صحافة دولية

NYT: الضفة هادئة والفلسطينيون يركزون على نوع مختلف من الصمود

 الضفة هادئة كما يريد ترامب والمقاومة الشعبية هي الخيار- نيويورك تايمز
الضفة هادئة كما يريد ترامب والمقاومة الشعبية هي الخيار- نيويورك تايمز

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلتها في القدس إيزابيل كيرشنر، تقول فيه إن محمد أبو رحمة عاد في أحد أيام الأسبوع مؤخرا إلى موقع مواجهات أسبوعية بين المتظاهرين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين، ما جعل قرية بلعين رمزا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه هذه المرة جاء ليس ليتظاهر، لكن للنزهة مع زوجته وأطفاله الثلاثة، لافتا إلى أنه قضى في السجن ثلاث فترات لنشاطه في ذروة المظاهرات، لكنه الآن وعمره 33 عاما أصبح مسؤولا عن عائلة، ويعمل في جمع النفايات.

 

وتنقل كيرشنر عن أبو رحمة، قوله مشيرا إلى التصاريح التي تمنحها إسرائيل للعمال للعمل في إسرائيل، حيث يمكنهم الحصول على ضعف ما يحصلون عليه بالعمل في المناطق الفلسطينية: "الناس يريدون العيش والتصاريح".

 

وتعلق الصحيفة قائلة إنه من حيث الظاهر، فإن هذه التجربة تؤكد العلاقة بين النمو الاقتصادي والسلام، والمنطق خلف المؤتمر الاقتصادي الذي أقامته إدارة ترامب في البحرين، الذي هدف منه إظهار أن هناك فوائد مالية تنتظر الفلسطينيين، إن هم وافقوا على خطة ترامب للسلام، التي لم تنشر بعد.

 

ويستدرك التقرير بأنه بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، فإن الهدوء في المظاهرات الشعبية لا يتعلق بالتفاؤل الاقتصادي، بقدر ارتباطه بفقدان الأمل، ويعزون الهدوء النسبي الذي يسود لمجموعة من العوامل، بينها التعب من الحرب، والرد الوحشي للجيش الإسرائيلي، الذي أدى إلى مقتل وجرح وسجن الكثيرين مقابل إنجازات قليلة.

 

وتقول الكاتبة: "يسود اليأس في حصول تغيير بعد خمس سنوات من المأزق الذي تعيشه مفاوضات السلام، وقوة إسرائيل وعدوانيتها، وما يراه الكثير من الفلسطينيين من قيادة فلسطينية عاجزة ومنقسمة فشلت في إقامة دولة فلسطينية، بالإضافة إلى أنهم يئسوا من دور أمريكي في حل الصراع، حيث يرون أن إدارة ترامب منحازة بشكل ميؤوس منه لإسرائيل".

 

وتذكر الصحيفة أن استطلاع رأي قام به المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله، في حزيران/ يونيو، أظهر أن 23% من الفلسطينيين يعتقدون أن المقاومة غير العنيفة هي الأكثر نجاعة لإقامة الدولة الفلسطينية، وقال ثلاثة أرباع المستطلعة آراؤهم بأنه يجب أن ترفض القيادة الفلسطينية خطة السلام الأمريكية.

 

وينقل التقرير عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، غسان الخطيب، قوله إن الجيل الجديد ينظر إلى رؤية النخبة السياسية الفلسطينية القديمة بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل على أنها غير واقعية.

 

وأضاف الخطيب: "ليس لديهم بديل إلى الآن، ولذلك يبتعد الكثير منهم عن السياسة.. لأنه ليست هناك طموحات قومية جماعية، فيقومون بالاعتناء بشؤونهم الخاصة والشخصية، مثل الوظائف وظروف معيشتهم".

 

وتفيد كيرشنر بأن السلطة الفلسطينية لا تشجع بشكل عام المواجهة المباشرة مع إسرائيل، مشيرة إلى أن التنسيق الأمني مع إسرائيل أمر أساسي في اتفاقية أوسلو التي تمت في التسعينيات، فهي لا تساعد فقط على منع وقوع هجمات ضد إسرائيل، لكنها أيضا تساعد على قمع منافسيها الإسلاميين.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن ناثان ثارل، الذي يقود مشروع إسرائيل – فلسطين في مجموعة الأزمات الدولية، قوله: "من الصعب أن تكون هناك ثقافة مقاومة إن كان النظام والقيادة قائمين من أعلاه على مبدأ التعاون مع الجيش".

 

ويلفت التقرير إلى أن فلسطينيي الضفة الغربية ينظرون إلى مظاهرات غزة على مدى العام الماضي على الحدود، التي ذهب ضحيتها العديد ممن قتلتهم القوات الإسرائيلية، بأنها لم ينتج عنها أي تحسن في الأوضاع، مشيرا إلى قول ثارل إن "سكان الضفة الغربية يطمحون إلى حياة الطبقة المتوسطة، والحصول على قروض بيوت وسيارات بالأقساط".

 

وتبين الكاتبة أن "كثيرا منهم لا يرى منطقا في المغامرة في استقرارهم، مهما كان هشا، لأجل هدف مجرد، وكثير منهم اقترضوا من البنك ليتزوجوا، أو لشراء بيوت وسيارات، وفي الضفة الغربية عدم الدفع أو دفع صك دون رصيد يؤدي بالشخص إلى السجن". 

 

وتنقل الصحيفة عن محمد أبو لطيفة، من سكان مخيم قلنديا، وقضى سبع سنوات في السجن، بعد أن قام هو وصديقان له بطعن إسرائيلي مدني في إحدى ضواحي القدس، عندما كان عمره 17 عاما، قوله: "بدأ الناس بالحديث عن وضعهم الاقتصادي أكثر من المقاومة".

 

وينوه التقرير إلى أنه الآن في السادسة والعشرين من عمره، وهو طالب علوم سياسية في العلاقات الدولية في جامعة بيرزيت، وقال أبو لطيفة إنه سعيد بأن الإسرائيلي الذي طعنه لم يمت، وانتقد السلطة الفلسطينية لتورطها في الاحتكارات التي تسببت في استمرار الأسعار بالارتفاع في الضفة الغربية وللمحسوبية، وقال إن الوظائف الجيدة ذهبت إلى الأشخاص ذوي العلاقات الجيدة.

 

وتنقل كيرشنر عن أبو لطيفة، قوله إن تلك المشكلات بالإضافة إلى التنسيق الأمني، يجعلان الكثير من الشباب الفلسطينيين يشعرون بأنه "يجب عليهم مواجهة السلطة الفلسطينية قبل الإسرائيليين".

 

وتجد الصحيفة أن التغير في الأجواء ملموس، حيث تحول التوتر والعنف إلى هدوء نسبي واستهلاك، ونقطة الاحتجاجات في بلعين، حيث جلس أبو رحمة هو وعائلته، تم تحويلها إلى حديقة مغروسة بالأشجار وملعب للأطفال، مشيرة إلى أن الحديقة بحد ذاتها تمثل انتصارا فريدا، حيث كانت تلك أراض تمت خسارتها لصالح الجدار الفاصل، واستعيدت بعد حرب قضائية طويلة.

 

وبحسب التقرير، فإنه في قرية نعلين القريبة، حيث كان الجنود سابقا يلاحقون الشباب الفلسطينيين الملثمين الذين يحملون المقاليع، تم إنشاء فرع لبنك فلسطين مقابل متجر ملابس فاخر يقدم لزبائنه، بمن فيهم الإسرائيليون، قهوة إسبريسو مجانية.

 

وتقول الكاتبة إنه "في مخيم قلنديا المكتظ، الذي كان دائما نقطة احتكاك، ولا تزال جدرانه تحمل بوسترات قديمة لصور شباب قتلهم الجيش الإسرائيلي، تحاول حليمة أبو لطيفة بصعوبة أن تتذكر آخر مرة جرت فيها مواجهات هنا – قبل عام، أم قبل ثلاثة أعوام؟ لكن كان من السهل عليها أن تنصح بمطعم محلي جيد، مطعم علي للحمص".

 

وتورد الصحيفة نقلا عن عبدالله أبو رحمة (48 عاما)، وهو مدرس سابق والمؤسس المشارك لحركة مقاومة بلعين، قوله إنهم بدلا من الاستسلام، قام هو وقيادات الاحتجاجات بنقل اهتمامهم، فلديه الآن وظيفة مكتبية ويدير لجنة تدافع عن الفلسطينيين المعرضين لتهديدات الاستيلاء على الأراضي وهدم البيوت.

 

ويقول أبو رحمة للصحيفة: "نحتج الآن بالعمل في الأرض، حيث نبني المزارع والشوارع، ونمد أسلاك الكهرباء، ونبني الرياض وملاعب الأطفال. إنه نوع آخر من الصمود لنشجع الناس على البقاء على أرضهم".

 

ويفيد التقرير بأنه في الوقت الذي بشرت فيه إدارة ترامب بمقاربة الازدهار أولا على أنها اختراع، فإن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية روجت لعلاقة مباشرة بين الدخل الفلسطيني والاستقرار.

 

وتذكر الكاتبة أن الوكالة الإسرائيلية للشؤون الفلسطينية قامت بإصدار 86 ألف تصريح عمل لعمال الضفة الغربية الذين يعملون في إسرائيل، وهذا أعلى عدد من التصاريح على الإطلاق، مشيرة إلى أن 32 ألف فلسطيني آخرين يعملون في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.

 

وتشير الصحيفة إلى أن الوكالة، التي تعرف باسم Cogat، خففت من قيودها على تصاريح العمل، حيث أرسلت موظفيها إلى القرى الفلسطينية قرية تلو أخرى لتشجيع حتى من كانوا ممنوعين من العمل في إسرائيل على تقديم طلبات للحصول على تصاريح عمل، فمئات ممن كانوا قد منعوا، ربما لأن قريبا لهم قام بهجوم ضد الإسرائيليين، تمت إزالة أسمائهم من القوائم السوداء.

 

ويجد التقرير أنه مع ذلك، فإن احتمال اندلاع اضطراب جديد لم يكن يوما بعيدا، مشيرا إلى أن مسؤولين عسكريين إسرائيليون، تحدثوا بشرط عدم ذكر أسمائهم، قالوا بأن الضفة الغربية تبقى متقلبة، وإن كثيرا من الهجمات المحتملة تبطلها قوات الأمن الإسرائيلية، وبأن هناك خطرا دائما بامتداد العنف من غزة.

 

وتنقل كيرشنر عن الفلسطينيين، قولهم إنه يجب عدم فهم الهدوء الحذر على أنه قبول بالأمر الواقع، مشيرة إلى قول منسق الحملة الشعبية ضد الجدار والمستوطنات، صلاح الخواجا، لإذاعة صوت فلسطين الأسبوع الماضي، بأن هناك حاجة "لرؤية مشتركة جديدة حول كيفية حشد الجهود الشعبية"، لمكافحة الاحتلال الإسرائيلي.

 

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول الخواجا إن الفلسطينيين بحاجة إلى "نموذج جديد"، لكن لا تزال "المقاومة الشعبية هي الطريقة الأفضل في مكافحة الإجراءات الإسرائيلية".

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)