هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رغم أن كثيرين كتبوا بالفعل عن تهكم الرئيس دونالد ترامب على أربع عضوات في الكونجرس، فإن لدي بعض الملاحظات أود توضيحها. ففي البداية، لم يكن ينبغي أن يتعجب أحد من أنه مع بدء ترامب حملة إعادة انتخابه، فإنه يستهدف الأميركيين السود. فعلى أية حال، ساعد ذلك على انتخابه في عام 2016. وحينذاك، كال ترامب الانتقادات للمكسيكيين واللاجئين، إضافة إلى انتقاداته لـ«وسائل الإعلام التي تروج أخباراً كاذبة» بالطبع.
ويبدو أن شيئاً لم يتغير، فطريقته وأهدافه كما هما. وفي سلسلة من التغريدات ثم في فعالية ضمن حملته الانتخابية الأسبوع الماضي في «نورث كارولينا»، بدا أنه لا يزال على حاله. وأن فاعليات حملاته الانتخابية ستنطوي على عروض للسخرية أكثر من الخطب السياسية. فهو يتهكم على خصومه، ويستحضر التهديدات، ويركز على المخاوف وعدم الأمان والكراهية، ويدلي بوعود برّاقة، بغض النظر عن وجود نية لإنجازها.
ويشتكي ترامب من المعاناة التي يجب عليه تحملها لأنه يحارب وحده نخبة تعرقل جهوده عند كل منعطف. وبالطبع، هناك أجندة سياسية، لكنها ليست حاضرة في معظم حشوده الانتخابية.
وعندما بدأ حملة ترشحه للرئاسة عام 2015، لم يكن ذلك محل إعجاب نخب الحزب «الجمهوري»، موقف طال ترامب وطرائفه. وحينئذ، وصفه السيناتور «الجمهوري» «ليندسي غراهام» بأنه «كرة نار مدمرة للحزب الجمهوري». وشجب رئيس الحزب آنذاك «رينس بريبس» تصريحات ترامب بأنها «أضعفت القيم الأميركية».
وانتقده «جمهوريون» آخرون، من بينهم نائب الرئيس الأسبق «ديك تشيني»، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ «بول ريان» والسيناتور ماركو روبيو.
وأثناء موسم المنافسات التمهيدية أجريت حواراً مع سيناتور «جمهوري» سابق، أصبح مستشاراً سياسياً، في برنامجي التلفزيوني الأسبوعي «وجهة نظر». وفي تلك المرحلة من الانتخابات، كان دونالد ترامب متصدراً في استطلاعات الرأي، وبعد أن رفضت النخب «الجمهورية» ترشحه، التزمت الصمت فجأة. فسألت ضيفي عن السبب. وكانت إجابته واضحة جداً: «إنهم يخافون من قاعدته الانتخابية». فقد شاهدوا الحماسة التي يثيرها في حشوده، وعلى رغم من أنهم مقتنعون أن «رسالته منفّرة»، لكنهم لم يرغبوا في «خسارة مؤيديه» بمواصلة انتقاده.
وعندما أصبح واضحاً أن ترامب هزم خصومه، باع «الجمهوريون» مبادئهم فيما يمكن وصفه بـ«صفقة مع الشيطان».
ففوز ترامب، كان يعني أنهم سيصبحون في وضع أفضل للحصول على ما أرادوه بشدة، لاسيما مزيدا من القضاة المحافظين، ونظام ضريبي رجعي، وتخفيف كاسح للوائح الحكومية التي تضيّع عقوداً من الإصلاحات، والتخلص من معظم الأجندة التقدمية للرئيس أوباما، بما في ذلك برنامج «أوباماكير» الذي كرهه «الجمهوريون». وفي المقابل، لم يبق الحزب صامتاً فحسب أمام أخطاء الرئيس، السابقة والحاضرة، وإنما عرّض «الجمهوريون» أنفسهم للإذلال بمحاولتهم الدفاع عن أخطائه وسلوكياته.
وبعدما وصفه بـ«كرة نار»، عاد «ليندسي جراهام» ليؤكد أنه «لم يسمع منه كلمة واحدة عنصرية».
وهناك من «الجمهوريين» من كان يتصور، أو ربما يأمل، أنه بعد دخول المكتب البيضاوي، سيصبح ترامب أكثر التزاماً بالبروتوكولات الرئاسية. لكن ثبت أنهم كانوا مخطئين. فقد واصل تأجيج الغضب ببعض تغريداته المثيرة وبعض أوامره التنفيذية.
وعلى رغم أن بعض أعضاء حزبه ربما شعروا بعدم الارتياح تجاه طرائفه «غير الرئاسية»، سرعان ما أدركوا أن هذه الأمور بالنسبة لترامب طريقة للهيمنة على الأخبار. وعندما يواجه تحدياً من جراء تداعيات سلبية، فإن تغريدة واحدة «مثيرة للغضب» من شأنها إحداث تشتيت للانتباه، بما يكفي لتصبح «الخبر الأهم» خلال اليوم. وحتى حشده الأخير في «نورث كارولينا» تم تنظيمه من الأساس لصرف الانتباه عن موعد شهادة روبرت مولر أمام الكونجرس، والتي افترض البيت الأبيض أنها ستكون محرجة للرئيس.
وعرَف ترامب، المدرك تمام الإدراك لقاعدته الانتخابية، كيف يحول الهجمات إلى صيحة تجمع المخلصين من حوله. فأعداؤه لم يتغيروا، من مكسيكيين ومهاجرين ووسائل إعلام. وكذلك لم تتغير ردة فعله تجاههم. لكن ما تغير هو قوة تأثيره على أتباعه ومعجبيه.
وقبل بضعة أسابيع، بعدما غرّد ترامب أنه ربما يسعى لتعديل الدستور الأميركي لكي يتمكن من الترشح لفترة ثالثة في عام 2024، طرح أحد المعلقين تساؤلات مؤداها: «ماذا لو خسر ترامب انتخابات 2020؟ هل سيغادر المنصب بهدوء؟ وهل سيقبل أنصاره رأي غالبية الناخبين، أم أن غضبهم واستياءهم الذي غرسه فيهم سيدفعهم إلى الاحتجاجات والعنف؟» وبالطبع، مثل هذه الأسئلة مثيرة للقلق، وخصوصاً حقيقة أنها مطروحة من الأساس.
عن صحيفة الاتحاد الإماراتية