هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في مقال لهما نشر في صحيفة وول ستريت جورنال، كتبت ماتينا غريدنيف وسمر سعيد ما يفيد بأن المملكة العربية السعودية والإمارات تؤديان دورا كبيرا في رسم مستقبل السودان، وقامت كل من الرياض وأبوظبي بتقديم مليارات الدولارات للقيادة الانتقالية في السودان بغية التأثير على القيادة الجديدة وكسب السودان، في سياق معارك الاصطفافات الإقليمية التي تخوضها الرياض وأبوظبي، التدخل السعودي الإماراتي في الشؤون الداخلية في أكثر من بلد عربي يصب في استراتيجية الثورات المضادة؛ إذ تخشى الرياض وأبوظبي من انهيار الحكم الاستبدادي في هذه الدول لصالح أنظمة ديمقراطية قد تأتي بالإخوان المسلمين إلى الحكم كما جرى في الدعم الكبير لانقلاب السيسي في عام 2013.
ولم يقتصر الأمر على السودان، فالمعركة الأخيرة على طرابلس وضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، جاءت بعد زيارة الجنرال خليفة حفتر إلى الرياض ولقائه بالملك سلمان بن عبدالعزيز. واللافت أن التأييد لحفتر لا يأتي في سياق الحرب على الإرهاب بقدر ما يأتي وفقا لفلسفة الرياض وأبوظبي التي تستعدي الإسلام السياسي المعتدل وتستعدي الشعوب التي تتطلع للتحرر من نير الاستبداد في هذه البلدان. وحتى بعد الانتكاسات العسكرية الكبيرة لكل الجهات التي أيدتها الرياض وأبوظبي، فالدولتان مستمرتان في تأجيج الثورات المضادة، لأنهما تخشيان أي تغير يمكن الشعوب من تقرير مصيرها. بمعنى، لا يمكن للنظامين السعودي والإماراتي التعايش في إقليم تكون فيه للشعوب العربية الكلمة النهائية في مصير بلادها.
الخيط الناظم لتحركات هاتين الدولتين هو العلاقة مع إسرائيل، على اعتبار أن الأخيرة يمكن أن تكون مساندة لهما في التصدي للخطر الإيراني. والمفارقة أن الدولتين لا تريان في إسرائيل سببا لعدم الاستقرار في المنطقة وكأنها لا تحتل شعبا عربيا. والمتابع لتحركات الدولتين يلمس مستوى التنسيق مع إسرائيل، وبخاصة بعد أن تورطت السعودية في الحرب في اليمن وبعد أن تورط محمد بن سلمان في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في شهر أكتوبر الماضي.
الاستثمار في أنظمة مستبدة يخدم مصالح دول التدخل العربي في مسألتين مهمتين. أولا، منع الشعوب العربية من تقديم أنموذج يحرج تكلس نظامي السعودية والإمارات. فأي نظام ديمقراطي يمكن أن يكشف عيوب الاستئثار بالسلطة والفساد والاقصاء الممنهج في هاتين الدولتين. وثانيا، للدولتين مصالح في إبقاء نحو عشرة آلاف جندي سوداني في اليمن لحماية القوات الإماراتية. ناهيك عن الاستثمارات الزراعية في السودان وبضع الموانئ والقواعد العسكرية.
المفارقة أن هاتين الدولتين لا تحققان انتصارات في الميدان بالرغم من الحجم الهائل في الاستثمار العسكري، فبعد مرور خمس سنوات على الحرب في اليمن وصلت هذا الحرب إلى مأزق لا يعرف أحد كيف سيخرجان منه، والتصدي لإيران لم يخرج عن نطاق المعارضة اللفظية وتحشيد الرأي العام العربي والدولي ضد إيران، لكن تتجنب الدولتان أي صدام مباشر مع إيران خشية من العواقب العسكرية على أرض الميدان.
طبعا لا تلتفت الدولتان إلى موقف الشارع السوداني الذي يرفض تدخل السعودية والإمارات على اعتبار أن الهدف من تدخلهما هو منع تبلور نظام ديمقراطي ودعم الثورة المضادة على رغبات الشعب السوداني. فمراهنة الدولتين على الجنرال برهان كبيرة لأن الأخير لن يغير في سياسة السودان تجاه الحرب على اليمن، ولأن قدرته في البقاء على رأس سدة الحكم في السودان ستكون الضامن لوأد الديمقراطية، ومن ثم إخراج السودان من قائمة الدول التي يمكن أن تقدم نموذجا جديدا في المنطقة. بكلمة، لا يمكن اعتبار دول التدخل العربي إلا سببا رئيسيا في عدم الاستقرار في المنطقة.
عن صحيفة الشرق القطرية