ملفات وتقارير

بوابات الاحتلال الحديدية تحول قرى فلسطينية إلى "أقفاص"

البوابات الحديدية أصبحت واقعا مفروضا على الفلسطينيين، منذ سنوات عدة- جيتي
البوابات الحديدية أصبحت واقعا مفروضا على الفلسطينيين، منذ سنوات عدة- جيتي

خرج من منزله في العاشرة صباحا، ليصل إلى المستشفى كي يبدأ عملية غسيل الكلى، التي قد تستغرق نهاره بأكمله، ففي الوضع المنطقي يستغرق وصوله ليس أكثر من نصف ساعة، ولكن تحت الاحتلال الإسرائيلي لا يوجد مكان للمنطق!

تفاجأ الفلسطيني، أبو أحمد الطيطي، من سكان مخيم الفوار للاجئين جنوب مدينة الخليل المحتلة، بقيام جنود الاحتلال بإغلاق البوابة الحديدية المقامة على مدخل المخيم، رغم عدم وجود أحداث تُذكر، فتلك خاضعة فقط لمزاجهم وهوسهم الأمني، انتظر لساعتين حتى يعيدوا فتحها ولكن لم يتبق لديه أمل في ذلك فعاد أدراجه إلى المنزل وانتظر حتى ساعات المساء ليبيت في المشفى.

ويقول لـ "عربي21"، إن "مدينة الخليل لا تبعد كثيرا عن المخيم فنحن نسلك طريق دورا المجاورة ومنها إلى المدينة وكل ذلك لا يستغرق منا سوى نصف ساعة، ولكن مع وضع البوابة الحديدية أصبحت الطرق لا تقاس بالمسافة بل بمزاج الجنود".

 

وأضاف: "أنا كمريض أحتاج للذهاب للمستشفى في الخليل عدة مرات في الأسبوع لا يشغل بالي المرض أكثر من البوابة التي تنغص عيشنا".

البوابات الحديدية أصبحت واقعا مفروضا على الفلسطينيين، منذ سنوات عدة؛ فمع بدء انتفاضة الأقصى عام 2000 بدأ الاحتلال بنصبها على مداخل بعض القرى ليخنق أهلها ويعيق تحركاتهم، ومع بداية عام 2019 أصبحت البوابات موجودة على مداخل كل القرى المحاذية لأي شارع استيطاني، ما يعني العشرات منها.

بهدف الإهانة


قرية رأس كركر إلى الغرب من مدينة رام الله نموذج حي على ما تُحدثه البوابات الحديدية في حياة الفلسطينيين؛ فهي محاصرة بأربعة منها تعيق تحركات سكانها البالغ عددهم أكثر من 2000 نسمة.

ويقول رئيس المجلس القروي هناك راضي أبو فخيدة لـ"عربي 21"، إن الاحتلال قام قبل عدة أشهر بنصب أربع بوابات تخنق أهلها؛ الأولى على مدخل القرية الرئيسي وثلاثة منها على مسافات أبعد تحرم سكانها مع أهالي عشرات القرى المجاورة من الوصول إلى مدينة رام الله.

ويوضح أن البوابة الموضوعة على مدخل القرية الرئيسي إذا أغلقت فسيضطر المواطنون إلى سلك طريق أخرى تضاعف وقتهم؛ ولكن قبل شهرين تحديدا تم نصب بوابة أخرى هناك بالقرب من برج عسكري، فأصبح السكان داخل حصار فعلي بينهما، ما يزيد من معاناة الطلبة والمرضى والموظفين والتجار والعمال.

ويضيف:" قتلوا المنطقة كلها بعد أن كانت حيوية وتخدم عشرات آلاف الفلسطينيين؛ ولم يُبقوا طرقا مفتوحة إلا تلك الخاصة بمركبات المستوطنين والتي تؤدي إلى المستوطنات، بحيث أصبح ما لا يقل عن 35 قرية فلسطينية في ريف غربي رام الله تحت حصار هذه البوابات".


اقرا أيضا :  "السطو المسلح".. نهج يومي لجيش الاحتلال بالضفة والقدس


ومنذ منتصف عام 2017 أغلقت قوات الاحتلال طريقا كان يسلكه الفلسطينيون بالقرب من مستوطنة "حلميش" المقامة على أراضي شمال غربي رام الله؛ ما ضاعف عليهم المسافات التي زاد من صعوبتها نصب بوابات يغلقها الاحتلال يوميا عدة مرات.

ويشير أبو فخيدة إلى أن قرار وضع البوابات الحديدية على مداخل القرى هو عسكري بحجة الأوضاع الأمنية، وإذا ما تمت مراجعة أي جهة قانونية يتم الإبلاغ من طرف الاحتلال بأنها قرارات عسكرية لا يمكن التراجع عنها.

ويتابع:" أي موقع يريدون الاستيلاء عليه أو أي أرض ينوون مصادرتها يتم ذلك تحت إطار الأمر العسكري، وإذا فتحوا البوابة تتمركز آلية عسكرية إسرائيلية بالقرب منها ويبدأ الجنود بفحص هويات المارة وتفتيش مركباتهم والمماطلة في ذلك؛ فمن الممكن أن ينتظر الفلسطيني على الحاجز لأكثر من ساعتين مع احتجاز ما يقارب 400 مركبة، الهدف الوحيد ليس أمنيا بل إذلال الناس وإهانتهم".

700 حاجز


الاحتلال كان يكتفي بنصب حواجز عسكرية شبه دائمة على مداخل القرى والبلدات في الضفة المحتلة، ولكنه الآن وكي يوفر الجهد على جنوده ويضاعف المعاناة على الفلسطينيين قام بنصب البوابات الحديدية التي تعتبر شكلا آخر للفصل العنصري وتحول هذه القرى إلى تجمعات فلسطينية معزولة عن بعضها.

بدوره يؤكد سليمان الوعري مدير مركز عبد الله الحوراني للأبحاث أن الاحتلال ينصب ما يقارب من 150 بوابة حديدية يفتحها ويغلقها حسبما يريد، حيث من الممكن أن يفتح إحداها لمدة ربع ساعة ثم يعيد إغلاقها من جديد لساعات، وكل البوابات تقع في أراض تابعة للسلطة أو خاضعة لسيطرة الاحتلال أو لسيطرة الاحتلال والسلطة معا وفقا لتقسيمات اتفاقية "أوسلو" الموقعة بين الطرفين.

ويشير إلى أنه خلال شهر آذار الماضي رصد المركز 154 حالة إغلاق لمداخل ومنافذ القرى والبلدات والمخيمات عبر الحواجز العسكرية والبوابات والسواتر الترابية، بينما بلغ ذلك في شهر شباط الماضي 132 مرة، كما أن الحواجز "الطيارة" والتي ينصبها الجنود بشكل مفاجئ في أي موقع بلغ عدد مرات وضعها 300 مرة.

ويوضح الوعري أن المركز وخلال تقريره السنوي لعام 2018 رصد وجود 700 حاجز عسكري بينها البوابات الحديدية والسواتر الترابية في كل أرجاء الضفة ولكن غالبيتها يكون على مداخل القرى والبلدات، وكلها تعيق تحركات الفلسطينيين بين المدن الرئيسية وتعرقل أعمالهم ودراستهم ووصولهم للمستشفيات.

واقع مرير تعيشه الضفة المحتلة تحت الحصار الإسرائيلي بذرائع أمنية، ولكن الهدف الحقيقي كما يراه الفلسطينيون على الأرض هو تأمين حياة المستوطنين ومصادرة المزيد من الأراضي لصالحهم وتحقيق عزلة جغرافية لمنع إقامة أي كيان فلسطيني موحد مستقبلا.

التعليقات (0)