هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
التجارب التاريخية السابقة، وهي عديدة، تؤكد أن موجات الإرهاب
والتطرف التي نفذها مسلمون أو إسلاميون، إنما جاءت في أعقاب موجات قمع متطرفة
لحركات الإسلام المعتدلة، والمقاربة هنا سهلة وبسيطة وواضحة، وهي أن قمع الإسلاميين
المعتدلين يؤدي بالضرورة إلى قناعة لدى الناس بأن من يقمعهم إنما هو يحارب الإسلام
وليس الإرهاب أو التطرف.
في
العقود الأخيرة ثمة ثلاث موجات من «الإرهاب» ضربت المنطقة، أما الأولى فهي الموجة
التي ضربت مصر ابتداء من اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات وما تلاها.
والثانية هي «العشرية السوداء» التي ضربت الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. أما
الموجة الثالثة فهي تنظيم «القاعدة» الذي تطور إلى «داعش» ليكون النسخة الأكثر
تطرفاً، وشغل العالم بأسره طوال السنوات القليلة الماضية.
اندلعت
هذه الموجات الثلاثة في أعقاب عمليات قمع تعرض لها إسلاميون معتدلون، ثم قامت
أنظمة الحكم القمعية بإكمال مسيرة القمع، بأن ألصقت بالضحايا الذين تم قمعهم تهمة
الإرهاب الذي تلا عملية القمع، إذ في الجزائر مثلاً قيل للناس بأن العمليات
الإرهابية التي تشهدها البلاد ليست سوى تأكيد على أن جبهة الإنقاذ «منظمة إرهابية»
وإلا لما وقعت هذه الأحداث في أعقاب قمعها، وكأن الأصل في القتيل أن يموت بصمت ومن
دون أي احتجاج، هذا إذا سلمنا أصلاً بأن جبهة الإنقاذ كانت حينها متورطة في تلك
العمليات الإرهابية. ما حدث في العالم العربي أن موجة الإرهاب التي ضربت مصر جاءت
في أعقاب قمع واسع تعرض له الإخوان المسلمون خلال الخمسينيات والستينيات. أما موجة
الإرهاب التي ضربت الجزائر فجاءت في أعقاب انقلاب عسكري نفذه الجيش وأدى إلى إلغاء
الانتخابات التي فازت بها جبهة الإنقاذ، فيما ظهر تنظيم «القاعدة» وبعده «داعش»
على أيدي عدد كبير من الهاربين من أنظمة القمع العربية الموزعة في عالمنا العربي
من المحيط إلى الخليج.
في
كل مرة تحاول الأنظمة القمعية أن تقول لشعوبها بأن الضحايا هم الإرهابيون وهم
الذين ينفذون أعمال القتل، والصحيح أن الإرهاب ينتج عن عمليات القمع التي تنتج
جيوشاً من اليائسين والمحبطين الذين يجنحون نحو السلاح والعنف كرد فعل متطرف على
القمع والاستبداد.
من
يقرأ التجارب التاريخية المتعلقة بالإرهاب، يفهم جيداً أن العنف والتطرف ليس سوى
نتيجة لعمليات قمع الإسلاميين المعتدلين، وهذا ما فهمته أيضاً أجهزة الاستخبارات
في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من دول العالم، ولذلك فهي تعارض توجه
الإدارة الأمريكية بحظر جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أن حظرها سيؤدي
بالضرورة إلى إنعاش التطرف، أو كما قال الصحافي البريطاني المعروف ديفيد هيرست
«سوف يكون إبرة منشطة يتلقاها أبو بكر البغدادي في ذراعه».
التطرف والعنف والإرهاب هو البديل عن حركات الإسلام المعتدلة، وهذه
حقيقة أثبتتها التجارب التاريخية منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم، فضلاً عن أن
أنظمة القمع والاستبداد في العالم العربي تُشكل مصانع نشيطة للمتطرفين، لأن
المتطرف هو الشخص اليائس والمحبط الذي يرى في التغيير السلمي أمراً غير ممكن. تريد
الإدارة الأمريكية الحالية حظر جماعة الإخوان المسلمين، وتعمل على تقديم الدعم
لأنظمة مستبدة وقمعية تعتقل في سجونها الآلاف بسبب آرائهم السياسية، وهو ما يعني –
بالقياس إلى التجارب التاريخية – أن الولايات المتحدة تريد صناعة مزيد من التطرف
والإرهاب، من دون أي اكتراث، وهذا ما تذهب له وكالات الاستخبارات الغربية التي
سربت تقاريرها وتقديراتها في هذا الخصوص.
والكارثة
هنا هو أنه وباستقراء التاريخ أيضاً، نجد أن الغالبية الساحقة من ضحايا الإرهاب
والعنف والتطرف هم العرب والمسلمون، إذ أن «داعش» و»القاعدة» مثلاً قتلوا من
المسلمين عشرات أضعاف ما قتلوا من غيرهم، كما أن «العشرية السوداء» في الجزائر راح
ضحيتها عشرات الآلاف من الجزائريين، من دون أن تمس أجنبيا واحدا.. وكذا الحال في
مصر، حيث ضرب الإرهاب البلاد والعباد لكنه لم يُطلق رصاصة واحدة نحو إسرائيل!
الخلاصة
هنا، هو أن الولايات المتحدة تقوم بصناعة موجة جديدة من الإرهاب بدعمها أنظمة
الاستبداد وحظرها لصوت الإسلام المعتدل، بينما علينا نحن العرب والمسلمين أن نستعد
لأن ندفع ثمن الموجة المقبلة من العنف.. والله المستعان على ما تصفون.
عن صحيفة القدس العربي