هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لرمضان في الجزائر، طقوس وعادات توارثتها الأجيال، تُضفي عليه نكهة خاصة وتجعله أكثر الشهور انتظارا في السنة، طلبا للثواب والأجر ورغبة في الاستمتاع بأطباقه وحلوياته وسهراته.
ومع اقتراب موعد أذان المغرب، ينتشر المتسابقون في عمل الخير على جوانب الطرق، لدعوة المارين إلى موائد الإفطار، أو إعطائهم تمرا وماء إذا تعذر على الصائمين تلبية دعوة الإفطار على المائدة الرمضانية.
مخاطرة من أجل الإفطار
وفي الطريق السريع الذي يربط بين الجزائر العاصمة شرقا باتجاه البليدة غربا، يتنافس فاعلو الخير على تقديم موائد الإفطار، ويغامر شباب بحياتهم أحيانا من أجل إطعام غيرهم، إذ تجدهم على حوافّ الطريق يلوحون بالأعلام للسيارات حتى تتوقف، مع أن الطريق في هذا الوقت هو من الخطورة بمكان بفعل السرعة الجنونية التي يسير بها بعض السائقين للحاق ببيوتهم قبل الأذان.
وينظم الشباب أنفسهم في الغالب على مواقع التواصل، ولا يبالون بهذه الأخطار أمام ما يطمحون إليه من الفوز بثواب أجر إفطار الصائم الذي لا يقدر بثمن.
وتفاديا للمخاطر، يقول الشباب إنهم يأخذون احتياطاتهم جيدا عبر ارتداء سترات صفراء تتيح للسائقين تمييزهم والتقليل من سرعة سيرهم، غير أن ذلك لم يمنع في بعض المرات من وقوع حوادث، يدخلها هؤلاء في باب القضاء والقدر الذي لا يمنع استمرار العمل.
ويقول الشاب إسحاق الفروجي وهو أحد المؤطرين في خيمة عملاقة بمدخل مدينة العفرون "70 كلم غربي العاصمة"، إن المشرفين على عملية الإفطار اليومي، ينسقون مع جمعيات السلامة المرورية وقوات الأمن من أجل تفادي الحوادث، خصوصا بعد أن ذاع صيت الخيمة وأصبح يفد إليها الصائمون من كل مكان.
ويوضح إسحاق لـ"عربي21" أن خيمة "الشيف عبد الحق" تقدم يوميا ما بين 600 و700 وجبة متكاملة، تتضمن حساء الشوربة وطبقا رئيسيا وسلطات وتحلية، وكل ذلك في أجواء رمضانية خاصة لا تشعر الصائم بأنه بعيد عن بيته، وهو ما جعل سائقي الشاحنات تحديدا من أصحاب المسافات الطويلة يختارون هذا المكان.
"خبز الماونيس"
وتتميز الموائد الرمضانية في الجزائر بخبز "الماونيس"، كعادة رمضانية يحرص عليها الجزائريون دون أن يعرف الكثير منهم أصول هذا الخبز وكيفية دخوله إلى الجزائر.
ويعود ظهور خبز الماونيس الشهير في الجزائر، بحسب المؤرخين، إلى بدايات الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830. وتشير الروايات التاريخية إلى أن من جاء به هم بعض المعمرين الذين كانوا يسكنون بلدة ماوون الواقعة بجزيرة مينوركا الإسبانية، وهي البلدة التي تعتبر أصل هذا النوع من الخبز الشهي في العالم.
وبانتشار هؤلاء المعمرين في العاصمة الجزائرية ومحيطها وسهل المتيجة ومنطقة القبائل، فقد تحوّل هذا الخبز سريعا إلى تقليد غذائي لا يستغني عنه الجزائريون، خاصة في شهر رمضان، وهم المعروف عنهم ولعهم باستهلاك الخبز والتفنن في إعداده خلال هذا الشهر الفضيل.
ويحضر خبز "الماونيس" عبر طريقة خاصة بالفرينة والخميرة والماء الدافئ المحلى بقليل من السكر، وهو ما يعطيه ذوقه المختلط بين الحلاوة والملوحة، ثم يطهى في أفران تقليدية حتى يحصل على واجهته المنفوخة والمقرمشة.
"زلابية بوفاريك"
وبعد الفراغ من تناول وجبة إفطار دسمة وتأدية صلاة التراويح، يستسلم كثير من الجزائريين لإغراء حلوى الزلابية الشهيرة على موائد سهراتهم الرمضانية.
ومع الزمن، ترسخ لدى الجزائريين، أن أفضل أنواع الزلابية هي تلك التي تصنع في مدينة بوفاريك الواقعة في قلب سهل المتيجة على بعد 30 كلم فقط من الجزائر العاصمة.
وقبل ساعات من الإفطار، تجد أمام محلات هذه الحلوى الشهيرة بالمدينة، عشرات السيارات مصطفة على حواف الطريق، والتي تدل لوحات ترقيمها على اختلاف المناطق التي جاء منها أصحابها للظفر بنصيبهم من الزلابية.
ولعلّ من أشهر أماكن بيع زلابية بوفاريك، التي رصدتها "عربي21"، محلّ الهاشمي عودية وعدلان شعلان الذي يقصده المئات يوميا، وهما في الأصل تلميذان لرجل الزلابية الأول في بوفاريك الحاج خالد شيبة الذي ورث هذه الصنعة لعدد قليل فقط ممن يحتفظون بأسرارها.
ويقول محمد فاسي أحد زبائن هذا المحل إنه يقطع يوميا مسافة 30 كلم من أجل اقتناء زلابية بوفاريك التي لا يتصور سهرة رمضانية بدونها بسبب مذاقها الفريد من نوعه.
ويشير في حديثه مع "عربي21" إلى أنه عندما يتعذر عليه المجيء فإنه يكلف أحد أصدقائه بإحضارها حتى تكتمل متعة القعدة الرمضانية.
ويباع الكيلوغرام من زلابية بوفاريك بـ200 دينار ما يعادل 1.5 دولار، ما يجعلها في متناول أغلب الجزائريين. ومع أن الزلابية التي تطورت مع الوقت في أنواعها وأشكالها تلقى منافسة شرسة من حلويات أخرى شديدة الطلب في الجزائر، إلا أنها بقيت دائما المفضلة في موائد سهرات الشهر الفضيل.