مقالات مختارة

مرحبا بالصيام السياسي

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600

أحيانا يكون الصيام السياسي فضيلة خاصة في بلد عانى - وما يزال - من فوضى السجالات والكلام المجاني والوعود العرقوبية، واحيانا يكون نوعا من الهروب إلى الأمام، أو تعبيرا عن حالة «الفقر» التي تبرز اكثر ما تبرز في رمضان، واحيانا يكون إشهارا لمخاضات لم تحد ولادتها بعد، أو لانسدادات لم تجد من القنوات ما يسمح لها بالانسياب.


من مقاصد الصيام -حتى لو كان سياسيا بامتياز- أن يفضي إلى التقوى، وهي سمة يحتاجها السياسي قبل غيره، التقوى في التعامل مع الوظيفة، ومع المال العام، ومع خدمة الناس والتواصل معهم، والتقوى في الالتزام بالقانون وفي الامتناع عن النميمة السياسية واللغط، ومن مقاصد الصيام - حتى لو كان سياسيا أيضا - تطهير الذات من شهواتها، ومصالحتها مع محيطها، وتحريرها من أخطائها وتدريبها على الصبر والإخلاص، وإعادتها إلى فطرتها الأولى: فطرة ما قبل الوصول إلى المناصب.
في موسم الصيام السياسي يفترض أن تتقدم المراجعات على ما سواها من أولويات: مراجعة الأخطاء التي تراكمت، والمساءلات التي تعطلت، والإصلاحات التي تأخرت، والانسدادات التي قادت إلى الفشل، مراجعة المقررات التي أفرزت ما نعانيه من خلل هنا وهناك، ومراجعة التصريحات التي اتسمت بالفوضى والارتباك، ومراجعة السياسات التي خرجت عن سكة المألوف، والإحباطات التي كادت أن تطبق على لوزتي الناس، والأزمات الاجتماعية التي انتشرت عدواها «كالاميبا» في جسد المجتمع.


مرحبا بالصيام السياسي حين يكون في اطار المقاصد الكبرى التي جاء من أجلها هذا الشهر الفضيل: التقوى والطهارة والمراجعة والتقرب إلى الله تعالى والى عبادة أيضا، مرحبا به حين يكون إيذانا بمواسم جديدة من العمل والإنتاج والعودة إلى التعاليم والقوانين والمراسيم، وحين يكون مناسبة لتفقد الفقراء وإشاعة روح التعاون والتكافل والهداية الوطنية.


أما حين يتحول إلى موسم للصمت أو التعب أو الاسترخاء أو الانشغال بما يطرحه بازار المسلسلات «الرمضانية»، أو الفرجة بانتظار ما تفضي إليه المخاضات المتعسرة، حينئذ يشعر الناس بالقلق من الجمود والفزع من الانتظار، والخوف من الفوضى، وحينئذ تتراكم الأسئلة المعلقة التي يعوزها حسم الإجابات، ويفقد الصيام معناه الحقيقي ويترك فراغات كثيرة لا تملؤها إلا الإشاعات أو الاستنتاجات المتسرعة والخاطئة.


لقد طال حقا نهار الصيام (حتى قبل قدوم شهر رمضان) على بعض إخواننا المسؤولين، وحان وقت الإفطار، حتى لو كان على ماء وشق تمرة، فهل بوسعنا أن نطالب بإعادة الصوم إلى مهاده الأول، ومقاصده الكبرى، وان ننزع عنه جلباب السياسة لتمارس دورها أن كانت تتذرع بثقل وطأته عليها. أو أن نحرر الذين فهموا الصيام «بعيدا عن حقيقته» من أوهام الامتناع عن الكلام والعمل ليباشروا أعمالهم ويتخلصوا من كسلهم ويفطروا على ما قسم الله... أو على ما كتب لهم من «نصيب».

عن صحيفة الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل