قضايا وآراء

ميغالومانيا عباس

أحلام التميمي
1300x600
1300x600

مجرد توقيع لا أكثر بقلم الرئيس محمود عباس، يكفل قلب منظومة القضاء العليا، بشكلٍ مفاجئ للرأي العام الفلسطيني، الذي ادعت السلطة الفلسطينية أنه جاء استجابة للضغط الجماهيري نحو إعادة هيكلة مجلس القضاء الأعلى والمطالبة بتمكين العدل وتجفيف منابع الفساد فيه.


والمتمعن بنص القرارين الرئاسيين يجد أن أولهما يقضي بتقليص مدة سن التقاعد القضائي إلى ستين عاما، والثاني بإنهاء صلاحيات مجلس القضاء الحالي وتشكيل مجلس إنتقالي برئاسة عيسى أبو شرار الذي يقترب عمره من التسعين عاماً، والذي يعطي اختياره مؤشراً على التناقض المقصود بين القرار الذي يقضي بتحديد سن التقاعد للستين وبين من تم تعيينه .


في كل دول العالم يتمتع القضاء بالاستقلالية، كي يُحقق صفة النزاهة المطلقة في الأحكام، ويُعتبر أي حكم ثبُت فيه رشوة معينة أو محاباة لجهة دون أخرى باطلاً إن ثبُت، وتدخّل الرئيس عباس المباشر للمرة الثانية في شؤون المجلس القضائي الفلسطيني، يُفقد هذه السلطة نزاهتها، ويُفقد الشعب الثقة بأحكامها والشك بقدرتها على فك النزاعات المجتمعية و المؤسساتية، فأزمة الثقة المجتمعية الفلسطينية بالآخر سواء رئاسة أوحكومة أو فصائل أو مؤسسات أو نظم إدارية على مختلف الأصعدة، هي أزمة متجذرة ساهمت مثل هكذا قرارات بتأصيلها .


هذا الأمر يجعلنا نتساءل: هل تصرفات الرئيس عباس تنم عن حالة ميغالومانيا أم تأتي ضمن السياق الطبيعي لعمله الرئاسي ؟


إنّ المتمعن بتاريخ الرئيس عباس قبل توليّه للرئاسة الفلسطينية، يجده لم يدخل معترك العمل المقاوِم وتفرد في المجال السياسي بعد تخصصه الأكاديمي في تاريخ الصهيونية من موسكو، ولربما ساهمت دراسته بجعله عرّاب اتفاق أوسلو بعد أن ترأس العديد من محادثات السلام المُعلنة وغير المعلنة، والتي لم تُمكّن الشعب من الإطلاع على جملة آراءه السياسية وقناعاته إلا بعد تولّيه لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية خليفةً للرئيس الراحل أبو عمار، وقد أهّله منصبة كأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير على ذلك كونه اعتُبر الشخص الثاني بعد أبو عمار في المنظمة ، هذا المنصب الرئاسي الذي بقي فيه حتى تاريخ كتابة هذا المقال دون إجراء أية انتخابات رئاسية تسمح للشعب الفلسطيني باختيار رئيس مُنتخب . 


إن جملة آراء الرئيس عباس السياسية والتي لا تخفى على أحد تمثل قناعته الخاصة، ومن الملاحظ أنه لا يغيّرها مع مرور السنوات، فما زال يجّرم المقاومة ويتغنى بالتنسيق الأمني والفخر بالاتفاقيات رغم عدم جدواها على أرض الواقع، وغيرها من المواقف التي تعطِي مؤشراً أنه وصل لقناعة مطلقة لا يداخلها شك بأنه يسير على الطريق الصحيح، ورغم استنكار الأحزاب الفلسطينية المُعارِضة لعدد كبير من آرائه، ورغم استطلاعات الرأي العام التي أبرزت مدى امتعاظ المواطن الفلسطيني من الوضع العام، إلا أنه ماضٍ في طريقه الذي أوصله لحد التحكم بالسلطات الثلاث بشكلٍ منفرد،  فكل ما في الأمر قرار رئاسي بصياغته وتوقيع لا أكثر، وهذا ليس غريب على عباس الذي تابعت الجماهير اسلوبه الحواري الاستعلائي مع أبناء المجلس المركزي والثوري في مؤتمرات حركة فتح عبر شاشات التلفاز، والتي لم تخلُ من إسكات شخص أو الادعاء أنه يعرف أكثر من الآخرين .


إن اختزال الرئيس عباس لقرارات عديدة في شخصه فقط، وتحييد الحكومة أو الفصائل عن الشراكة في القرار السياسي، حتى أنه يرفض تمثيلهمعبر انتخابات تشريعية، تعطي مؤشراً لحالة ميغالومانيا أعراضها ظاهرة للجميع، فجنون العظمة يدفع الشخصية الرئاسية لإقصاء الآخرين وعدم الإستماع إليهم بل و تسخير كل شيء مهما كلّف الأمر في سبيل تحقيق غايته، ولأجل ذلك يخصِص له حاشية مهمتها السمع والطاعة، والتصفيق بعد كل خطاب وإطلاق المسيرات المؤيدة له، ولعلّ جمال محيسن الذي ثار غضباً في تسريب فيديو داخلي معترفاً أنّ الرئيس يتخذ قرارات لا توافق عليها الجنة المركزية لحركة فتح،  يقودنا لمعرفة أن حالة الميغالومانيا انعكست على الوضع الداخلي لحركة فتح التي دعته لفصل عدد منهم تارة على خلفية علاقتهم بمحمد دحلان وتارة لأسباب داخلية، ومهما كانت الأسباب فالشخصية الميغالومانية تعتقد دوماً أنها على حق والآخرين على خطأ، ولذلك قد يرى عباس في حل المجلس القضائي الأعلى وتعيين مجلس قضائي انتقالي إصلاحا، وسيؤدي غرض الاستقلالية والنزاهة، ولكن مجرد تعيين شخصيات بعينهم يضع ألف خط تحت كلمتي الإستقلالية والنزاهة !


يقول ميشال كورناتون في كتابه (التواصل الاجتماعي، 1998) "أنّ كل نظام شمولي يستمد شرعيته من عقيدة (قومية، أممية، دينية ....) وعليه فلا بد أن تكون هذه العقيدة هي المصدر الشرعي للسلطة"، ولكن في حالة الرئيس عباس فإن اختزاله لأغلب القرارات يفرغ هذا المضمون من محتواه بادعاء أنه الأقدر على تصحيح المسار ضمن العقيدة التي يتبعها ويفهمها أكثر من غيره لتنعكس شخصية الرئيس على كل مفاصل الحياة _ القرارات المؤسسات النهج العام_ ما أدى لظهور ثلاثة طبقات في الضفة، طبقة الرئيس وطبقة المنتفعين من االرئيس وطبقة المحكومين الذين يخشون عقاب الرئيس الذي بيده مقاليد السلطة .


قد يرى البعض في شخص الرئيس أنه يجرى مجرى السلوك الطبيعي لأي رئيس دولة، وإن كان الأمر كذلك، فسؤالي لهم: لماذا لا يشرع بانتخابات رئاسية جديدة ولماذا لا يستطيع الشعب أن يطالبه بذلك حتى اليوم ؟؟



2
التعليقات (2)
ابو سمير
الإثنين، 22-07-2019 08:25 م
مقال موضوعي يسلط الضوء على بقعة معتمة تحدد نقطة الارتكاز الذي ينطلق منها الرئيس في سلوكه وقراره السياسي وإدارة منظومة حكمه .
فتحية التميمي
الإثنين، 22-07-2019 02:49 م
تحليل قريب إلى المنطق ...موفقة اختي احلام