هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سيطول الجدل أميركيا حول تقرير المحقق الخاص روبرت مولر عن تدخل
روسيا «لمصلحة» دونالد ترامب أو «ضدّ» منافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات
الرئاسية عام 2016، وكذلك في ما اعتُبر تدخلا من ترامب «لإعاقة سير التحقيق»، وقبل
أن يُسلّم التقرير إلى أعضاء الكونجرس، أو أن يُنشر بطريقة أو بأخرى، بات هذا
التقرير نموذجا في حد ذاته، كونه اتّهم روسيا فعلا بالتدخّل لكنه لم يتّهم الرئيس،
وهذا ما احتفل به ترامب، ولم يبرّئه وهو ما سخر منه الرئيس قائلا، إن جلّ ما ذُكر
عنه كان مجرد «هراء»، وانتهى طبعا إلى أن التحقيق و»التقرير المجنون» ما كان لهما
أن يحصلا أصلا، لكن لماذا قال ترامب عندما علم بتعيين المحقق الخاص مولر: «هذا
يعني نهاية رئاستي»؟ الأرجح لأنه يعرف أن ثمة وقائع تدينه، ولذلك فإن العامين
الأولين من رئاسته استهلكا كثيرا من الجهد والوقت للتأثير في التحقيق، أولا من
خارجه بمهاجمته والتقليل منه وهو ما ظهر في تغريدات الرئيس، وثانيا من داخله
للتأكد من أنه لن يصل إلى الحقائق التي يبحث عنها.
وربما
لهذا السبب الثاني لم يتضمن التقرير تبرئة خاصة، بل تعمد القول إنه لم يجد أدلة،
أي أن الشكوك لا تزال قائمة، قد يعطي ذلك الخصوم الديمقراطيين ذرائع لمواصلة
الحملة على الرئيس شخصيا، لكنه لا يكفي لبناء قضية من أجل عزله، فالمهم في
استخلاصات التحقيق أنه لم يتمكن من إثبات تعاون معاوني ترامب مع الروس لدعم حملته،
والأهم أنه كان توصل باكرا إلى أن التدخل لا يتيح التشكيك في نتيجة الانتخابات، أي
أن الديمقراطيين خسروا السلاح الذي انتظروه نحو عامين، استطاع خلالهما ترامب ليس
فقط أن يصمد في مواجهة الشكوك وحسب، بل أن يباشر سياسات خطيرة على مستويات داخلية
وخارجية، وأن يحافظ على قاعدته الانتخابية ويوسّعها، وحتى أن يصبح «ملهما» لكل
حركات اليمين المتطرف التي انتعشت وازدادت حضورا وقوة في معظم البلدان الغربية.
لم
يخسر الديمقراطيون وحدهم هذا الرهان، بل أيضا العديد من الدول الأوروبية وكندا
التي وضعته في حساباتها ضمنيا، أو الصين وتركيا وإيران والمكسيك ومعظم أميركا
اللاتينية، بالإضافة إلى دول عربية وإسلامية تحديدا، بسبب قرارَي ترامب بالنسبة
إلى القدس والجولان، واستعداده لفرض «تسوية» للقضية الفلسطينية من خلال ما يُسمى
«صفقة القرن»، ويبدو أن بين المقاطع التي حُجبت من النسخة الأصلية للتقرير ما يمكن
أن يتعلق بالتحقيق الاستخباري الذي لم ينتهِ حول العلاقة الملتبسة بين موسكو وموقع
«ويكيليكس» وحملة التسريبات غير المسبوقة التي تولاها، وكانت كفيلة بنسف علاقات
أميركا مع عشرات العواصم، وبين دبلوماسييها وآلاف الأشخاص الذين كانوا مصادر
معلومات لهم، وهذا تحقيق آخر فضّلت واشنطن إبقاءه في إطار الأجهزة.
لم
تكن هناك حاجة «لإعاقة التحقيق»، لأن المحقق نفسه يوضح أن تعليمات وزارة العدل
نصّت على «عدم توجيه تهم للرئيس»، وبالتالي فإن التحقيق كان مقيّدا في الأساس، لكن
ترامب وأعوانه تخوّفوا من حصول مفاجآت. والنتيجة الآن أن عدم اتهام الرئيس أنعش
حملة إعادة انتخابه سنة 2020، فراحت تعمل بحيوية بعدما عانت لشهور من عدم اليقين،
فما موقف الحزب الجمهوري نفسه؟ وهل تكيّف نهائيا مع ترامب الذي غيّر كثيرا من
سياسات الحزب وقاعدته، وهل تغلب على انقساماته ليدعمه لولاية ثانية؟ خبرة ترامب في
لعبة المصالح كفيلة بتقليص عدد مناوئيه.
عن صحيفة العرب القطرية