هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف مؤتمر وارسو الأخير، الذي جمع وزراء خارجية عربا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تسليم إماراتي كامل بالرواية التاريخية الصهيونية، التي تصر على أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس. وفي السياق ذاته، ظهر في تصوير فيديو سربه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي وزراء خارجية البحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبنيامين نتنياهو، تبارى فيه الوزراء الخليجيون في إظهار الاحترام للموقف الإسرائيلي بذريعة التصدي لخطر مشترك، ألا وهو إيران.
والحق، أن الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد العرب لم تكن في يوم من الأيام دفاعا عن النفس، بل جاءت في سياق السياسة التوسعية الإسرائيلية، وأي نظرة سريعة لما كتبه المؤرخون الجدد - وهم بالمناسبة إسرائيليون - ستكشف عن اعتراف إسرائيلي بالطبيعة التوسعية للكيان الصهيوني الذي استثمر كل الفرص الممكنة للتوسع على حساب الفلسطينيين. وحروبها الأخيرة على وجه التحديد لم تكن في سياق الدفاع عن النفس، لذلك لا يمكن مجرد فهم كيف لوزراء خارجية عرب أن يقدموا هذا التنازل والتسليم بالسردية التاريخية للصهاينة!
التناقض في موقف الإمارات أمر لا يمكن لأي مراقب ألا يلاحظه، ففي حين يوافق وزير خارجيتها على أن لإسرائيل حق الدفاع عن النفس، فهو لا يقول لماذا لا تمارس الإمارات حق الدفاع عن النفس وجزرها الثلاث محتلة من إيران منذ ما يقارب من نصف قرن! وإذا كانت الإمارات عاجزة عسكريا عن القيام بحقها في الدفاع عن نفسها، فلماذا عندئذ تقيم علاقات تجارية مع دولة تحتل جزرها!
الإمارات معنية بإقامة تحالف مع إسرائيل بأي ثمن، لأنها ترى أن ذلك يصب في مصلحتها، ومن أجل تحقيق ذلك فهي تسلك سلوكا وكأنها مستعدة لتقديم الفلسطينيين أكباش فداء وقربانا للتقرب من إسرائيل. وهي بطبيعة الحال لا تختلف عن المملكة العربية السعودية التي تخلت عن مبادرة السلام العربية، تلك المبادرة التي اقترحتها السعودية في عام في مطلع الألفية. تنص مبادرة السلام العربية على انسحاب إسرائيل لخط الرابع من حزيران مقابل التطبيع، لكن الرياض الآن تقوم ليس فقط بالتطبيع، وإنما بالتحالف مع إسرائيل دون أن تعلن إسرائيل مجرد الإعلان عن نيتها للانسحاب من الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران.
وللأسف تمكنت إسرائيل من خلال أدواتها من إقناع هذه الدول بأن عدوها الأساسي هو إيران، وأن إسرائيل في هذا السياق هي خير حليف، ناهيك عن وجود قناعة لدى النخب الحاكمة في هذه الدول بأن الطريق إلى واشنطن تمر عبر تل أبيب. النتيجة الرئيسية لمثل هذا الوهم، هو اندلاق هذه الدولة التي بدأت تهرول باتجاه تل أبيب.
من دون الدخول في تفاصيل المشهد في مؤتمر وارسو، علينا أن نعيّ كعرب بأن صراعنا مع الصهاينة ليس فقط على الأرض، وإنما على حقيقة ما جرى منذ أن جاءت موجة الهجرة اليهودية الأولى في عام 1882 وحتى يومنا هذا، أي السردية التاريخية. وسردية إسرائيل تضم أساطير مؤسسة لهذه الدولة، التي ما كان يمكن أن تقوم لو لم يتم اقتلاع شعب بأكمله من أرضه.
لست متأكدا أن الوزير الإماراتي مطلع على تاريخ الصراع مع الصهاينة، وإذا كان ملما به ويقول ما كشفه التسريب فتلك مصيبة. كنت أتمنى أن يستغل الوزير الإماراتي الفرصة ليقول لنتنياهو بأن للفلسطينيين حق الدفاع عن أنفسهم ضد آخر احتلال كولونيالي على وجه هذه البسيطة، لكنه لم يقل ذلك وربما لن يقول! ومع ذلك لا ضير، فالفلسطينيون سيستمرون في كفاحهم من أجل التحرر من نير الاحتلال، ولن ينتقص منهم أو من عدالة قضيتهم تسليم الإمارات بالرواية التاريخية الإسرائيلية.
عن صحيفة الشرق القطرية