كتاب عربي 21

الشيخ المهرّج!

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

في الأجواء السياسية الراهنة في المنطقة؛ وفي مرحلة ما بعد الربيع العربي تحديدا؛ حيث تاهت البوصلة واختلت الأولويات، برزت ظاهرة الشيخ المهرّج.


ربما كانت موجودة في السابق بهذا القدر أو ذاك، لكنها زادت في الأجواء الراهنة بشكل ملحوظ، والأهم أن زمن مواقع التواصل ما لبث أن منحها الكثير من الانتشار.


حدث ذلك في ظل حاجة السياسة التائهة بقصد أو بدون قصد؛ وربما الظالمة، إلى كثير من التبرير لما تفعل. فكلما أوغلت في ارتكاب الأخطاء صارت حاجتها للتهريج أكثر مساسا، ولم يعد المجال الإعلامي كافيا لإرضاء شهيتها في مواجهة الهجوم عليها، فكان لا بد من إدخال المشايخ إلى هذه الحلبة، وغالبا من خلال مواقع التواصل.


تاريخيا؛ حرص كل الطغاة على أن يكون لهم عمائم وشعراء وملأ، كلٌ بحسب دينه ومعتقده، وكلما أوغل الطاغية في الظلم صارت الأصناف التي يشغّلها أكثر بؤسا وتهريجا. وحتى لو لم تكن كذلك في الأصل، فإن عليها لكي تثبت الولاء أن تتعمق أكثر فأكثر في مستنقع التهريج.

 

الحال أنه لا شيء أكثر سقوطا من تبرير الظلم باسم الدين، وقديما قال غاندي "لا أعرف خطيئة أسوأ من اضطهاد بريء باسم الله"


في زمننا الراهن، صرنا نرى مشايخ يمارسون التهريج السياسي على نحو ينافس الأسماء المستعارة في مواقع التواصل، أو ما بات يُصطلح عليه بـ"الذباب الإلكتروني" أو التشبيح الإلكتروني، وصاروا يفتحون المعارك اليومية مثل طلاب المدارس في ساعة "الفسحة"، ويمارسون النكاية في أسوأ نماذجها مراهقة وابتذالا.


يضعون الصور والفيديوهات، ثم يعلّقون، ويسخرون، ويكتبون الشعر أحيانا، ويبررون ما كانوا يُدينونه من قبل، وينقلبون على أبجديات مواقفهم، متجاهلين أن "يوتيوب" يفضحهم، ومن يتجوّل فيه سيجد بضاعتهم القديمة، ويقارنها بالجديدة، فيمعن فيهم هجاء وازدراء.


والحال أنه لا شيء أكثر سقوطا من تبرير الظلم باسم الدين، وقديما قال غاندي "لا أعرف خطيئة أسوأ من اضطهاد بريء باسم الله"، فكيف بتبرير ما هو أسوأ من الاضطهاد ممثلا في القتل والتعذيب، بل اضطهاد شعوب بأكملها؟!!


المصيبة التي نحن بصددها أن تهريج المشايخ يبدو أكثر ابتذالا من تهريج المهرّجين المحترفين في الفضائيات، والذين بدأت برامج السخرية (المعارِضة إن جاز التعبير)، تقبض عليهم متلبسين بالهراء، وتجعلهم مادة للسخرية والضحك أمام الجمهور، فيما الحال أنهم كذلك بدونها، حتى من قِبل متابعيهم، والذين يفعل أكثرهم ذلك من أجل التسلية لا أكثر.


في هذا السياق هناك نقطتان مهمتان، يجدر التوقف عندهما حيال هذه الظاهرة التي نتحدث عنها، أولهما أنه كلما زاد التهريج في الدفاع عن هذا النظام أو ذاك، كان ذلك تأكيدا على تصاعد مستوى تأزمه الداخلي، وربما الخارجي، ذلك أن النظام المحترم لا يحتاج إلى مهرجين للدفاع عنه، وإذا كان ولا بد، فسيجد أناسا على قدر من الهيبة والاحترام يفعلون ذلك، حتى لو كانت المهمة ذاتها إشكالية لمن يحترمون أنفسهم وعلمهم وثقافتهم. 

 

هنا في هذه الأمة مخزون وعي كبير، ونماذج راسخة في التعبير عن سائر القيم الجميلة، ولا يمكن تبعا لذلك تزييف وعي الناس عبر التهريج


أما حين يكون النظام مأزوما ومتورطا في مستنقع الخطايا والأخطاء، فسيكون من الصعب الدفاع عنه بالمنطق، ومن مستويات محترمة من العلماء والمثقفين. وإذا حدث أن فعل أحدهم ذلك، فلن يجد سوى التهريج سبيلا للدفاع، وهذا ما يفسّر حقيقة أن بعض المشايخ الذين تورطوا في التهريج خلال المرحلة الحالية كانوا في الأصل يتمتعون ببعض الاحترام في أوساط الناس، لكنهم سقطوا بعد ذلك.

النقطة الثانية المهمة هي تلك المتعلقة بتأثير هذه العصبة من المهرجين على الجماهير، ذلك أن البعض يبالغ كثيرا في مستوى ذلك التأثير، ويخشى تبعا لذلك من تضليل الناس، فيما الواقع أن ذلك ليس صحيحا، حتى لو تأثرت فئة قليلة بذلك.

هنا في هذه الأمة مخزون وعي كبير، ونماذج راسخة في التعبير عن سائر القيم الجميلة، ولا يمكن تبعا لذلك تزييف وعي الناس عبر التهريج، بل حتى من خلال ما هو أفضل من ذلك، حتى لو تم استخدام نصوص الدين، مع افتعال الهيبة والوقار.

 

هناك جحافل من العلماء الأحرار الذين يراوحون بين السجون والمنافي، وبين التضييق، وبين الصمت، بجانب جحافل من الأحرار الذين يتبنون القيم النبيلة


ولذلك لا حاجة للخوف على وعي الناس، بل لعل ما يجري يكون مناسبة لكشف وجوه بائسة كانت تحظى بما لا تستحقه من الاحترام، وهي في داخلها تعاني العطب.


يبقى القول إنه في مقابل الشيخ المهرّج، والإعلامي المهرّج، وجحافل الأسماء المستعارة التي تدافع عن الظلم والطغيان، هناك جحافل من العلماء الأحرار الذين يراوحون بين السجون والمنافي، وبين التضييق، وبين الصمت، بجانب جحافل من الأحرار الذين يتبنون القيم النبيلة في مواقع التواصل ويدافعون عنها، فيما سكتت الغالبية وفضلت الابتعاد خوفا من بطش السلطة في لحظة صعبة.

زمن التهريج والمهرّجين إلى زوال، بدليل أن كل هذا الذي دفعته الثورة المضادة من أجل تركيع الناس، لم يأت بنتيجة، وها هي الجماهير تخرج بين حين وآخر معلنة رفضها، ومؤكدة أن دبيب الحياة في هذه الأمة أكبر من أن يقتله بطش الطغاة، ولا تهريج المهرّجين؛ إن باسم الدين أم عبر شعوذة الإعلام والإعلاميين.

4
التعليقات (4)
متفائل
الإثنين، 08-04-2019 01:52 ص
محمد الذي علق ووسم الاخر بالغباء أو الاستعباط ، مثل هذا يحسنه الذباب الالكتروني الذي يكتب و يخاطب الناس من دون ضمير ، لعل الأخ مصري جدا عبر عن ذلك خير تعبير ، وهو من دون شك من أكثر المكتوين والمتألمين من الحالة التي وصلنا اليها في أحزابنا و كياناتنا و أفكارنا التي غلب عليها ما هو قاتل أحيانا و ميت أحيانا أخرى ، كان الأفضل لك يا محمد ولنا جميعا ، أن تناقش الفكرة و تعريها ، او كأنك تعكس ظل هذا السياسي المغامر المسمى محمد بن زايد الذي زايد علينا كثيرا وو سمنا بالغباء و الاستعباط في ليبيا المخطار واليمن السعيد و سوريا الشام التليد.
محمد
الأحد، 07-04-2019 04:07 م
متفائل اقرأ المقال وافهمه كويس او انك غبي او بتستعبط .
مصري جدا
الأحد، 07-04-2019 03:34 م
قساوسة الكنيسة في العصور الوسطي برروا كل خطايا الملوك حتى كفرت الشعوب بالملوك والقساوسة والدين والرب جملة واحدة ،،،، وبعض شباب المسلمين اليوم يعيش هذه الحالة ولآسباب شارك فيها الاسلاميون أنفسهم بنواياهم الطيبة و الكارثية ،،، لكن يبقى الرهان على غالبية دعاة الأمة ونخبتها الوطنية في اعادة المسار الصحيح من جديد وفي ثوب يليق بتحديات المرحلة وطموحات المستقبل ،،، لكن بقايا قيادات المعارضة الاسلامية والمدنية معا ،، شركاء الاخفاق والفشل ،،، تجاوزتهما المرحلة ،، فهل من منصات قيادة جديدة ،،،
متفائل
الأحد، 07-04-2019 02:27 م
علماء أقرب الى الأميين منهم الى المعلمين ، وشتان بين المعلم والحامل للقب عالم من دون أن يتعلم ، أو يعلم في يوم من أيام الناس ، ما أكثر هؤلاء الذين أعطيت لهم شهادات هي أقرب الى شهادة الوفاة منها الى شهادة الحياة ، فركبوا العناوين والشعارات وأكلوا باسم الدين وصاروا بذلك أثرياء كأولئك الأثرياء من دون ثروة ، مثل هؤلاء خاضوا باسم الدين والمتدينين معارك كلها وهم و بهتان و زور ،خصوصا ضد ما سموه علمانية ، وكانوا في حقيقة أمرهم أكبر العلمانيين من دون علمنة ، لأنهم شوهوا الدين وحرموا الناس من الحلم والسلم والمودة والحنان والشفقة والعفو والايثار وكل ما هو جميل الى الحد الذي باتوا حاجزا بين الناس و نور و هداية الاسلام ، اليوم و بعد أن انكشفت كل أوراقهم على أيدي بن زايد وابن سلمان ، فقد اختار أحرار أمة الشهادة طرؤقهم بكل وعي و قوة ، ولن يستطيع مثل هذا الذباب المتساقط منعهم من بلوغ شط الأمان .