة العودة للوراء

ويعتقد الباحث حازما بأن جيل اليوم لا يعترف بالمبررات التي استخدمت طوال ثلاثين سنة لغلق المجال السياسي وتزوير الانتخابات وتقييد الحريات، لذلك فإن استمرار هذا الوضع يعني بالنسبة لهذا الجيل ظهور بوتفليقة جديد وعصابة جديدة، لأن الجزائريين يعرفون جميعا، أن الجيش هو من أتى ببوتفليقة، وأن عسكرة الحقل السياسي أو على الأقل بولسته (من البوليس) لا يحول دون ظهور الفساد، بل يورط البوليس والجيش في الفساد".

ويصل دريس في مقاربته إلى أن ثمة تحولات عميقة داخل المجتمع، وداخل تركيبة الجيش، وفي المحيط الدولي، ستفرض في نهاية المطاف تمدين الممارسة السياسية، وما إفشال موعدين انتخابيين، حسب رأيه، كانا ليعيدا الواجهة المدنية للسلطة، "إلا دليل على تراجع النظام على التلاعب بالحقل السياسي مثلما كان يفعل سابقا".


اقرأ أيضا: تظاهرات الجزائر مستمرة رغم تشكيل اللجنة المكلفة بالحوار


التعليقات (2)
ناقد لا حاقد
السبت، 27-07-2019 09:55 ص
الجيوش العربية مثل الجيش المصري و الجزائري هدفها السلطة لما يمثله من امتيازات و ثروات تمكنهم الجيش الجزائري بقيادته الحالية فاسدة و تحتقر مطالب الشعب بل ترى في نفسها وصية عنه و كأن السلطة و الوطن جزء من الجيش
مؤسسة السرقة
السبت، 27-07-2019 02:36 ص
هل يتوقف علي بابا و جيشه عن السرقة؟ للأسف عساكر العرب من الخليج إلى المحيط الأطلسي لا تصلح إلا للنهب و السلب